kayhan.ir

رمز الخبر: 11859
تأريخ النشر : 2014December15 - 22:02

هل أسر السوريون طيّاراً؟‎

سمير الفزاع

أنهيت مقالي الأخير الذي تحدث عن أسرار ورسائل الغارة الصهيونية على مستودعين قريبين من مطار دمشق الدولي وفي منطقة الديماس قريباً من المطار الشراعي بما يلي: (ختاماً، ولأصحاب "الرؤوس الحامية”، إذا ما نظرنا لهذه الغارات من هذه الزاوية، سنجد بأن الرد المثالي هو الإلتفاف الحقيقي والعميق حول جيشنا والثقة به، والتركيز على هزيمة المشروع الأساسي لهذه المرحلة التاريخية، إسقاط سورية من الداخل عبر الأدوات الإرهابية… ولنعلم أن نتائج الغارة لم تظهر بالكامل حتى اللحظة!!!!!!.). من عبارة "ولنعلم أن نتائج الغارة لم تظهر بالكامل حتى اللحظة” سأبدأ.

في أواخر 1983 عقب قيام سياسيين أمريكيين كبار بإتهام الحكومة السورية علناً، بأنها قامت بالمشاركة في تفجيرات ثكنات البحرية الأمريكية في بيروت، تلى ذلك ببضعة أسابيع قيام طائرات الولايات المتحدة بالهجوم على المواقع السورية في لبنان. كان روبرت جودمان في ذلك الوقت طيارا يبلغ من العمر 27 عاما وأقلع بطائرته مع الليفتنانت طيار مارك لانغ على متن طائرة من طراز (إيه 6-إي انترودر) في الرابع من كانون الأول عام 1983 من على متن حاملة الطائرات الأمريكية جون إف كينيدي المتمركزة قبالة السواحل اللبنانية.

تمثلت مهمة الطيارين في إسقاط ألف رطل من القنابل على دبابات سورية وقواعد صواريخ مضادة للطائرات في وادي البقاع في لبنان على مقربة من الحدود السورية، ويتذكر جودمان أن نيران أسلحة صغيرة وصاروخ مطلق من القوات السورية على الأرض استطاعت إصابة الطائرة وبدأت تتهاوى، واستطاع هو ولانغ القفز من الطائرة بالمظلات على الارض أثناء سقوط طائرتهما. ويتذكر جودمان تكبيله واقتياده على متن شاحنة دون أن يعلم إلى أين وجهته أو من هم آسروه، ثم علم بعد ذلك أن زميله لانغ توفي متأثرا بإصابته. وقال "عندما ذهبنا إلى دمشق وضعوني في زنزانة ثم أحضروني من أجل استجوابي.”

إستثمرت سورية أسر طيار البحرية الأمريكية، الملازم أول جودمان، استغلالاً يتسم بمهارة عالية من أجل منع قيام الولايات المتحدة بالمزيد من الأعمال العسكرية ضد سورية. قضى جودمان شهراً واحداً في السجن السوري، ثم قامت سورية بتسليمه ـ وهو أمريكي أسود ـ إلى القس جيسي جاكسون –وهو الآخر أمريكي أسود. كان هذا عملا سوريا بارعاً انتفع في ذات الوقت من التوترات السلالية العرقية، والمعارضة الداخلية المحلية ضد الاستخدام الأمريكي للقوة، وحملات الانتخابات الرئاسية الأمريكية. لقد كان التلاعب السوري بالرأي العام الأمريكي يتمتع بمستوى عالٍ من الخبرة. لقد خدمت قضية جودمان الغرض منها على أفضل وجه ؛ فلم تستخدم الولايات المتحدة القوة ضد سورية مرة أخرى.

وفي 14/7/2006 أكد الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله أن "الأسيرين الصهيونيين لن يعودا إلا بالتفاوض غير المباشر وتبادل الأسرى”، وبقي حال الأسرى الصهاينة طيّ الكتمان حتى إكتملت عملية التبادل، وتسلمهما الكيان الصهيوني جثث هامدة.

