kayhan.ir

رمز الخبر: 42459
تأريخ النشر : 2016July27 - 21:01

رسالة السعودية الى شعب فلسطين: ’إسرائيل’ حليف.. وقضيتكم عبء


جهاد حيدر

لم تأت زيارة الجنرال السعودي المتقاعد، انور عشقي، على رأس وفد سعودي من اكاديميين ورجال أعمال، إلا تتويجا لمراحل سابقة أدت دوراً إعدادياً لخطوة من هذا النوع. وتأسيساً لمسار من الخطوات الللاحقة المتوقعة. ايضاً، لا يمكن فصل الزيارة عن التطورات السياسية التي تشهدها المنطقة، كونها تُظهِّر وتؤسِّس لبلورة محور مضاد، لمحور المقاومة، يرتكز الى اسرائيل بما تمثله من قوة اقليمية عظمى.

بعد سلسلة من اللقاءات المعلنة في أكثر من مكان، بين مسؤولين سعوديين واخرين اسرائيليين، كان من الطبيعي أن تتواصل هذه الخطوات في مسار تصاعدي. خاصة وأنها ليست إلا تفاصيل في مخطط أوسع، مُحدَّد الاهداف والاساليب. وعلى هذه الخلفية، لم يكن مفاجئا الاعلان عن زيارة الجنرال السعودي والوفد المرافق له، بل كان نتيجة متوقعة ومرجحة.

في الاطار نفسه، يتوقع ايضا أن يتم الكشف لاحقا عن زيارات سرية، لعشقي نفسه أو لغيره، الى اسرائيل. هذا فضلا عما تم الكشف عنه سابقا من زيارات اسرائيلية سرية الى الرياض، بحسب ما اعلن الاعلام الاسرائيلي بعدما سمحت له الرقابة العسكرية بالاعلان عن ذلك قبل أشهر.

ايضا، وامتدادا لهذا المسار التصاعدي، المستند الى رؤية مُحدَّدة لهذه اللقاءات والزيارات، يتوقع أن نشهد لاحقاً خطوات أكثر «وقاحة» في التعبير عن حقيقة الموقف السعودي من الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، بهدف الانتقال السريع الى مرحلة تظهير وحدة الموقف والخيارات الاقليمية بين تل ابيب والرياض. ويمكن لأي شخص أن يجري تمرينا ذهنيا حول مروحة من السيناريوهات المحتملة في هذا المجال. ومما يعزز هذا التقدير أن الطرفين باتا يجاهران بالحديث عن مصالح مشتركة، ومواجهة العدو المشترك. وهو ما يستوجب بالضرورة مواصلة سياسة الارتقاء بالعلاقات مع تل ابيب والتدرج في تظهيرها وتطويرها باتجاه التحالف.

بعد مرحلة تطويع الرأي العام العربي بهدف جعل اللقاء بين مسؤولين سعوديين ونظرائهم من الاسرائيليين، خارج دولة الاحتلال، أمرا مألوفا. تتم الآن محاولة وسم أي زيارة لأي وفد عربي الى اسرائيل كما لو أنها رحلة سياحية الى أي بلد آخر. بل هي خدمة يقدمها هؤلاء الى الشعب الفلسطيني باعتبار أن عشقي "زار" فلسطين وليس اسرائيل!!.

لكن بعيدا عما ينطوي هذا الادعاء من تبريرات "سخيفة"، وما فيه من محاولة لتغطية على هذه الجريمة، بحق الشعب الفلسطيني. أخطر ما في هذه التفسيرات، ايضا، أنها جزء من محاولة التفاف على مقاومة التطبيع لتمريره تحت عناوين اخرى. خاصة أنه وفقاً لهذا المنطق، يمكن لأي جهة أو شخصية زيارة أي بقعة من اسرائيل، تحت شعار أنها تزور فلسطين. هذا مع الاشارة الى أن الجنرال السعودي التقى مدير عام وزارة الخارجية الاسرائيلية دوري غولد، ومنسق شؤون الاحتلال في الضفة الغربية، اللواء يوآف مردخاي، واعضاء كنيست، في فندق الملك الداود الواقع في القدس الغربية المحتلة منذ العام 1948.

في السياق نفسه يندرج ايضا، التركيز على مقولة أن الوفد السعودي الذي يترأسه جنرال متقاعد في الجيش السعودي، هو وفد غير رسمي. وفي ذلك، تجاهل لحقيقة أن هذه الزيارة لاسرائيل ما كانت لتتم دون موافقة ملكية خاصة. وإلا لكانت اعلنت الرياض موقفا رسميا يدين الزيارة بشكل صريح ومباشر، ولتم الاعلان عن اجراءات بحق من يخالف القانون والموقف الرسمي المفترض للمملكة.

على مستوى الرسائل الاقليمية والداخلية. القدر المتيقن، أن اسرائيل باتت ناضجة بكل ما للكلمة من معنى للقفز فوق القضية الفلسطينية بأبخس الأثمان. والتنازل حتى عن المواقف الشكلية التي كانت تلتزم بها في مراحل سابقة. ولا حاجة للاستدلال على هذا المفهوم ما دامت هذه اللقاءات والزيارات تأتي بالتوازي مع الاعلان الدائم والمتكرر لنتنياهو عن عدم قبوله بالمبادرة العربية للسلام، بصرف النظر عن الموقف المبدئي منها.

بل إن كل المراقبين المختصين بالشأن الاسرائيلي، في الداخل والخارج، يجمعون على حقيقة أن اسرائيل أكثر بعدا من أي وقت مضى عن تقديم "تنازلات" جوهرية تتصل بالملف الفلسطيني. اضف الى أن الخارطة السياسية في اسرائيل، وموازين القوى الداخلية فيها لا تسمح بأية خطوة من هذا النوع، حتى ضمن السقف المتدني الذي يتبناه أنصار التسوية. ولعل من أبلغ الرسائل التي عبر عنها عشقي، في مقابلة مع اذاعة الجيش الاسرائيلي (وليس الفلسطيني/ باعتبار أنه زار فلسطين وليس اسرائيل)، عندما نزع صفة الارهاب عن الاحتلال نفسه عبر القول أن "الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني ليس مصدر الارهاب، ولكنه يخلق ارضية خصبة لاعمال ارهابية في المنطقة"، كما نقل موقع "تايمز اوف اسرائيل".

على خط مواز، يمكن الجزم بأن السعودية أرادت أن تقول وبالفم الملآن أنها ناضجة أكثر من أي وقت مضى، للانتقال الى مرحلة العلاقات العلنية وصولا الى التحالف، على قاعدة المصالح المشتركة ومواجهة العدو المشترك. وفي هذا الاطار، قدَّم عشقي، في المقابلة نفسها، رؤيته ازاء كيفية قطع الطريق على الجمهورية الاسلامية في ايران في دعم فصائل المقاومة في لبنان وفلسطين، معتبرا أن ذلك يتم عبر "حل الدولتين". وأراد بذلك، التأكيد على أنه معني بما يخدم في مواجهة ايران وحلفائها، وليس بما يلبي للشعب الفلسطيني حقوقه.

في المقابل، من الواضح أن نتنياهو استطاع أن يسجل إنجازاً سياسياً عبر هذه الزيارة، كونها تشكل مؤشراً قويا على صحة نظريته التي يجاهر بها وتقول أنه لا حاجة لتقديم تنازلات جوهرية على المسار الفلسطيني، من أجل تثمير الفرصة الاقليمية عبر نسج تحالفات علنية مع دول الخليج الفارسي وعلى رأسهم السعودية.