kayhan.ir

رمز الخبر: 3945
تأريخ النشر : 2014July19 - 20:14

العدوان الإسرائيلي يلغي محاولات ضرب المقاومة

د. سعيد الشهابي

العدوان الاسرائيلي على غزة هذه المرة يختلف في ظروفة واهدافه عما سبقه من اعتداءات غاشمة، خصوصا ما جرى في 2008. ولذلك فالمتوقع ان تكون طرق انهائه ونتائجه مختلفة كذلك. ولكي يمكن توضيح الآفاق السياسية والعسكرية لما يجري فان من الضرورة بمكان استيعاب التطورات التي حدثت في المنطقة في الاربعين شهرا الاخيرة. ومن بين تلك التطورات ما يلي: اولا ان سوريا كانت الحاضنة الاولى للمقاومة الفلسطينية ومن بينها حركة حماس التي اصبح القضاء عليها من اهم اهداف العدوان الحالي ثانيا: ان قوى الثورة المضادة كانت آنذاك مهمشة ومرفوضة لدى الرأي العام العربي. لكنها هذه المرة تلعب دوريا قياديا في توجيه شؤون المنطقة واصبح لديها مجموعات مقاتلة منتشرة في بلدان عربية واسلامية كثيرة. ثالثها ان هذه القوى تعادي المقاومة الفلسطينية جملة وتفصيلا، خصوصا حماس والجهاد الاسلامي. وعلى عكس النهج السياسي الذي انتهجته حماس في العامين الاخيرين، فان قوى الثورة المضادة التي تتزعمها السعودية واضحة في نهجها السياسي. فهي لا تميز بين حماس وحزب الله على مستوى العقيدة السياسية، ولا تمايز بينهما من حيث الانتماء المذهبي، وان كانت تسعى دائما لاذكاء الاختلافات المذهبية للامعان في اضعاف كل منهما. فكلاهما مرفوضان من قبل هذه القوى ويجب محاربتهما لانهما يحملان مشاريع سياسية وايديولوجية تختلف عما لدى قوى الثورة المضادة. رابعها: ان ما جرى في مصر في العام الاخير من تحولات سياسية ادى لوقوع السلطة بايدي العسكر الذي قام بتدمير كافة خطوط الامداد لقطاع غزة وهدم اغلب الانفاق التي كانت شريان الحياة لأهله.

وقع العدوان الاسرائيلي على غزة في ظروف غير مؤاتية للمجموعات الفلسطينية خصوصا حماس. صحيح انها دخلت في شراكة سياسية مع السلطة الفلسطينية، ولكن ذلك لا يوفر لها كثيرا من الدعم العملي. فقد استهدف الاسرائيليون كوادرها في الضفة الغربية وانهكوها تنظيميا. وبعد مرور اكثر من عشرة ايام على العدوان، لا يزال المجتمع الدولي غير عابىء بما يجري هناك. اما حين وقع العدوان الاسرائيلي على غزة في نهاية 2008 وبداية 2009 كان الوضع آنذاك مختلفا تماما، فكان العرب والمسلمون يعيشون اجواء مختلفة ويشعرون بنشوة اول نصر عسكري سجله حزب الله في مقابل الجيش الاسرائيلي. اما اليوم فقد تغيرت المشاعر وتداخلت الاولويات وفرضت قوى الثورة المضادة نفسها على الساحتين العربية والاسلامية بمستوى غير مسبوق. وكانت الازمة السورية الحفرة الكبرى التي سقط فيها الكثيرون، ومهدت للعدوان الحالي. واحدثت تلك الازمة تغيرات جوهرية في العقيدة السياسية والعسكرية لدى المجموعات الناشطة خصوصا في ما يتعلق بقضية فلسطين. ومن ذلك ما يلي: ان قوى الثورة المضادة طرحت شعارا خطيرا سرعان ما تبنته المجموعات التي يفترض انها تمتلك من الوعي الحركي والاسلامي ما يحصنها ضده. فرفع شعار "الشيعة اخطر من اليهود” ليكون تحولا على صعدان شتى: نفسية وسياسية وعسكرية. فما دام الشيعة اخطر من اليهود فلتوجه كافة الامكانات ضدهم. ولم تسلم منظمة حماس من ذلك. وبدلا من استيعاب مخاطر مشروع قوى الثورة المضادة الهادف للتطبيع مع "اسرائيل” والقضاء على كافة التهديدات لامنه، سمحت حماس لنفسها بالتورط في المستنقع السوري بشكل ازعج حلفاءها السابقين، خصوصا ايران وحزب الله.ونقلت الخبرات التي استفادتها في مجال حرب الشوارع والعصابات الى المجموعات المسلحة في سوريا. كان على حماس ان لا تتورط بهذا الشكل ابدا، وان تركز على قضية التحرير ومقارعة الاحتلال والاستعداد لذلك بالتعاون مع القوى التي تؤمن حقا بخطها.

