الحوار اللبناني الداخلي على إيقاع التحولات الخارجية
سركيس ابو زيد
تطورات اقليمية فتحت المجال امام الحوار الداخلي اللبناني انطلاقا من ان الملفات الداخلية هي الأهم ، وان الملفات الخارجية المتخاصم عليها ستناقش بعد إعادة ترتيب وتنظيم البيت السياسي اللبناني.
على الخط الموازي للتحرك الداخلي اللبناني، هناك تحركات سياسية إقليمية تشير الى بداية أجواء لحل سياسي للازمة السورية انطلاقا من مبادرة مصرية وروسية تعمل من اجل ترتيب أجواء مؤاتية لحوار داخلي سوري .
فموسكو تريد من خلال هذه المبادرة بعدما أبعدت نفسها من التحالف الدولي ضد "داعش" أن تطل من الباب السياسي وتقدم نفسها كوسيط بين المعارضة والنظام السوري، بالاضافة إلى انها تريد اشغال الفراغ السياسي الذي بدأ مع انهيار"جنيف2" وتضعضع الموقف الامريكي من الازمة السورية.
كما ان اجتماع بوتين والمعلم اكد التحالف الاستراتيجي مع دمشق من خلال التسليح النوعي للجيش السوري، بما في ذلك منظومة صواريخ اس 300، ومكافحة الارهاب ، وأن حل الازمة السورية يسير في شقين: الاول الحل العسكري مع الارهابيين، والحل السياسي مع المعارضين الوطنيين السلميين.
الوزير علي حسن خليل ونادر الحريري الحوار اللبناني :الحذر سيد الموقف على الخط الموازي للتحرك السوري-الروسي، جاءت المفاوضات الايرانية-الامريكية لتؤكد النتيجة المتوقعة لها قبل اجراء هذه المفاوضات، وهي المراوحة في المكان وعدم الوصول الى حل نهائي ، مع اتفاق الطرفين على تمديد مدة هذه المفاوضات لستة أشهر اضافية، وعلى تأكيد طهران-واشنطن على عدم وجود "فشل سياسي" وإنما الامر يحتاج الى عمل اضافي ليتحول هذا التفاهم بينهما الى اتفاق شامل ومكتوب. على ان تشهد المفاوضات في جولاتها الجديدة والتي ستنطلق الشهر المقبل من مسقط لمعالجة الملفات العالقة وسط الكثير من التغييرات الاقليمية والدولية.
أنجاز عملية التمديد لمجلس النواب فرضه الامر الواقع وخرج الى حيز التنفيذ بعد ان تم الاتفاق عليه أثناء زيارة الرئيس سعد الحريري للرئيس نبيه بري في عين التينة خلال زيارته الخاطفة والمفاجئة للبنان.
يومها استفاد الرئيس بري من هذا اللقاء ليقرب وجهات النظر بين المستقبل وحزب الله خاصة ان هناك معطيات اقليمية جعلت من بري متفائلا للخروج من ازمة الفراغ الرئاسي.
فهناك انفراج ايجابي في عملية الاتفاق النووي مع إيران وإن تأخر الوقت، يضاف عليه حصول تفاؤل في تحسن العلاقات السعودية – الايرانية، والأهم من كل ذلك يسعى بري بكل ثقله السياسي لتحريك وإنجاح حوار حزب الله – المستقبل، لأنه يرى انه السبيل الوحيد للوصول الى رئيس توافقي للبنان والذي بات عنوان الاستحقاق الرئاسي.
من هنا تشجع بري في ان يكون عراب هذا التقارب وراعيه خاصة بعدما أعلن الحريري صراحة مبادرته بالانفتاح ومد اليد، التي تلقاها السيد حسن نصرالله في استعداده لملاقاة هذا الحوار. مع العلم ان حزب الله لديه ثلاث شروط لايقبل أن تدرج على طاولة حواره مع المستقبل، قتاله في سوريا،ومسألة سلاحه في الداخل اللبناني، ووقوفه الى جانب حليفه عون كمرشح للحزب للرئاسة طالما هو لاينسحب من السباق.
