kayhan.ir

رمز الخبر: 1931
تأريخ النشر : 2014June11 - 21:12

بإنتظار قسم الأسد

فراس عزيز ديب

وانتصرَ الوطن… عبارةٌ اختصرت كلَّ ما يمكن قوله في وصفِ الانجاز الذي حققه الشعب السوري، بعد انتهاء الاستحقاق الدستوري المتمثل بانتخاب رئيسٍ للجمهورية.

كما تفاءلنا، فقد نفضَ السوريون عن حزيران متلازمة النكسة، وحولوه من شهرٍ شكّل علامةً سوداء في تاريخنا المعاصر، إلى شهرٍ وضع فيه السوريون نقطة انطلاقٍ نحو سورية المتجددة، المتمسكة بخياراتها وثوابتها، والتي لأجلها شُنّت عليها هذه الحرب الناعمة شكلا، والدمويةِ مضموناً. انتصر الوطن لأنه امتلك إرادة الانتصار… كيف لا وهذه الإرادة بالأساس هي تتويج لإرادة الشعب، الذي رفض أن يكون تابعاً أو هامشاً من هوامش هذه الفوضى المجنونة التي تجتاح الأمة.

لم تكن النتائج مفاجئة لأحد، ولكن بكل تأكيد فإن حجم الإقبال فاجأ العدو. منذ البداية حاول البعض الربط بين الانتخابات في سورية والانتخابات التي سبقتها في مصر، أحسن "سيمور هيرش”، عندما أكد أن الانتخابات في مصر جرت وسط جوٍّ متململٍ بسبب عزوف الناخبين، بعكس الانتخابات في سورية. صدرت النتائج، هنأ من مِنَ المفترض أن يهنئ، ورفض الاعتراف من هو متوقع ألا يعترف. فالرئيس الأسد ليس "عبد الفتاح السيسي” ليأخذ كرتاً شرعياً من "آل سعود” وقادة الكيان الصهيوني.

التزم الحلفاء التقليديون للقيادة السورية تقدير الإنجاز الذي حققه الشعب السوري أولاً، وتثمين الانتصار الذي حققه الأسد ثانياً، باعتبار أن صور الملايين التي خرجت لتنتخب باتت رقماً صعباً لا يمكن تجاهله، وهو ما دفع وزير الخارجية الأميركية للتأكيد من لبنان وللمرة الأولى أن (الخيار هو بيد الشعب السوري)، بينما لا يزال أصحاب الأحلام الدموية من ائتلاف إسطنبول وغيره يظنون أنفسهم الناطقين الرسميين باسم الشعب السوري.

طويت صفحةُ الانتخابات، واليوم بات السؤال الذي يشغل بال المواطن السوري: ماذا بعد؟ يبدو أننا حتى السابع عشر من حزيران، موعد أداء الرئيس المُنتخب "بشار الأسد” اليمين الدستورية، سنكون في حالٍ من الصمت السياسي، الشبيه بالصمت الانتخابي الذي سبقَ يومَ الاقتراع.

هذا الصمت ستكسره بكل تأكيدٍ تسريباتٌ هنا ومعلومات هناك، لكن الفصل سيكون في الكلمة التي سيلقيها الرئيس الأسد، ليحدد فيها ملامح المرحلة القادمة.

لم يخرج الرئيس الأسد خلال فترة الدعاية الانتخابية إلى الإعلام. أما حملته فتحدثت عن عناوين عريضة كمكافحة الإرهاب، والقضاء على الفساد، ورأب الصدع الاجتماعي. حاول أن يبتكر أسلوباً جديداً في الدعاية الانتخابية، قائمة على مبدأ أن من لم ترهبه أو تتعبه سنوات الحرب الثلاث، سيعي وحيداً أن الاستحقاق الانتخابي سيكون مفصلياً.