الامر الآخر ان قوى الثورة المضادة عملت لاضعاف المجموعات المسلحة الفلسطينية باساليب شتى. فاستطاعت اضعاف موقع دمشق كنقطة تلاق لتلك المجموعات، ودفعتها لاعلان مواقف ضد النظام السوري، الامر الذي ساهم في تقوية المجموعات المدعومة من قوى الثورة المضادة. وسرعان ما اعلنت احدى المجموعات المتمردة على تنظيم "القاعدة” ما اسمته "دولة الخلافة” واصبحت الاولوية ليس لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي بل لمواجهة ايران وحزب الله والعراق، بسبب مواقفها الداعمة لسوريا. وكان واضحا لمن يتابع مواقف السعودية وسياساتها وهي التي تزعمت مشروع "الثورة المضادة” منذ انطلاق ثورات "الربيع العربي” ان لديها اهدافا عديدة منها اجهاض الثورات، استهداف الاسلام السياسي، استهداف حركات المقاومة للاحتلال الاسرائيلي، واضعاف التحالف العربي – الاسلامي الموجه ضد الاحتلال. وما كان ينبغي لأية حركة او حزب ينتمي لتيار الاسلام السياسي ان يستدرج لمواقف او سياسات تسهل مهمة قوى الثورة المضادة. فمن لديه مخزون من ايمان او وعي او شعور وطني او رغبة في الحرية والتحرير يعرف ان المشروع الطائفي وسيلة لضرب روح المقاومة والتصدي للاستبداد، وان التحالف غير المقدس بين مالكي الدولار النفطي ومجموعات التطرف والارهاب، يهدف اساسا لتقويض عمل رواد الصحوة الاسلامية منذ مطلع القرن الماضي. هذه القوى ادركت ان التهديد الاخطر للوجودات السياسية الهشة التي تدعمها السعودية تنطلق من قوى التحرر والوعي ومن بينها حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، والتنظيمات الاسلامية العديدة خصوصا في مصر. وبعد ان خططت بشكل متقن للدعاية المضادة وعبأت امكاناتها الاعلامية كافة للتشويش على حقائق الواقع في مصر، اقدمت قوى الثورة المضادة على اكبر انقلاب في التاريخ المعاصر في مصر، واقامة نظام عسكري مقيت بديلا للحكم المنتخب.

وفي اجواء الانشغال العربي بتداعيات الانقلابات المتوالية ضد ثورات التغيير، اصبحت مجموعات متطرفة مثل "داعش” و”النصرة” تستحوذ على الاهتمام العام، وتصادر فضاءات الحرية والتحرير والمقاومة. وانعكس ذلك بغياب الحضور الشعبي العربي في الساحات للتعبير عن دعم صمود غزة والضفة الغربية امام العدان الاسرائيلي. اليوم يراق الدم الفلسطيني رخيصا بالطائرات والصواريخ الاسرائيلية. من الذي استرخص دماء العرب والمسلمين؟

ان مطالبة العالم بمواقف ضاغطة على الكيان الاسرائيلي يجب ان تتواصل، ولكن بموازاة ذلك مطلوب اعادة فتح كافة الملفات التي ادت لذلك الاسترخاص. فحين يقتل اكثر من الف عراقي شهريا ويلوذ الجميع بالصمت، يتحول ذلك الصمت وقودا لطاحونة الموت، ويموت الضمير تدريجيا.

ما الفرق بين الدم العراقي او السوري او الباكستاني او النيجيري او الفلسطيني؟ استرخص المسلمون دماء بعضهم قبل ان يسترخصها غيرهم. بينما الصهاينة يشنون حربا لان ثلاثة اطفال قتلوا بايد غير معروفة وفي ظروف لم تحظ بدراسة موضوعية واعية. لا يمكن اقرار اراقة اي دم بدون حق، وقتل الفلسطينيين جريمة لا يجوز التقليل من شأنها، ومن يصمت ازاءها او يقر سفكها فهو شريك في الجرم. ألم يحن الوقت للتصالح مع النفس والذات وتشخيص الاخطاء الكبرى التي حدثت في السنوات الاخيرة لاعادة تعبئة العرب والمسلمين على خطى الحرية والتحرير ورفض الاستبداد والاحتلال؟ ان حدث ذلك فلن ينتصر الصهاينة على المقاومة الفلسطينية الباسلة والصامدة، لانهم ببساطة، محتلون وسفاحون وقتلة ولان المقاومة تمارس حقا مشروعا ضد الاحتلال، وتستحق الدعم الكامل لانتصارها المحتوم، لانها صاحبة حق مشروع.