المكان الخطأ والقرار الانتحاري
ان نعيش في القرن الحادي والعشرين وهناك بعض القوى الدولية الغاشمة وبعض ذيولها في المنطقة لازالت تصر على فرض ارادتها على الشعوب الاخرى وتصادر قرارها الوطني وحقها الانتخابي في وضح النهار وفي تحد صارخ للقوانين الدولية والانسانية فتلك كارثة بشعة وسقوط اخلاقي وانساني ما أفظعه ولابد من وقفة مسؤولة وواعية امام هذا الانتهاك الوحشي والسافر في شؤون الاخرين. اذ لم يمر بعد على الانتخابات التشريعية العراقية اكثر من سبعة اسابيع، حيث صوت الشعب العراقي في انتخابات حرة ونزيهة شهد لها العالم لممثليه الذين سينتخبون الحكومة ورئاستها القادمة وفقا لمبدأ الأغلبية وبرنامجها، حتى تنقلب هذه القوى الظالمة وعلى رأسها اميركا على الشعب العراقي وتضع السكين على رقبته من خلال اداتها "داعش" اما الموت او حكومة حسب معاييرنا تكون للكتل الخاسرة السائرة في ركابها دور بارز وان لايكون المالكي الذي انتخبه الشعب العراقي بناء على برنامجه رئيسا للوزراء، وهذا تجني واضح على ارادة هذا الشعب وقراره وصوته الذي لابد ان يحترم لانه هو المعيار الحقيقي للعملية الديمقراطية التي تفرض نفسها على الواقع ولا يمكن لاية قوة في الارض القفز عليها.
غير ان اميركا التي حاولت عبثا وطيلة الاحد عشر يوما الماضية من دخول داعش المفاجئ والغامض للموصل ان تخفي وجهها القبيح ودورها الرئيسي في الموضوع وتبقى تناور في الدائرة الضبابية لينجلي الموقف لتصطف في النهاية مع المنتصر دون تدفع الثمن، الا ان القدرة الالهية شاءت ان ينفضح مكرها ومكر ذيولها في المنطقة ويعروا انفسهم بانفسهم من خلال مواقفهم المفضوحة والمخزية حيث يعلن الرئيس الاميركي ان "واشنطن ستقرر توجيه ضربات لداعش في حال رأت ضرورة لذلك وبالتنسيق مع العراقيين" ولا ننسى ان نشير ان الـ "واشنطن بوست" كتبت امس الاول "ان شرط واشنطن لمهاجمة داعش هو تخلى المالكي عن رئاسة الحكومة القادمة."
ويكتمل هذا السيناريو الفاضح والتآمري بدخول تركيا وعلى لسان رئيس وزرائها اردوغان بان "انقرة تعارض اية ضربة لداعش لان ذلك سيتسبب بسقوط ابرياء من الشعب العراقي وكأنة يتناسى دوره طيلة السنوات الماضية في سوريا وسقوط عشرات الآلاف من ابرياء الشعب السوري عندما فتح حدوده لعبور الارهابيين الى سوريا وتسليحهم!!. اما الدور السعودي النفاقي والممول الرئيس لنشر الارهاب والمجازر وسط الشعوب والتي تتظاهر بمحاربة الارهاب فضحت نفسها بامتياز عندما امتنعت عن التنديد بداعش وباعمالها الارهابية وكتب سفيرها في عمان في التلغراف البريطانية يوم امس وبمنتهى الوقاحة ان "اميركا لا تضرب داعش الا اذا ابعد المالكي عن رئاسة الوزراء".
فهل بعد هذه المواقف العلنية والمنسجمة بين الاسياد والذيول يبقى هناك من يشك بنظرية المؤامرة او الا ينظر الى اميركا بانها رأس الفتنة بامتياز وهي من مولت داعش في سوريا وقدمت لها الاسلحة؟! وهل هناك فرق بين داعش في سوريا او العراق.
مرة اخرى ارتكبت اميركا خطأ فاحشا لكن هذه المرة سيكون تاريخيا ومدويا لانها اختارت المكان الخطأ والقرار الانتحاري.. انها اختارت العراق الذي وقعت معه اتفاقا امنيا استراتيجيا لم تف باي من بنوده وتظاهرت حتى الامس بانها دولة صديقة له. الا انها شهرت له العداء وتجاوزت على قرار شعبه وحقه الانتخابي لدرجة بات الشعب العراقي ورموزه الوطنية تطالب بقطع العلاقات معها.
ان التآمر الاميركي على العراق وشعبه وحكومته الوطنية لم يكن اليوم اتهاما بل اصبح واقعا تتحدث فيه حتى الدوائر والصحافة الاميركية وهذا ما اشارت اليه صحيفة لوس انجلس تايمز بالامس.
ان الفتوى التاريخية للمرجعية الرشيدة العليا في النجف الاشرف دفنت هذا التآمر في مهده وقلبت الطاولة على رؤوس المتآمرين وسيثبت الشعب العراقي بانه جدير وقدير بدحض داعش وداعميه ويلقنهم درسا لم يكرروه وان الايام القادمة كفيلة بحسم المعركة وتحرير الموصل من ايدي هؤلاء الارهابيين الضالين الذين يقاتلون بالنيابة.