عن المشهد اليمني والمعيقات الاساسية باتجاه التحول المنشود
بلال الحكيم
في التحولات الكبرى تحدث الكثير من المقدمات وفي احيان كثيرة يحصل ان تستمر هذه المقدمات حتى تكاد الا تنتهي , وهذا ما يجعلها بمثابة معيقات جديدة اكثر تعقيدا من سابقاتها .
المرحلة الانتقالية , لا تعني سوى تمهيد الاجواء وتذليل الصعاب وتكثيف الجهود في سبيل احداث تحولات دستورية منظمة وسليمة , ولا يمكن ان تعني باي حال من الاحوال , تجميد الواقع السياسي وخلق مبررات تعثرية لاجل تمديد المرحلة الانتقالية واستمرار الاستحواذ على القرار وتعطيل الاتفاقات او تأخير العمل بها .
هذا ما حدث , تآمر واضح وفج على كل ما اتفق عليه كبرنامج مرحلي وانتقالي يمتد من فترة توقيع مبادرة مجلس التعاون الخليجي بين الفرقاء المتصارعة ( الغير محسوبة على الثورة ) بل الممثلة للاحزاب السياسية , وينتهي بانتهاء نقل السلطة بشكل دستوري وانتخابي كعملية ديمقراطية سلمية توافقية .
هذا لم يحدث , اذن فقط قفزت التيارات السياسية فوق الثورة وذهبت لتوقيع اتفاقيات تقاسمية وتحاصصية متجاهلة كل التيارات الثورية وكل مطالبها واهدافها , ثم لاحقا وبعد طول انتظار يحدث ان تتمرد بعض تلك التيارات على الاتفاق نفسه بل وتحتكر رسم خريطة جديدة تخصها هي وحدها ولا تتمثل سوى بالتمديد والتمديد فقط لكل الحاله الراهنه , وتأجيل كل خطوات التحول ( المتفق عليها ) الى اجل غير معلوم !
الظلام وحده هو السائد :
ظلام الطريق وظلام المستقبل , حيث سيعود اليمن بعد طول انتظار وتضحيات الى نفس النقطة التي بدأ منها , نقطة الفوضى , نقطة غياب الدولة والمشروع وغياب المسؤولية , الصراعات والحروب , نقطة غياب الخدمات وضعف التنمية , الخوف والاغتيالات , انها تماما نفس النقطة التي يطلق عليها اليمنيون ( بالهوشلية ) كأسلوب اداء وتصرف .
تبادل المنفعة تعني تبادل الضغوط !؟
هل يمكن القول بان الرئيس الحالي ( الانتقالي ) عبد ربه منصور هادي هو المسؤول الاول عن هذه العرقلة الحاصلة ؟
بالطبع لن يستطيع فعل اي شيء من هذا القبيل الجريء منفردا , لاشك ان هناك مواثيق ضمنية جديدة بينه وبين تيارات اخرى تعينه وتؤيد خطواته بل وترسمها له في احيان اخرى كثيرة وان يكون كل ذلك بمثابة اتفاق ومشروع مفادهما , تبادل المساندة وتبادل المنفعة .
التمديد غير المبرر وغير المتوقع ايضا لمجلس الوزراء برئاسة محمد سالم باسندوة والمحسوب صراحة ( للتجمع اليمني للاصلاح ) , ليس اكثر من التبادل على اثبات الشرعية وترسيخها تجاه بعضهما البعض , مع تحدي وتغافل بقية الفرقاء السياسيين علاوة على الشرائح الشعبية باعتبارها وحدها المحرك الاساسي للحراك التغييري .
وهذا هو الممسك الاساس وورقة الضغط الابرز في جعل الرئيس الانتقالي في حالة ارتهان جزئية او كلية لهذا التيار عينه الذي يقدم نفسه كغطاء وفاصل بين اي حالة اعتراض لعملية التمديد (غير الدستورية ) وبين بقاء عبد ربه منصور هادي في القصر الجمهوري الى اجل غير مسمى .
الخوف من السقوط النهائي :
الممسكون على السلطة اليوم يمسكون بها بكل ما اوتوا من قوة وبكل وسائل وادوات السيطرة التي يمتلكونها ,
يعرفون بانهم قد فشلوا فشلا كبيرا في ادراة مؤسسات الدولة والحكم , ولذلك فانهم يعتبرون في نفس اللحظة ان احداث اي تغير في مفاصل الدولة تحت وطأة الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة لصالح طرف آخر , غيرهم , وان كان ذلك التغير محدود وجزئي , فان ذلك سيعني فقدانهم لهذا الجزء من الحكم والى الابد , اذ سيكون من سابع المستحيلات ان يقدموا لاحقا برنامج دعائي وتشجيعي اما الناس , لصالح اختيار حزبهم في الحصول على اي مكسب سياسي جديد بعد العثرات المتتالية والفاضحة في كل المؤوسسات التي نالوا احقية التصرف بها بفعل اتفاقية التقاسم والمحاصصة الخليجية .
هذا وحده ما يفسر حالة العناد الحمقى التي تقابل تلك التيارات ( الحاكمة ) بها حالة الصخب والتوتر والانزعاج الشعبي المتصاعد يوما بعد يوم , والتي لا تطالب باكثر من تغيير هذه الحكومة بحكومة شراكة وطنية اخرى تستطيع اخراج اليمن من اتون الورطه التاريخية التي اوقعته بها تلك التيارات ذاتها الفاقدة لاي مشاريع جدية وتنموية .
حالة صراع جدي وحاسم في جبهات اخرى , ليست بعيدة
تدور اليوم معارك حامية يبدوا بانها اكثر حسما من سابقاتها من الحروب , بين تيارين اساسيين وبارزين طالما تجنبا المواجهة لمعرفتهما ان ذلك سيعني احداث هزات كبيرة وشاملة على الخارطة السياسية ككل , وهما حزب التجمع اليمني للاصلاح من جهة والحوثيون ( انصار الله ) من جهة اخرى .
فبعد ان تمكن انصار الله فعلا من كسر شوكة مشائخ بيت الاحمر الذي دفع بهم حزب الاصلاح للمواجهة في محافظة عمران بدعوى التصدي للتمدد الحوثي , ها هو نفس الحزب يدفع باطراف من الجيش اليمني ( قيادته محسوبة على حزب الاصلاح ) في الاستمرار في الحرب علهم يتمكنوا من استرجاع بعض ما خسروه من مناطق وتأييد شعبي بفعل الهزائم المتكررة للمحسوبين على الحزب من مشائخ او عسكر .
المراقبون بما فيهم الرئيس عبد ربه منصور هادي , يترقبون بتوجس مجرى المعارك ويتجنبون في نفس اللحظة المساعي الدافعة نحو اشراك الجيش في تلك المعارك دعما لحزب الاصلاح وضد انصار الله , كما ان كل هؤلا المراقبون يعرفون جيدا ان الانتصارات الميدانية لصالح انصار الله في حالة توالي مستمر ما سيعني انعكاس ذلك البتة على الواقع السياسي وعلى التوازنات القديمة , ما سيعني ايضا صعود اطراف كلاعبين جدد في العملية وفرض شروطهم وحجمهم على بقية القوى القديمة المتواجده في السلطة , وهذا سيعني بالنسبة لعبد ربه منصور هادي مكسب جديد يخفف ما سبق وسميناه بالضغوط الاصلاحية على الرئيس في تسيير الدولة والسيطرة على المؤوسسات وفرض الامر الواقع عليه وعلى بقية اليمنيين .