لكن الأمر الآن بات مختلفاً لأن الكلمة المنتظرة ستكون أشبه بخريطة طريق للحل السياسي المتوازي تماماً مع الحل العسكري في القضاء على الإرهاب، من هنا فإن المواطن السوري الذي يشارك الرئيس الأسد في الثوابت التي لن يحيد عنها يبقى سؤاله الأهم: ما شكل الحكومة القادمة؟ وأي دور ستلعبه "المعارضات” السورية في مستقبل سورية؟.

في الحديث عن شكل الحكومة القادمة، علينا أن نتجاهل التسريبات الصحفية، ونتذكر أن القيادة السورية غالباً ما تعتمد عنصر المفاجأة في مجمل القرارات التي تتخذها.

يتحدثُ البعض عن حكومةٍ موسعة، تضم ممثلين للأغلبيةِ الحالية، مستقلين، ومعارضين، إن كنا متفقين على مفهوم الأغلبية والمستقلين، لكن يبدو أننا بحاجةٍ للخوض مطولاً في مفهوم المعارضين الذين سيشاركون في الحكومة. من المنظور السياسي الوطني، المنبثق عن العقد الاجتماعي المكوِّن لأي دولة، فإنه وفي الحروب الوطنية الكبرى، عندما يكون وجود الوطن في خطر، تسقط فكرةَ "المعارض والمؤيد”، لأنهما بالأساس مفهومين مرتبطين بشكل الحكم، وآلية إدارة البلاد وتطبيق البرامج الاقتصادية والاجتماعية، مدعوماً بالحصانة الشعبية المُستَمَدة من البرلمان أو مجلس الشعب، وليسا مرتبطين بالاختلاف على ثوابت الوطن.

في سورية اليوم لدينا ظرف استثنائي يجب أن يكون الجميع فيه معلناً وفاءه للوطن، ويجب أن يعي أن دخوله في شراكة حكم مع الأغلبية الحاكمة لا تعني أبداً ذوبانه فيها، أو إعلان ولائه لها، بل هي بداية لحلٍّ سياسي ينقذ الوطن، ولا ينقذ الأغلبية الحاكمة. لم يتكلم السيد وزير الخارجية والمغتربين من فراغ عندما أعلن أثناء الإدلاء بصوته أن الحل السياسي قد بدأ. قد يرى البعض أن هذا الكلام هو نوعٌ من مد اليد إلى "المعارضات السورية”، التي حاولت النأي بنفسها عن التورط بالارتهان للخارج كـ”هيئة التنسيق الوطنية” و”تيار بناء الدولة”، اللذين رفضا بشكلٍ ما الانتخابات الرئاسية بنتائجها، لكنهم واقعياً مضطرون للتسليم بها.

لكن تبقى هناك مشكلة أساسية ستواجهها الحكومة السورية، وهي الحديث عن حقيقة من تمثِّل هذه "المعارضات” على الأرض. إن الحديث عن القدرة التمثيلية للمعارضين تطرق له الرئيس الأسد في أكثر من خطاب، وهو بكل تأكيد سيعاود التطرق له في كلمته، متسلحاً بقوة الزخم الانتخابي الذي عاشته سورية في الأسابيع الفائتة. لقد تجاوزت القيادة السورية في السابق موضوع التمثيل، وضمت إلى جانبها معارضين ربما لا يتمتعون بحيثية تمثيلية، لكنها بنت على ما يحملونه من أفكار اقتصادية واجتماعية لاقت ارتياحاً لدى المواطن. أحد هؤلاء وبعد أن شعر بأن أفكاره ليست أكثر من مجرد فقاعاتٍ بينها وبين التطبيق أميالاً، حاول أن يظهر بمظهر الضحية، مدعياً أن هناك من عرقل برنامجه "الذي ازدادت معه معاناة المواطن الاقتصادية”.