ما أردت قوله، أن العمليات العسكرية التي تنفذها واشنطن وتل أبيب لا تسير دائما كما تشتهيان، وأن سورية وحزب الله يتقنا فنّ التلاعب بهذه المخططات، وهما قادران على إستغلال أي حدث لتحويل "المحنة” إلى نصر و”منحه”.

يدرك الكيان الصهيوني ومن خلفه واشنطن وعملائها في المنطقة، أن مشروع الحرب على سورية بكل صيغه المستخدمة حتى اللحظة بات يلفظ أنفاسه الأخيرة؛ بل إن علامات إستفهام كبيرة باتت تطرح حول الوجود الأمريكي ككل في المنطقة، كان رحيل قيادة الأسطول الخامس من البحرين آخر مؤشراتها. يوماً بعد يوم، تتكبد داعش والنصرة وبقية الفصائل الإرهابية خسائر فادحة في العدة والعتاد، وتتراجع مساحة الجغرافيا التي تسيطر عليها، وصارت الخسارة السمة الأبرز لكل معاركها… في كلّ من سورية والعراق، وهذا جميعه يجري في ظل عجز واشنطن وحلفها عن تحقيق أي إنجاز ميداني حقيقي، وإنعدام القدرة على نشر قوات فاعلة على الأرض في كلا البلدين، وتصاعد حدة الخلافات بين أعضاء هذا التحالف… . إن التطور المستمر للأحداث على هذا المنوال، سيجعل واشنطن أمام خيارين، إما المسارعة بعقد تفاهم ما مع القوى الفاعلة في المنطقة، وهو ما يبرر ترحيب جون كيري بالضربات الجوية التي نفذتها طائرات ايرانية ضد داعش في العراق، والأحاديث المتواترة عن "تفوض” أمريكي لموسكو لإنجاز تسوية سياسية في سورية… أو ترك مشروعها ينهار ولملمة ماتبقى لها من حلفاء ومصالح في منظومة جديدة، وهو ما دعى له كيري نفسه مؤخراً، عندما تحدث عن تحالف يجمع بين الكيان الصهيوني ودول عربية تتشابه مصالحهم في محاربة "الإرهاب”، أو المزاوجة بين الخيارين السابقين.

يعرف الكيان الصهيوني أنه سيكون من أبرز الخاسرين من إنتصار سورية، حيث ترسخ خلال هذه الحرب عدة وقائع سياسة وعسكرية وإقتصادية وإجتماعية… ستشكل القاعدة المتينة لمتغيرات كبرى في خريطة وشكل وموازين القوى في المنطقة. منها:

1- إكتساب الجيش العربي السوري بكافة تشكيلاته، قدرات وخبرات ميدانية هائلة ناجمة عن مقارعة الخطط والأدوات العسكرية والإستخبارية والإرهابية والإقتصادية والدعائية… لعشرات الدول المعادية، ولأربع سنوات متتالية.

2- تحصين علاقة سورية بحلفائها الذين بقوا إلى جانبها طوال فترة الحرب، أوفياء صامدين.

3- إكتشاف المواطن السوري أن كنزه الأثمن، سورية، وضمانته الأكبر، وحدته الوطنية، ودرعه الحقيقي، جيشه، وطريقه إلى النصر، بإلتزام قيادته.

4- أدرك العالم أجمع، أصدقاء وأعداء، أن سورية عصية على الإلحاق، متمسكة بإستقلال قرارها الوطني، ومستعدة للذهاب بالمواجهة إلى أبعد مدى… ومن غير الممكن أن تفرط بذرة من حقوقها، وهذا يرعب كلّ من ساهم بالحرب عليها.

5- بات واضحاً أن حلفاً جديداً يتشكل، وهو مدين بظهوره لصمود سورية وإنتصارها، ولن ترضى سورية بأقل من موقع الصدارة فيه، أشار لهذا المعنى نائب رئيس الوزراء العراقي، المالكي في بيروت، وبوتين في أنقره… ويرسم اليوم خطوطه العريضة السيد وليد المعلم مع وزيري خارجية العراق وايران، بعد أن أتمها مع الجانب الروسي قبل أيام.

