kayhan.ir

رمز الخبر: 78960
تأريخ النشر : 2018July15 - 20:45

تونس والارهاب واختبارات التلاحم


محمد محمود مرتضى

يسهل على المتتبع لنشاط الجماعات الارهابية أن يدرك أن هذه الجماعات لا تعمل، في الغالب، في بيئات مستقرة سياسياً واجتماعيا، بل هي تبحث عن بيئات متوترة، فتدخل على خط التوتر، مستغلة هذه الانشقاقات. هي أشبه بالسائل الذي يحتاج الى تشققات في الأرض للتسرب الى الداخل، وأن الأرض الصلبة لن تسمح له بالدخول اليها.

النماذج حول هذا الأمر كثيرة . فالنموذج الأفغاني واضح للعيان، اذ لولا الصدام الداخلي وضعف الادارة المركزية للدولة لما دخلت تلك الجماعات الى الحياة السياسية. كما أن النموذج العراقي ماثل للعيان أيضا. وأخيراً وليس آخراً، يمكن ملاحظة النموذج السوري الذي يبدو أكثر وضوحاً في استغلال الفوضى التي نشأت جراء الحرب ما أدى لدخول هذه الجماعات على حراك بدا في أول أمره "سلمياً" لكنه ما لبث أن تحول الى مساع لقلب الحكم وضرب نسيج الدولة والمجتمع السوري مع دعم غربي واضح وفاضح لتلك الجماعات الارهابية.

هذه المقدمة ضرورية كمدخل للحديث عن ما جرى من هجوم ارهابي على قوة من الحرس الوطني التونسي في منطقة عين سلطان من ولاية جندوبة التونسية والتي أدت الى استشهاد تسعة عناصر بينهم ستة من الحرس الوطني. وقد تبنت هذه العملية "كتيبة عقبة بن نافع" التابعة لتنظيم "القاعدة في المغرب الاسلامي".

إن هجوم عين سلطان ليس الأول من نوعه لهذا التنظيم، ولن يكون الأخير بالطبع، كما أن تنظيم "القاعدة" ليس التنظيم الوحيد الذي يعمل في تونس، فقد سبق لتنظيم "داعش" أيضاً أن نفذ عمليات ارهابية. ما يعني أن الساحة التونسية تعتبر هدفاً رئيسياً لنشاط هذه الجماعات.

ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها القوى الأمنية التونسية في مكافحة الارهاب، فإن هذه التنظيمات تنجح في وقت وآخر في تنفيذ هجمات قاتلة.

الواقع أن المشكلة الأساسية لا تتعلق في نجاح الجماعات الارهابية في تنفيذ الهجمات بقدر ما تتعلق بردود الأفعال الداخلية التي تعقب هذه العمليات. على وجه الخصوص تلك التراشقات الاعلامية بين الأطراف والأحزاب السياسية المكونة للمجتمع التونسي. وهي تراشقات تتعلق باتهامات متبادلة في تحميل المسؤوليات عن هذه الهجمات الارهابية.

للأسف، إن المسارعة لتبادل الاتهامات حول المسؤوليات باتت السمة الرئيسية للمجتمعات العربية، وهو سلوك مضر بالحياة السياسية ومسمم للوحدة الوطنية التي تحتاجها الدولة في أوقات عصيبة. اذ لا شك أن اتهامات كهذه لن تفهم إلا على أنها نوع من استغلال الهجمات الارهابية لتصفية حسابات داخلية، ما سيؤدي الى المزيد من التشرذم والتفتت وإضعاف للدولة، الأمر الذي سيؤدي الى المزيد من الثغرات التي ستسمح للجماعات الارهابية بالتغلغل أكثر وكشف الساحة أمنياً وسياسياً.

من هنا، ندرك أن محاربة الارهاب لا يقتصر عمله على الجانب الأمني فقط، ولا هي مسؤولية تقع على عاتق الأجهزة الأمنية، لا سيما وأن الجميع يعلم أن الأجهزة الأمنية في العالم العربي، ولا تشذ تونس عن هذه القاعدة، مرتبطة بالتيارات السياسية المكونة للحكومة وللأحزاب والقوى الفاعلة فيها. وهذا يعني أن أي تفسخ أو صدام سياسي بين المكونات سوف ينعكس حتما على الأجهزة الأمنية وأدائها.

إن محاربة الارهاب هي مسؤولية جماعية ترتبط بالأجهزة الامنية كمسؤولية مباشرة، لكنها ترتبط أيضا بالأحزاب والقوى السياسية ثانيا، وبالإعلام والاعلاميين ثالثا، وبكل النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت جزءا مكونا ومؤثراً في تماسك المجتمع.

اننا اذ نسال الله أن يحمي تونس وشعبها من إرهاب تلك الجماعات فإننا نسأله تعالى أيضا أن يحميها من نزوات الانفعالات والاتهامات المتبادلة.