قد تعود القيادة السورية لفكرة احتواء مساحة أوسع من هؤلاء المعارضين، بغض النظر عن حيثياتهم، تحديداً أن هذا الأمر يصب في مصلحتها تماماً، فعلى المستوى الخارجي، فإنها وبطريقةٍ ما ستجعلها تنعي كذبة "جنيف للأبد”، فهي ليست مضطرة للحوار مع التابع إذا كانت تمتلك زمام المبادرة للحوار مع السيد. على المستوى الداخلي فإنها تضع معارضة الداخل أمام اختبار شعبيتها، فالحكومة القادمة بغض النظر عن دورها المفترض في رفع العبء عن كاهل المواطن، لكن أمامها مهمتين أساسيتين، هما الدفاع عن سيادة سورية أولاً، واستمرار الحرب على الإرهاب ثانياً، ومن يجد من المعارضين أن هاتين الثابتتين متعلقتان فقط بالقيادة السورية، فهو يضع نفسه في موقفٍ حرج باعتبار أن هذه المعركة معركة كل مواطن سوري.

أما القدرة على تجميع المناصرين، فإن المعارضة السورية عليها أن تعي كذلك أن دورها يجب أن يكون من خلال تسهيل المصالحات الوطنية في المناطق التي من المفترض أنه "شارعها”، تحديداً أن نسباً كبيرة ممن يحملون السلاح الآن هم من غير السوريين، وبالتالي ستكون المعارضة أمام امتحان لمدى قدرتها على التأثير في شارعها الذي تدعي تمثيله لحث ما تبقى من سوريين يرفعون السلاح بوجه الدولة للعودة إلى حضن الوطن.

إن خطاب القسم المرتقب سيرسم فيه الرئيس الأسد حرفاً بحرف ملامح المستقبل الآتي، فإما أن يتلقفها البعض لنسير معاً بخطواتٍ هادئة بالعودة بأمن الوطن كما كان وأفضل، أو أن المعارضة السورية ستصر على أن تكون أسيرة لوعود أعداء القيادة السورية والوطن، فمن الواضح أن جزءاً كبيراً من المعارضين السوريين لا يزال مقتنعاً أن الولايات المتحدة عندما تتحدث عن أن قيمة الانتخابات في سورية صفر، فهي بذلك تعي ما تقول. هم في الحقيقة تنطبق عليهم قصة الملك الفارسي "بهرام”، والتي جاء فيها أن أحد ملوك فارس انصرف إلى ملذاته الشخصية غير آبهٍ بأحوال العامة، وبدأت المدن تعاني الخراب والدمار نتيجة سوء الحال، دون أن يتمكن أحد من إيصال الفكرة له بطريقةٍ يتقبلها، إلى أن سارَ يوماً في الليل مع أحد مستشاريه، فسمع صوت بومٍ ينعق فقال: لو أني أستطيع أن أفهم ما يقوله ذاك البوم، فوجدها مستشاره فرصة للبوح فقال له: هذا صوت بومٍ ذكر، طلب الزواج من بومةٍ أنثى، لكنها اشترطت عليه مهراً، وهو خراب عشرَ مدنٍ في المملكة، فقال لها إن الأمر سهل، مادام "بهرام” ما زال لا يعي ما يفعل… عندها فهم بهرام مغزى القصة، وأعاد ترتيب أولوياته، فهل ستفهم تلك المعارضة أن إناث البوم من "عربان ومتصهينين”، والتي تطلب ودّها ذكور البوم من "نصرة وداعش وجبهة إسلامية”، طلبت مهراً غالياً معتمداً بالأساس على استمرار انفصالهم عن الواقع، إلا وهو خراب وطن بكامله.

المكابرة لم تعد تنفع، والرئيس الأسد ليس كما يروج البعض لمفهوم أنه "بات أمراً” واقعاً، لأن هذا المفهوم خاطئ، بل الأصح أن الرئيس الأسد فرض، وسيفرض على الجميع أمراً واقعاً، لأنه بالأساس كان واثقاً بإرادة الشعب، فاستعدوا في خطاب القسم لتكونوا أحد أمرين، إما حُماة للوطن، وإما مهراً تقدمه النصرة وشقيقاتها للغرب المتهالك..