فرقعات لبيد وليفني
برهوم جرايسي
سمعنا في الأيام القليلة الماضية، فرقعات سياسية كثيرة، صادرة عن شركاء بنيامين نتنياهو في الحكومة، قد تجعل البعض يتوّهم بأن خلافات سياسية "جدية” بدأت تدب في الحكومة، وحتى أنها قد تؤدي إلى حلّها. لكنّ واقع التطبيق يقول شيئاً آخر، وهو أنه خلال 21 عاما لم تسقط أي حكومة في "إسرائيل” على خلفية عدم التقدم في المفاوضات نحو حل الصراع، بل العكس. ولا يبدو أن رئيس "يوجد مستقبل” يائير لبيد، ورئيسة "الحركة” تسيبي ليفني لديهما النية لقلب هذه المعادلة.
فقد سمعنا لبيد ينتقد الدعوات لضم أجزاء من الضفة الفلسطينية، وحتى الضفة كلها، إلى ما يسمى "السيادة الإسرائيلية”. وأرغى لبيد وأزبد، بحماسة "منقطعة النظير”، أمام مؤتمر هرتسليا، حتى إنه هدّد بخروج حزبه من الحكومة، في حال كانت هناك مبادرة لضم أي جزء من الضفة. كما أن ليفني أدلت بدلوها هي الأخرى أمام المؤتمر الاستراتيجي ذاته، لتدعو إلى استئناف المفاوضات، وعدم التسليم بوقفها، محذرة من الجمود الحاصل ومن رد الفعل الدولي.
لكن ليس فقط هذان الاثنان، المحسوبان على ما يسمى "الوسط” وفق المقاييس الإسرائيلية، يعارضان ضم أجزاء من الضفة؛ فشريكهما المتطرف أفيغدور ليبرمان صرّح بأن مشروع الضم "رغم أنه يبدو جيدا، إلا أنه ليس واقعياً”. كما أن كثيرين من الجناح اليميني المتشدد يتخوفون من أن تتورط "إسرائيل اليهودية” بضم الضفة من ناحية ديمغرافية، خاصة أن مشاهد الطرد والتهجير التي وقعت في العامين 1948 و1967، سيبدو تكرارها صعباً في عصرنا الحالي.
ولهذا، فإن لبيد حينما "يهدد” بالانسحاب من الحكومة، يعرف مسبقاً أن اقتراح الضم هذا ليس مطروحاً أصلاً على أجندة حكومته، وأن من طرح هذا الاقتراح، رئيس حزب المستوطنين نفتالي بينيت، يعرف هذه الحقيقة أيضاً، ولكنه يسعى إلى كسب المزيد من أصوات اليمين المتطرف، كما أشار لذلك ليبرمان.
وقد يفسر البعض تصريحات لبيد "المفاجئة” بأنها تتجاوب مع المواقف الصادرة في الأسابيع الأخيرة عن البيت الأبيض، فيما يخص المفاوضات؛ كالتصريحات التي "تلوم” "إسرائيل” على مشاريعها الاستيطانية، أو إعلان الإدارة الأميركية أنها ستواصل العمل مع حكومة التوافق الفلسطينية، في خلاف مع موقف نتنياهو وحكومته. ولهذا، فإن لبيد أراد إظهار موقف مغاير ليعرضه على البيت الأبيض، من منطلق حسابات حزبية، متوهما بأنه ذات يوم سيكبر سياسياً أكثر من حجم حزبه الحالي. لكن الوهم يبقى وهما، كما علّمت التجربة.
بداية، علينا أن نقرأ بدقة تفاصيل خطاب لبيد لنعرف منطلقاته. فهو بالتأكيد ليس مناصراً للحق الفلسطيني، بل يتعامل مع الصراع كأمر واقع، يريد التخلص منه بأقل ثمن تدفعه حكومته. وهو يدعو أصلاً إلى ضم كل التكتلات الاستيطانية الكبيرة، ولا يريد "سماع أي كلمة عن القدس”، حتى إنه بدأ يتحدث عن انفصال من جانب واحد عن الفلسطينيين.
أما الأمر الثاني الذي يدخل في حسابات لبيد، فهو الحسابات الحزبية. فما قيل في مقال هنا قبل أسبوعين، عن تسيبي ليفني، يسري أيضاً على لبيد، فالاثنان يعرفان تماماً أن لنتنياهو فرصة واضحة ومؤكدة لتشكيل حكومة بديلة في حال قررا الانسحاب من الحكومة، بإدخال كتلتي المتدينين المتزمتين، ولهذا فسيخرج الاثنان إلى صفوف المعارضة، من دون أمل لهما في تحقيق شيء، بينما لبيد وصل إلى السياسة لتحقيق أجندة كلّفه بها داعموه في الانتخابات، وهم "حيتان المال”، ولهذا اشترط تولي وزارة المالية، رغم أنه ليس لديه الحد الأدنى من الخبرة الاقتصادية، وهو يطبق سياسة وضعها نتنياهو أصلا في العام 2003، تخدم أساسا حيتان المال على حساب الشرائح الاجتماعية الأخرى كافة، مع إضافة عنصرية شرسة ضد فلسطينيي 48، يتبناها لبيد فعلا. ولهذا، ليس وارداً أن يخاطر لبيد بموقعه ومنصبه من أجل قضية المفاوضات وملف الصراع، خاصة إذا لم يجد منصة أكبر يقفز إليها.
حينما عاد الوزير الإعلامي لبيد إلى بيته، بعد ذلك الخطاب، وضع رأسه على الوسادة مبتسماً، لأنه علِمَ أن صحف اليوم التالي ستصدر بعناوين صارخة تحمل تصريحاته؛ وهذا ما كان، ولا شيء غير ذلك. وفي صباح ذاك اليوم عاد لبيد كعادته إلى حضن حكومته، وحضن التوافق التام مع نتنياهو، لتحقيق الأهداف التي وصل لأجلها إلى السياسة.