في حين ان المستقبل ابدى استعداده لوضع الأزمة السورية وقتال حزب الله في سوريا جانباً، مع ادراكه ان مسألة سلاح حزب الله لم يحن اوانها بعد للبحث فيها لأنها مسألة استراتيجية دفاعية تحتاج الى حوار وطني.
ويرى تيار المستقبل أنه مقابل التقديمات الأمنية والقرارات الصعبة التي اتخذها بتوفير تغطية للجيش اللبناني في عملياته العسكرية والأمنية، يترتب على حزب لله تقديمات وتنازلات سياسية وتحديدا في موضوع رئاسة الجمهورية لكسر حدة الأزمة وتطبيع الوضع...
في الوقت نفسه هناك انقسام لرأيين في المستقبل، الرأي الأول يغلب عليه التحفظ والحذر لأن هذا الحوار ينعقد من دون ضمانات مسبقة ويكتنفه الغموض في جدول أعماله، كما أن حزب لله هو المستفيد من الحوار فيما سيكون على تيار المستقبل أن يقدم تنازلات ليس أقلها إهمال تطورات المحكمة الدولية.
أما الرأي الثاني، فإنه يرى في هذا الحوار أهمية وضرورة لتحقيق الفصل بين الوضع في لبنان والأزمات الإقليمية ولتحصين الوضع الأمني واستباق مرحلة صعبة مقبلة على المنطقة. وفتح الباب امام انتخاب رئيس توافقي.
من هنا جاء طرح الحريري لموضوع الرئيس التوافقي، ليلغي مقولته السابقة عن التوافق المسيحي حول الرئيس الجديد، ليحدد مفهوماً جديداً للرئيس التوافقي، الذي يوافق عليه المستقبل وحزب الله. مع تأكيده على استمرار التواصل مع بكركي ولجم أجواء التوتر معها وتجاوز موقفها العنيف ضد التمديد وتفهمه. بالاضافة الى حرصه على استمرار العلاقة الشخصية مع عون والتواصل والحوار معه ومع وزرائه لتأمين سير عمل الحكومة بمعزل عن فشل وتوقف حوار الرئاسة. اقدم المستقبل على الحوار بعد تشجيع من السعودية ، وقد عبر سفيرها في لبنان على عواض عسيري أن موقف المملكة يعتمد على ضرورة الحوار والاتصالات مع حزب لله كحزب سياسي له ممثلوه في البرلمان والحكومة بالاضافة الى انه شأن داخلي وكل ماتتمناه المملكة هو أن ترى وحدة الصف بين اللبنانيين والتوافق بين القوى السياسية كافة لتحصين لبنان وإيجاد مخرج للشغور الرئاسي. وموقف الرياض مرتبط بالتطورات الإقليمية وحالة المملكة الحائرة في خباراتها غير المحسومة بعد بين محاربة الإرهاب الذي يقترب من داخلها والتفاهم مع اخصامها.
بعد تحديد الأجندة سينطلق الحوار بين ممثلين لـ "المستقبل وحزب الله"، فمجرد حصوله سيكون عامل انفراج سياسي ونفسي، وسيكون إيذانا بحصول تفاهمات سياسية جديدة ، مع القبول والتعايش مع التمديد النيابي الذي سينعكس على تفاهم دورعمل الحكومة والمجلس والملفات الامنية، والاهم من ذلك العمل من اجل حلّ عقدة الفراغ الرئاسي والاتفاق على رئيس جديد للانتهاء من ازمة الكرسي الأول.
الحوار الداخلي اللبناني يواكب التطورات الإقليمية لذلك فلا حلول سريعة ولا انفجارات كبيرة والانتظار الحذر سيد الموقف.