تسوّل القومية
أحمد مصطفى علي
يبدو أن حكومة الاحتلال، ومع إقرارها ما يسمى قانون "يهودية الدولة” أو "الدولة القومية”، اختارت طريق التصعيد المستمر الذي لا رجعة فيه ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وأنها فقدت اتزانها وعقلها بشكل كلي من خلال سعيها الوصول إلى نظام فصل عنصري أسوأ بكثير من النظام الذي كان سائداً خلال القرن الماضي في جنوب إفريقيا، وانتهى بفعل يقظة الشعب ونضاله بقيادة زعيمه الراحل نيلسون مانديلا، الأمر الذي يؤكد أن "إسرائيل” وعبر اتخاذها هذه الخطوة في طريق هلاكها، لما يضيفه هذا القرار، إذا تم تنفيذه، من ظلم وتفرقة عنصرية ضد أصحاب الأرض الحقيقيين، يفوق ما عانوه منذ نكبة 1948.
المتمعن بقانون "يهودية الدولة” سيشتم بسهولة وبشكل فاضح رائحة الكراهية والعنصرية ضد كل من هو غير يهودي، في فلسطين التاريخية، وخاصة ضد المواطنين الفلسطينيين، بشطب كل حقوقهم وإعطائها لشذاذ الآفاق الذين تم استقدامهم من كل أصقاع العالم، ويلغي لغتهم العربية، ويمس بحق العودة بل ويسلب من الفلسطينيين الصامدين في الداخل أرضهم وأملاكهم ومنازلهم، وبالتالي تهجيرهم من أراضي ال 48 بالقوة، وهذا ما طالب به وزير خارجية الكيان أفيغدور ليبرمان.
على الفلسطينيين أن يكثفوا من تحركاتهم الدولية التي تساعدهم على وضع النقاط على الحروف وتحقيق تسوية مع "الإسرائيليين”، تضمن لهم الاعتراف بحقهم في وطنهم التاريخي والطبيعي في عكا ويافا وحيفا والنقب وغيرها من البلدات والمدن في فلسطين المحتلة 1948، حيثما عاشوا وأسسوا هويتهم الوطنية الخاصة التي سبقت قيام الكيان الصهيوني بآلاف السنين.
"إسرائيل” تحاول من خلال إقرار قانون "يهودية الدولة” أن تصيغ هويتها المعدومة بعد 66 عاماً على اغتصاب فلسطين، فهو كيان قائم، على جمع كل الأضداد، من خلال جلب اليهود من كافة أنحاء العالم، إلى أرض الميعاد المزعوم، وفشلت في كل مساعيها في توحيدهم أو حتى خلق نوع من الانسجام بينهم، ما يبشر بأن هذا القانون سيفشل حتماً.
الشعب الفلسطيني في أراضي ال 48 مطالب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بتوثيق لحمته، والوقوف صفاً واحداً، على اختلاف معتقداتهم الدينية والمذهبية، ضد هذه الهجمة الصهيونية الشرسة التي تستهدف اقتلاعم من أرضهم ووطنهم الذي عاشوا فيه منذ آلاف السنين، بتمزيقهم وشق صفوفهم وإيقاع الفتنة بينهم حتى يسهل النيل منهم، عملاً بسياسة "فرق تسد”.
أخطر ما في قانون "يهودية الدولة” أنه يُحوّل "إسرائيل” إلى كيان عنصري، يلزم حكوماته بالقيام بتطهير عرقي وإبادة جماعية، وينسف كل جهود التسوية ويسعى إلى الاستيلاء على القدس والضفة الغربية بحجة أن الأولى هي عاصمته الموحدة الأبدية والثانية هي "يهودا والسامرة”.
من المؤكد أن "يهودية الدولة” قانون فاشل بامتياز لسبب بديهي هو أن الكيان الصهيوني، يعتمد على الدين ليكون "دولة طبيعية” كسائر دول العالم التي تمتلك هوية وطنية وقومية، وتجاهل بأن الدين لا يبني هوية قومية ووطنية، لأن معظم مستوطنيه لهم قوميات وأوطان أساسية ينتمون إليها، الأمر الذي يؤكد أن هوية "إسرائيل” القومية والوطنية التي تسعى للحصول عليها من خلال قوانين عنصرية ليست لها أي مرتكزات تاريخية، وبالتالي ستكون هوية مزورة حتماً لأنه تم تسولها من كل دول العالم.