kayhan.ir

رمز الخبر: 2118
تأريخ النشر : 2014June15 - 21:40

“المنطقة العازلة” في الجنوب أمر قائم كيف تتعامل معه الدولة السورية؟

خالد العبّود

لم يكن سيناريو "المنطقة العازلة” في الجنوب غريباً، أو جديداً على مسرح الأحداث في المنطقة، إذ أن هذه الفكرة كانت مطروحة منذ اللحظات الأولى لأحداث الجنوب السوري، باعتبار أنّ العنف الذي استعمل منذ الأيام الأولى لم يكن عنفاً مبرراً، كما أنه لم يكن عنفاً طبيعياً، وليست له علاقة بمستوى سخونة الأحداث ذاتها، لقد تمّ العمل على زجّ حالة من خارج سياق الحدث، خاصة عندما يمكننا أن نفهم ونتفهّم الطبيعة الاجتماعية الناظمة لعلاقات أبناء المنطقة، تلك التركيبة العشائرية الكريمة التي تنطوي على حدّ عال من الشهامة والمروءة والغيرية.

لقد تطوّر مشهد الدماء بشكل غير طبيعي، في حين أنّ مفاتيح الأحداث لم تكن ذاهبة بهذا الاتجاه، حيث بدا واضحاً أنّ هناك من كان يدفع بشدة باتجاه سيطرة مشهد الدم المتسارع والمتراكم على واجهة الأحداث، واستبعاد إمكانية وجود أي ظاهرة من مظاهر الدولة.

من هنا يبدو واضحاً وجلياً أنّ سيناريو إفراغ المنطقة من الدولة ومؤسساتها لا يعبّر عن حردٍ أو حالة نفسية واجتماعية حكمت أبناء المنطقة، كما يقول البعض، بمقدار ما كان سيناريو مشغولاً عليه جيداً، من قبل أطراف كانت توجّه هذا الحراك، وتعمل عليه منذ اللحظات الأولى، لهذا جاءت عناوين القتل حادة باتجاه من يتحرك في فلك الدولة، ومن يعبّر عن وجودها في المنطقة.

خطورة الذي حصل في الجنوب، ومنذ الأيام الأولى، أنّه كان يُحاكي ويستقوي بعناوين أخرى، لها علاقة بـ”كيان الاحتلال” ولها علاقة بالأردن، الأردن المفتوح على صحراء الخليج وحكوماتها، ولها علاقة بمناخ سلام وبيئة سلام مشروطين باتفاقية "وادي عربة”، وزحف "إسرائيلي” باتجاه الخليج.

المفردات الأولى التي حكمت "حراك الجنوب” كانت تؤكد ذلك، لم تُرفع مثلاً شعارات ضدّ "كيان الاحتلال”، علما أنه كان على مرمى حجر منها، وهو كيان محتلّ لأجزاء من تراب هذا الجنوب، وبعض الذين هتفوا وكانوا جزءاً من هذا الحراك، كانت ولما تزل، أرضهم وبيوتهم محتلة من قبل هذا الكيان، فإذا كان الحراك ضدّ الدولة السورية فعلاً، وضدّ قيادتها… لماذا لم يكن بين مطالب "المتظاهرين” إشارة واحدة إلى تحرير الجولان؟ أو إشارة اتهام تفيد أنّهم يطالبون بمواجهة مع المحتلّ لتلك الأرض وتلك البيوت؟

نعتقد أنّ المسألة كانت تقوم على متكأين أساسيين، الأول يتجلى في إمكانية فصل الجنوب، كحركة أولى باتجاه الزحف نحو دمشق، وهو ما أطلقنا عليه في حينها "السيناريو الليبي”، والثاني يتجلى في التركيز على تسويق بيئة جديدة مناهضة لواقع قائم عنوانه ينحصر في اصطفاف "سوري، إيراني، إلى جانب حزب الله”، لكنّه في الآن ذاته منفتح على بيئة أخرى عنوانها يتجلى في هذا الصمت الإيجابي على عناوين هامة لم تكن ذات وقع أو قيمة في هذا الحراك، ونعني بها بالضبط بيئة ممالك الجنوب العربي، إضافة إلى مفاتيح التقارب والمصالحة مع "كيان الاحتلال”!

لم تفلح استراتيجية العدوان في إفراغ المنطقة للزحف على دمشق، لكنّها كانت تضغط باتجاه عزل الجنوب السوري، من أجل السيطرة عليه، واعتباره منصة جديدة ضاغطة على عناصر الدولة، أرضاً وشعباً ومؤسسات، تحت مشهد ساخن كان يتسع ويتضخم، وتحت وابلٍ من العمى التحريضي السياسي والإعلامي والثقافي الذي لم يسبق له مثيل عبر التاريخ.

في اللحظة التي ذهبت فيها استراتيجية العدوان لفرض منطقة عازلة واعتبارها واقعاً مشروعاً، كانت استراتيجية صدّ العدوان من قبل الدولة السورية جاهزة وحاضرة، وكان لا بدّ من العمل على إيجاد هذه المنطقة، لكن وفق الشروط السورية، وبالطريقة التي تناسبها.

نحن نعتقد أنّ الدولة قد أفرغت نفسها من ذات المنطقة، وانسحبت انسحاباً تكتيكياً خطيراً، وبدأت بالعمل عليها، والعمل على التعامل معها باعتبارها منطقة خصم وأدوات عدو، خاصة أنّ غالبية أهلها قد هجروها نتيجة تطوّر المشهد الميداني ونتيجة كتلة النار التي استحضرتها المجموعات المسلحة، ووضعتها في وجه حضور الدولة في ذات المنطقة.

الفكرة الأساسية أنّ الدولة هي التي ساهمت في التحضير لهذه المنطقة انطلاقاً من تفوّقها وقدرتها على السيطرة عليها، وليس كما كان مخططاً لهذه المنطقة أن تكون تحت تراجع وضعف حضور الدولة ووجودها.

انطلاقاً من ذلك يمكننا القول إن "المنطقة العازلة” في الجنوب السوري موجودة وحاضرة، وقائمة أيضاً، لكنها لم تكن وفق معايير وشروط العدو والخصم، بمقدار ما كانت وفق معايير وشروط الدولة، وهي الشروط التي سهّلت عليها التعامل معها، والسيطرة عليها بأذرع نارية فرضت مشروعيتها وقوّتها وتفوّقها المحسوب جداً، من خلال الحفاظ على قدرات الدولة وطاقتها وتحييد إمكانية التأثير على هذه الطاقة!

انطلاقاً من ذلك، نعتقد أنّ القدرة على استعادة السيطرة الكاملة على هذه الجغرافيا، والتي شكلت "منطقة عازلة”، موجودة وحاضرة، لكنّ استعمالها وقرار استعمالها مشروطان بطبيعة الحدث ذاته، وليس بقدرة القوات المسلحة على ذلك!