ويبقى الحسين يقض مضاجع الطغاة
ماجد حاتمي
المتناقضان لايجتمعان ، حقيقة بديهية ، فلا يمكن ان يجتمع النور والظلام ، ولا العدل والظلم ، ولا التقوى والتهتك ، ولا الكرم والبخل ، ولا الكبرياء والخسة ، ولا العنفوان والضعة ، ولا الرفعة والدناءة ، ولا البطولة والجبن ، ولا الاصلاب الشامخة واللقطاء ، ولا الايمان والكفر، ولا ثورة كربلاء والاستبداد ، ولا الامام الحسين(ع) والطغاة.
مخطيء من يظن ان ثورة الحسين عليه السلام ، هي جزء من الماضي ، وحدث أكل عليه الدهر وشرب ، وان من العبث احياء ذكرى هذه الثورة و رموزها كل عام ، من باب تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون.
ان الحسين ، ليس اسما لحفيد سيد الكائنات المصطفى محمد صلى الله عليه واله وسلم فقط ، ولا هو اسم لحفيد زوج الرسول الاكرم (ص) خديجة الكبرى (ع) فقط ، ولا هو اسم لابن الزهراء البتول (ع) بضعة الرسول (ص) فقط ، ولا هو اسم لابن امير المؤمنين يعسوب الدين اسد الله الغالب الامام علي بن ابي طالب (ع) فقط ، ولا هو اسم لشقيق الامام الحسن المجتبى (ع) فقط ، ولا هو اسم لشقيق بطلة كربلاء عقيلة بنى هاشم زينب الكبرى (ع) فقط ، فالحسين (ع) عقيدة ومبدأ وموقف ومنار ولواء وفكرة ومدرسة وثورة لا تعرف المكان ولا الزمان ، فهي على امتداد المكان والزمان ، فكل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء.
التعاليم والمبادىء الاسلامية السامية التي تربى عليها الامام الحسين (ع) في البيت المحمدي العلوي الفاطمي ، الذي اذهب الله الرجس عن ساكنيه ، جعلت من حفيد محمد (ص) تجسيدا حيا للاسلام المحمدي الاصيل ، وهذا التجسيد العملي حوله الى صرخة مدوية ابدية في وجه الظلم والظالمين والطغاة والمستبدين ، فنال الحسين و ذكرى الحسين وعاشوراء الحسين وكربلاء الحسين وثورة الحسين واتباع الحسين وانصار الحسين ومحبي الحسين ، على يد الطغاة ، على مدى الف واربعمائة عام ، كل صنوف القتل والتعذيب والتنكيل والتشريد والتحريف والطمس ، فكم مرة سوى الطغاة ضريحه الطاهر بالارض، ولكل الحسين هو الذي طمس كل الطغاة والمستبدين والظالمين ، وبقي ضريحه قبلة لعشاق الحق والحقيقة ، والمتبرمين من الظلم والفساد والقهر والاستبداد ، ومنارا ينير درب الاحرار في كل عصر ومصر.
الخوف من الحسين كابوس ينغص على الطغاة حياتهم ، فاما ان تكون مع الحسين فانت حر أبي ، واما ان تكون ضد الحسين فانت عبد ذليل او طاغ عنيد ، لا مكان بين الاثنين ، اما مع الحسين واما مع الطغاة والاذلاء وعبدة الدنيا ، فالحسين قسيم الحق والباطل ، فهو واخوه الحسن امامان قاما او قعدا ، بنص صريح من جدهم محمد الامين (ص) ، لذا فالذين يبغضون الحسين من الطغاة ، وعلى مدى قرن واربعمائة عام ، هم صنف واحد من البشر قديما وحديثا ، فهم من امثال يزيد و صدام ، والحجاج والزرقاوي ، والخوارج و "الدواعش" ، وبنو امية والوهابية ، كما هو الحسين حقيقة واحدة فان اعداءه كذلك ايضا.