6-إن صمود سورية وإنتصارها أمام هذا العدوان الأضخم والأعقد في العصر الحديث، فتح أمامها خزائن متعددة المحتويات، عسكرية سياسية إستخبارية إقتصادية… ما يؤهل سورية للعب متعاظم، قد يفوق مفهوم”الدولة المركز” المتعارف عليه.

7-يعلم الكيان الصهيوني أن حسابه صار ثقيلاً جداً مع سورية وحلفائها، وأنه سيكون عسيراً جداً. ولا حلّ أمامه إلا بإطالة أمد الحرب، أو المغامرة، وكلا الخيارين بات شبه مستحيل.

13/9/1973 يقوم سرب من مقاتلات العدو الصهيوني (12 طائرة فانتوم وميراج) بالتحليق بمحاذاة الساحل السوري، قبالة مدينة طرطوس، وتتصدى له مقاتلات سلاح الجو السوري، وتنشب معركة جوية لعدة دقائق، خسر فيها سلاح الجو السوري 10 طائرات. اللافت في الأمر أن سورية كانت تمتلك منظومات الدفاع الجوي "سام” التي أسقطت أعداد كبيرة من طائرات العدو خلال حرب تشريين 1973، أي بعد أقل من شهر من هذه الغارة، ولكنها آثرت تحمل تبعات هذه الغارة على فقدان عنصر مفاجأة إمتلاكها منظومات سام المتطورة التي ستستخدمها في حربها بعد أيام.

7/12/2014 يقوم عدد من طائرات العدو الصهيوني بالإعتداء في وضح النهار على منشآت حول مطار دمشق الدولي وفي منطقة الديماس. تحدث العديد من قادة الصهاينة عن خطوط حمر مفترضة سيجبرهم محاولة إختراقها على التدخل الفوري، كتوريد سورية أنظمة للدفاع الجوي، أو البحري، أو صواريخ أرض-أرض متطورة إلى حزب الله. لكن طبيعة وشدة الإنفجارات التي خلفتها الغارات تؤكد بأن لا وجود لمثل هذه الإهداف في المواقع التي تم الإغارة عليها عكس ما شهدناه عندما تم إستهداف مواقع بالقرب من قاسيون في العام 2013. إنعدام الإنفجارات المتتالية يؤشر إلى فشل الغارة الصهيونية في تحقيق أهدافها، ويمكن إرجاع هذا الفشل إلى أحد هذه الأسباب:

1- أن الغارة الصهيونية كانت دعائية بالمطلق، ولا أهداف حقيقية لها غير ذلك، وهذا أمر شبه مستحيل.

2- إكتشاف غرفة المراقبة التي تتابع الغارة أن الأهداف وهمية-غير حقيقية، أو أن المواقع المستهدفة فارغة من الأهداف.

3- تعرض الطائرات لخطر داهم منعها من إتمام عملها، وسقوط طائرة حربية وأسر قائدها، وسقوط أخرى بدون طيار.

لا تقدم السياسة السورية خدمات مجانية للأعداء، وهي غير معنية -حتى اللحظة على الأقل- للكشف عن حجم المأزق الذي تورطوا فيه. ستمرغ أنوفهم مرتين وثلاثة إن أمكن، مرة عند إرتكاب الحماقة والفشل فيها، وثانية عند تجرع مرارة الإعلان عنها، وثالثة عند دفع الثمن. الدفاع الجوي في الجيش العربي السوري إستخدم بعض من إمكانياته في مواجهة طيران العدو، هل أصاب أهدافه؟ وما هي الأهداف التي أصابها؟ وأي نتائج ترتبت على إصابة هذه الأهداف؟ هل هناك من طيارين أسرى؟ … لننتظر إجابات العدو وهو يتجرع مرارة الإعتراف.