kayhan.ir

رمز الخبر: 5510
تأريخ النشر : 2014August19 - 21:37

اليمين المتطرف في أوروبا: تغيرات كبرى في المواقف من المسألة اليهودية والصراع العربي-الإسرائيلي

عقيل الشيخ حسين

الفكرة الشائعة عن اليمين المتطرف في بلدان الغرب وخصوصاً في أوروبا أنه معاد تقليدياً للسامية. وقد تعززت هذه الفكرة بوجه خاص في ظل ما كرسه التاريخ على أنه اضطهاد لليهود من قبل النازية. لكن سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية شهدت بالتدريج تقارباً ملموساً بين الجمعيات اليهودية وأحزاب اليمين المتطرف. وبلغ هذا التقارب أوجه في أيامنا الحالية. في الوقت نفسه، ارتفعت حدة العداء للعرب والمسلمين الذين وجدوا أنفسهم وسط صراع صعب ومتعدد الجبهات.

بين ثلاثينات القرن الماضي وبين الفترة الراهنة فرق كبير لجهة مواقف الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا من المسألة اليهودية. فـبمقتضى شعار "تحديث” الخطاب اليميني المتطرف، عملت هذه الأحزاب على تغيير سلوكها وتنظيف خطابها من المفردات المعادية للسامية. على هذا، فإن صورة اليهودي الذي كان يوصف في اوروبا بأنه "مراب” بلا دين أو يقين و”مصاص دماء” لا يرتوي، قد تراجعت لتحل محلها صورة اليهودي العملي والذكي والمتفوق ثقافياً وعلمياً. وبطبيعة الحال، انعكست هذه الصورة على النظرة إلى "إسرائيل” التي قدمت منذ البداية على أنها تمثل الروح الأوروبية في الشرق، وبأنها واحة للديموقراطية في صحراء الاستبداد العربي، والحاجز الذي يحمي أوروبا من "البربرية الآسيوية” ويحول دون تمدد الخطر الشيوعي...

محور "أبيض” مقابل محور إسلامي

كما بتنا نسمع كلاماً قديماً جديداً تطلقه بعض أطراف اليمين المتطرف عن المحور اليهودي-المسيحي واليوناني الروماني الذي قامت عليه الحضارة الغربية. أو عما يسمى بمحور "العالم الأبيض” الممتد من روسيا إلى الولايات المتحدة، مروراً بـ "إسرائيل”، مقابل العالم العربي والإسلامي.

وينعكس التقارب بين الطرفين من خلال الخطاب المشترك الذي يخلط بشكل عشوائي بين الإرهاب وكل من العرب والمسلمين. وخلال حرب الجزائر، نظر الفرنسيون المتشددون إلى "إسرائيل” باعتبارها حليفاً موضوعياً ضد الثورة الجزائرية والقومية العربية.

كما ينعكس من خلال ما لا يحصى من ندوات ولقاءات واحتفاليات يشارك فيها ممثلون عن اللوبي اليهودي وشخصيات تنتمي إلى اليمين المتطرف. صحيح أن بعض هذه اللقاءات تتخلله أحداث مفاجئة غير سارة كما حدث عندما انضم شبان يهود إلى احتفالية استفزازية نظمتها عناصر من اليمين المتطرف في حي تقطنه أغلبية من المهاجرين العرب في باريس، فقابلهم المحتفلون بالشتائم فاضطروا إلى الهرب خوفاً مما هو أسوأ، لكن الأمور تتجه بشكل عام نحو المزيد من التوافق والوئام بين اللوبي اليهودي وأجنحة لا يستهان بها من أحزاب اليمين المتطرف.

اعتبارات انتخابية وراء تخلي اليمين المتطرف في أوروبا عن خطابه المعادي لليهود

ويعزو المراقبون هذا التحول إلى اعتبارات انتخابية حيث أن اليمين المتطرف -الذي حقق نجاحات كبرى في لانتخابات الفرعية الأخيرة في أوروبا الغربية- يستشعرحاجة فعلية إلى تجنب التعرض لحملات الإعلام الخاضع عموماً لنفوذ اللوبي اليهودي والذي يمارس تأثيراً بالغاً على الرأي العام. كما يعزونه إلى الإسلاموفوبيا الزاحفة التي تدفع شرائح واسعة من الأوروبيين نحو التحالف مع الصهاينة على اعتبار أنهم يظلون أقل خطراً من المهاجرين العرب والمسلمين الذين تصورهم وسائل الإعلام بمثابة الخطر الأول الذي يهدد حاضر أوروبا ومستقبلها.

على هذا، وفي الوقت الذي يحظى به الصهاينة بدعم الحكومات الغربية، ويستفيدون من التقارب مع اليمين المتطرفة، إضافة إلى مساندة الكيان الصهيوني، بات على المسلمين في بلدان الغرب أن يخوضوا صراعاً على عدة جبهات.

الخطر الأكبر

وهنا لا بد من الملاحظة أن المشاركة الواسعة في مظاهرات التضامن مع غزة قد أظهرت أن المهاجرين يتمتعون بقوة لا يستهان بها ويحظون بدعم شرائح واسعة من الشارع الغربي، وأحياناً من كبار المسؤولين السياسيين الأوروبيين.

لكن الخطر الأكبر الذي يتهددهم هو حالة الضعف والتشتت الذي تعاني منها جبهتهم الداخلية. ومن مظاهر ذلك تعدد ولاءات الكثيرين منهم لدول عربية وإسلامية يجدف أكثرها بعكس ما تقتضيه مصلحة القضايا العربية والإسلامية. كما أن عجز هذه الدول عن احتضان القضايا الحقيقية لمواطنيها المقيمين يجعلها أكثر عجزاً عن الاهتمام بقضايا أبنائها المهاجرين.