kayhan.ir

رمز الخبر: 57730
تأريخ النشر : 2017May29 - 20:12

أوروبا بين الطلاق البريطاني والزواج الفرنسي


سركيس ابو زيد

في الأشهر الأخيرة، انحسرت موجة النقد في الاتحاد الأوروبي ولم يعد عاصفا ولا مهيمنا، وساهمت كراهية أوروبا والطعن بمشروعيتها في تهميش الأحزاب الديموقراطية، وبرزت أحزاب شعبوية ما أدى إلى إصابة عجلة الاتحاد الأوروبي بالشلل.

اليوم، وعلى وقع مواقف بوتين المهددة والتخلي الأميركي عن أوروبا واضطرابات الشرق الأوسط. بدأت القيادات الأوروبية تشعرأن قيم أوروبا ومصالحها وأمنها وفكرة الإنسان وحقوقه، لن تنجو وتزدهر ما لم تدافع عنها قوة دفاعية مشتركة.

تستعد كل من المفوضية الأوروبية والحكومة البريطانية لبدء مفاوضات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي

ومع رفع رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي رسمياً طلب الخروج من الاتحاد "بريكزيت" إلى الاتحاد الأوروبي في أواخر آذار الفائت، تستعد كل من المفوضية الأوروبية والحكومة البريطانية لبدء مفاوضات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي الذي لا يتماشى جزئياً مع رغبات الحكومة البريطانية، وعلى رأسها رفض بروكسيل إجراء لندن مفاوضات تجارية مع دول أخرى بصورة موازية لتفاوضها معها، الأمر الذي تمارسه لندن عملياً اليوم مع عدد من الدول منها أستراليا، مخالفة بذلك القانون الأوروبي.

وعلم أن رئيس المجلس الأوروبي قدم إلى ماي خطة من مرحلتين تتضمن حسم مسألة الانفصال أولا، والاتفاق على علاقات ثنائية جديدة بين الاتحاد الأوروبي كوحدة اقتصادية وبريطانيا ثانياً. وفي هذا الإطار، حددت القمة الأوروبية التي عقدت في 29 الشهر الفائت في بروكسيل الخطوط الرئيسية للانفصال وللعلاقات المستقبلية بين الطرفين، رافضة السماح للندن بإجراء محادثات موازية مع دول أخرى أو اعتماد طريق خاص. وشدد الجانب الأوروبي على أن المرحلة الأولى من المفاوضات ستبتّ مسائل أساسية مثل حقوق حوالي 3 ملايين أوروبي يعيشون في بريطانيا، ومليون بريطاني في الدول الأوروبية. وينطبق الأمر أيضاً على عقود الشركات الأوروبية العاملة وأعمالها في بريطانيا والعكس كذلك. كما سيُبت بموضوع الالتزامات المالية التي أخذتها بريطانيا على عاتقها في ما يخص المشاريع الأوروبية التي تم إقرارها بعد عام 2019 ، أي عام الانفصال الكامل.

وتقدّر الالتزامات المالية البريطانية للاتحاد الأوروبي وفقاً لبروكسيل، بين 60 و 100 مليار يورو. وبعد قول ماي إن حكومتها لن تدفع جنيهاً واحداً، ردت المفوضية الأوروبية أن في حال عدم الاتفاق على هذا البند في البداية، لن تجري أي مفاوضات مع لندن حول إقرار اتفاق تجاري جديد بين الجانبين.

خبراء اقتصاد ألمان يرون تداعيات مؤلمة ستصيب الجميع بعد "بريكزيت"، فخسائر ألمانيا ستكون موجعة جدا، لذا تسعى برلين منذ الآن إلى التخفيف من الآثار السلبية التي ستصيبها، فاستنادا إلى معلومات نشرها موقع "دير شبيغل" الإلكتروني أخيراً، تسعى الحكومة الألمانية إلى ضمان نقل مقر "هيئة الرقابة على البنوك الأوروبية" (EBA) من لندن إلى فرانكفورت بعد الانفصال. ففرانكفورت كموقع مالي يشمل حالياً البنك المركزي الألماني، والبنك المركزي الأوروبي، وهيئة الرقابة على المصارف الألمانية، ومصارف ألمانية وأوروبية ودولية كبيرة مؤهلة أكثر من غيره امن المواقع المالية الأوروبية لتكون بديلا من لندن.

الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي حث الحكومة البريطانية على التخلي عن تحفظاتها بشأن مقترحات تتعلق بإعادة النظر في موازنة متعددة السنوات للاتحاد الأوروبي تمتد حتى 2020، فيما تضمنت المبادئ التوجيهية للعملية التفاوضية المرتقبة بين الجانبين بشأن مستقبل العلاقات، التأكيد على ضرورة ضمان حقوق الشركات والأفراد واستمرار العمليات التجارية واحترام العقود المبرمة في مجالات مختلفة.

ويشير رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر الى أن خروج بريطانيا سوف يتسبب في وجود فجوة في الموازنة الاتحادية بقيمة 10 مليارات يورو سنوياً، ويمكن أن يتسبب ذلك في مشكلة بين الدول الأعضاء عندما يحاولون سد هذه الفجوة، ولكن هذا الأمر لن يتسبب في حدوث انقسامات في الاتحاد...

وحسب وزير المالية الألماني، على بريطانيا أن تدفع ثمن تركها الاتحاد الأوروبي، وليس هناك قائمة انتقائية تختار منها بريطانيا ما تريده. هناك قائمة كاملة فقط او لا شيء بتاتا. وهذا يعني أن ما يسمى بالحريات الأربع من حركة البضائع ورؤوس الأموال والخدمات وحريات تنقل الأشخاص تعتبر وحدة متكاملة ولا يمكن اختيار ما تريده بريطانيا منها، فإما ان تختار الأربع وتبقى ضمن الاتحاد أو أنها وبتصويتها تكون قد تنازلت شرعا عن هذه الحريات الأربع.

كما لا يمكن استبعاد فكرة معاقبة بريطانيا لمغادرتها الاتحاد الأوروبي، لذلك قد يكون هذا الخروج سيئا على الاقتصاد البريطاني ويمكن أن يؤدي الى ركود في أوروبا، إذا لم يستطع القيّمون على الأمور الاقتصادية والسياسية في الطرفين التوصل الى اتفاق.

لذا يراهن الأوروبيون على فرنسا لتعويض "الخروج البريطاني"، من أجل تعزيز مسار الاندماج الأوروبي. واستبق إيمانويل ماكرون فوزه بالتأكيد على الحاجة إلى التفاوض بحزم مع بريطانيا والالتزام من جهة أخرى بتعزيز مشروع الدفاع الأوروبي.

فوز ماكرون ضربة موجعة للتيارات الشعبوية الداعية الى الطلاق مع الاتحاد الأوروبي

ولهذا أيضاً شكلت الانتخابات الفرنسية "استحقاقا أوروبيا" حاسما: إما تضع حدا للاتحاد الأوروبي بصيغته الراهنة فيصبح "البريكزيت" نموذجا متكررا، أو تنهض فرنسا من تحت الرماد وتتحول الى أكثر التجارب إثارة في القارة الأوروبية والمنارة الطبيعية الجديدة لقيم أوروبا ومنطقة الأطلسي. وبالفعل، هذا ما حصل واعتبر فوز ماكرون ضربة موجعة للتيارات الشعبوية الداعية الى الطلاق مع الاتحاد الأوروبي، ولمسار صعود اليمين المتطرف في أوروبا، وساد ارتياح بالغ في أوروبا التي تقف عند مفترق طرق وتحتاج الى مثل هذا الرد لمواجهة المشككين في صدقية المسار الاندماجي، والذين رأوا في خروج بريطانيا بداية لمسار تفكك الاتحاد. هذا الارتياح عبّر عنه وزير الخارجية الألماني الذي غرد عبر "تويتر" قائلا "إن فرنسا كانت وستبقى في وسط وقلب أوروبا"... كما قال رئيس المفوضية الأوروبية ان:" الفرنسيين اختاروا مستقبلا أوروبيا".

فالرئيس الشاب يريد فتح الحدود، ويرفض عزلة فرنسا، ويدافع عن الوطنية، ويرفض القومية المتعصبة والانغلاق على الذات. بكلام آخر، إن ماكرون يقاوم كل ما دعت إليه منافسته، مرشحة اليمين المتطرف، التي يعتبرها خطراً على الديمقراطية، ومنذرة بـ"حرب أهلية"، وتهديداً للبناء الأوروبي.

لذلك عد الأوروبيون فوز ماكرون تفوق تيار سياسي يؤمن بالعولمة محركاً للاقتصاد والمجتمع، وبالاتحاد الأوروبي رافعة للازدهار الاقتصادي، وبالليبرالية خياراً لا بديل عنه، وبالعملة الأوروبية الموحدة(اليورو).