اما وعاظ السلاطين والنواصب وعبيد الدنيا ، فهم ايضا من الد اعداء الحسين ، ولافرق بين من كان يعيش في ظل حكم بني امية ومن يعيش اليوم في ظل حكم الطغاة ، بالامس افتى الفقيه المالكي ابن العربي بفتوى اعتبر فيها الحسين (ع) قُتل بسيف جده لانه خرج على امام زمانه ، والامام عند ابن العربي هو يزيد !!، واليوم يخرج على الناس مفتى السعودية الوهابي عبدالعزيز ال الشيخ ويفتي بشرعية بيعة يزيد ويقول :"ان الحسين غير مصيب لانه عارض يزيد .. وان اهل السنة متفقين على الذي اجتمع الناس عليه بالبيعه وجب على الناس السمع والطاعه وحرم الخروج عليه والحسين لم يلتزم بهذا فقُتل .. من الواجب على الحسين بيعة يزيد لكن الحسين غرر به و لم يبايع يزيد".
فتوى ال الشيخ جاءت في اطار برنامج تلفزيوني بث على قناة "المجد" الفضائية الوهابية ، وكان يجيب على سؤال وجهته له سيدة ، وعندما قالت السائله للشيخ هل من الممكن ترشدني لكتاب اقرأه عن الحسين رضي الله عنه فقال لها "لا ننصحك بقراءة ماجرى عليه ، تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون. وفي ختام كلامه قال مفتی السعودیة : نسأل الله ان يعفو عن الحسين.
لسنا هنا بصدد ذكر ما انزل يزيد بالاسلام والمسلمين من الكوارث ، وندعو القارىء ليتصفح اي كتاب ارخ لحكم يزيد ، عندها سيُصدم بما اقترفه من جرائم يندى لها جبين الانسانية بحق المسلمين ، وصحابة رسول (ص) ومكة والمدينة ، وهي جرائم مازالت الامة الاسلامية تدفع ثمنها الى اليوم.
هنا نسأل هل هناك من اختلاف في وجهة نظر ابن العربي وال الشيخ الى الحسين (ع) ؟، وما هو السبب الذي يدعو مثل هؤلاء الناس الذين يدعون العلم ان يتفوهوا بمثل هذا السخف؟، اي عقل سليم يمكن ان يضع الحسين (ع) ويزيد في كفة واحدة؟، بل اي عقل سليم يمكن يبرر فاجعة كربلاء ويبرىء ساحة يزيد؟، ولماذا؟ ، اليس هناك شيء ما غير سوي في هذا الصنف من البشر؟، ترى لماذا كل هذا الحقد على ابن بنت رسول (ص)؟، ترى لماذا كل هذا الخوف من الحسين ؟ .. اعتقد ان هذا الخوف هو سبب كل هذيان هؤلاء الناس.
هنا قد يسأل سال ، لماذا نبحث كل هذه الخلافات التاريخية التي تنغص على المسلمين ، حياتهم لندفنها ونستريح ؟، اقول ان الشعوب الحية في العالم ، والتي لها مساهمات في بناء الصرح الحضاري للانسانية ، ما كانت ليكون لها مثل هذا الدور لولا هدي عظمائها ورموزها ، وفقدان مثل هؤلاء العظماء والرموز ، في التاريخ العربي والاسلامي ، هو سبب الانتكاسة الحضارية التي مني بها العرب والمسلمون ، لماذا؟ لان طغاتهم يخشون الحسين ، فالحسين يقض مضاجعهم ، لذلك يحاولون طمسه وطمس الرموز الحقيقية التي تجسد خير تجسيد تعاليم الاسلام العظيم ، بينما على العكس من ذلك يبرزون الظالمين والفاسدين والمجرمين ، لشرعنة حكمهم وظلمهم ، فمن هذا العمى وهذا الظلال خرجت "داعش" واخواتها اليوم ، ومن هذا المسخ التاريخي الممنهج للشخصية الاسلامية على يد الطغاة ، يخرج علينا احد خريجي مدرسة الوهابية في القرن الحادي والعشرين ليأسف لعدم مشاركته في قتل الحسين (ع) .