kayhan.ir

رمز الخبر: 51292
تأريخ النشر : 2017January16 - 19:33

إيران حزب الله..ذريعة لتشريعٌ لكل الجرائم

إيهاب زكي

يكفي لتمرير أي جريمة يرتكبها النفط عمومًا وآل سعود خصوصًا، أن تقحم إسم إيران أو حزب الله، لتصبح عملًا مشروعًا بل تمسي البطولة عينها، من سوريا إلى العراق وصولًا إلى اليمن، ففي سوريا مثلًا وحين تستمع لأدعياء الثورية، يُخيل إليك أنهم "ثاروا” على إيران وحزب الله لا على دولتهم، وكذلك في العراق حين تستمع لأدعياء المظلومية المذهبية، تظنهم يعيشون في طهران وهي من تمارس اضطهادهم، وأما حين تستمع للرئيس الفار عبد ربه هادي منصور وهو يتحدث عن إيران، تقطع جازمًا بأن إيران حرمته من حقه الدستوري، بأن يصبح رئيسًا لمجمع تشخيص مصلحة النظام، أو أن حزب الله حرمه من الترشح لأمانته العامة. فكل تلك الجرائم المرتكبة على مدار الساعة، يتم تسويقها جماهيريًا تحت لافتات مذهبية لا تمت لواقع الصراع بصلة، إنما هي الغريزة التي جعلت من تلك الجماهير مطية لكل المشاريع الصهيونية، ويقال أن الشعوب متدينة بالفطرة، ولكن الدين الفطري الذي يجعلك تصطف في خنادق "إسرائيل” ليس دين فطرة، إلا إذا كنت مفطورًا على اليهودية.

كانت القضية الفلسطينية هي أكثر القضايا تحقيقًا للزخم الجماهيري، وكانت الأنظمة والحركات والتنظيمات التي تتبناها تحقق غالب التأييد في الشارع العربي، لذلك وبحكم تعارض وجودها مع تحرير فلسطين، كانت أنظمة النفظ تتسول الشعبية عبر الرشاوى "الخيرية”، ورغم ذلك كانت في أدنى سلم الشعبية، لأن المقياس في العقل الجماهيري كان مدى القرب من القضية الفلسطينية، وتلك العروش كانت ومازالت وستظل أبعد ما يكون عن بوصلة الأمة. ولكن منذ اندلاع حرائق ما يسمى بـ”الربيع العربي”، بدأت البوصلة بالانحراف عن سبق إصرار أمريكي صهيوني وترصد نفطي، فأصبحت إيران هي العدو، وهي عدو أخطر من "إسرائيل”، حيث أن إيران تشكل خطرًا على دين الجماهير، بينما "إسرائيل” لا تشكل إلا خطرًا جغرافيًا عابرًا، لذلك فإن القضاء على الخطر الإيراني هو انتصار لدين الجماهير الذي يظنونه دين الله، ولو بالتحالف مع العدو الأقل خطرًا "إسرائيل”، وهذا ما يجعل العلاقات التركية –”الإسرائيلية” في دائرة الضرورة، طالما تحمل تركيا راية الدفاع عن المذهب-الذي هو الإسلام من وجهة نظر حامليه-، وهو حتى بالقياس ليس مذهبًا إنما لوائح داخلية لتنظيم، كما هي العلاقات السعودية والقطرية والبحرينية والإماراتية-"الإسرائيلية” على نفس القاعدة.

هنا أصبحت السعودية والممالك النفطية قادرة على تصدر مشهد الدفاع عن الأمة، وحيازة الزخم الجماهيري بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، فهناك مثلًا من اللادينيين الذين يخصصون الحديث عن خطر التمدد الشيعي، رغم أنه من المفترض أن أمثال هؤلاء يعانون من فوبيا الدين عمومًا، ولا تعنيهم الاستثناءات أو الفروقات المذهبية، وديمقراطيون يطالعونك بمثالب "حكم الملالي” في طهران، ولكن ديمقراطيتهم تصبح صماء بكماء عمياء إن وجدت طريقها لأصغر قصر أميري أو ملكي. وأسوأ هؤلاء على الإطلاق، هم أولئك الذين وضعوا شرطًا مسبقًا لتقديم آيات الاحترام والتبجيل لأنظمة النفظ ونظام آل سعود خصوصًا، وهو أن يقوموا بمحاربة إيران وأذرعها بلا هوادة، ودون الأخذ بالاعتبار أي مصلحة سياسية، وهؤلاء بحق ينطبق عليهم المثل "يقتلونك فهمًا”. ولو اخذنا مثالًا العملية البطولية للشهيد فادي القنبر الذي قام بدهس جنود نخبة العدو، وافترضنا أنه قال يومًا ما يُستشف منه تاييدًا لإيران أو حزب الله أو الدولة في سوريا، فلن تشفع له بطولاته ولا صواب بوصلته لدى العقل الجماهيري المشبع بالنفط والمذهبية، سيسلقونه بألسنة شداد حداد، ويضعونه على شفيرٍ من نار جهنم، وقد يتفضل أكثر آلهة الأرض رحمة-رجال الدين وجماهيرهم- بدعوة إله السماء بأن يغفر له ضلالته، بينما لو تزنر بالأحزمة الناسفة وتفجر في سوق أومدرسة أو حتى مسجد، سيكون شهيدًا مع المقربين والصديقيين.

ولكن هناك فئة تجعل من مجرد الحديث عنها أمرًا مريرًا وفي غاية التعقيد، تلك الفئة هي التي تؤيد المقاومة في فلسطين، وتطلق التهاني والتبريكات بالعمليات الفدائية والبطولية، وتتعامل مع كيان العدو باعتباره عدوًا أوحدًا، ولكنها في ذات الوقت لا تترك مصلحة صهيونية إلا وانخرطت لتحقيقها، وكأنها مصالح وطنية وإنسانية عليا، فهي تدعم ما يسمى بـ”الثورة السورية”، رغم أنها تحقق مصالح صهيونية استراتيجية، وتجاهر بدعم داعش في العراق وإن تحت مسميات ورايات مختلفة، كما تجاهر بتأييد العدوان السعودي على اليمن، كما تؤيد كل الإجراءات التركية تجاه المنطقة وشعوبها بما فيها إعادة العلاقات مع كيان الاحتلال.

قد يتبادر إلى الذهن أن هذه الفئة هي تنظيم بعينه أو جماعة بعينها، وهذا شيء من الحقيقة، ولكن الحقيقة الكاملة أنها تيار وليس تنظيم، ونحتاج إلى كمٍ وكيفٍ هائل من الجهد والوقت لإعادة إرساء مفاهيم فنون الاصطفاف وفن العداء، فنحن بحاجةٍ إلى نسف الصراط المستقيم الذي عكف النفط منذ أربعين عامًا على بنائه، وإعادة بنائه مجددًا، حيث أن أجيالًا برمتها وبعد أن أنهكها السير فوق الصراط المستقيم، وجدت أنه ينتهي إلى نعال أمراء النفط والغاز، فبئس الجهد وبئس الصراط.