kayhan.ir

رمز الخبر: 23657
تأريخ النشر : 2015August04 - 21:44

بعد حرق عائلة فلسطينية: إسرائيل تدين وتستثمر.. وغداً يوم اخر

جهاد حيدر

حرصت إسرائيل على أن تبدو جريمة حرق عائلة دوابشة، في دوما جنوبي نابلس في الضفة الغربية، كما لو أنها اعتداء فردي شاذ لا علاقة للحكومة به. بل استغلت الحادثة كي تبدو كمن يدين مثل هذه العمليات، رغم ان الجيش ارتكب ما هو أعظم من عملية الحرق هذه، في قطاع غزة، عندما حرق مئات الاطفال بصواريخه، بناء على أوامر مباشرة من قيادته السياسية والعسكرية.

تحت ضغط جريمة حرق عائلة دوابشة، وبشاعتها، سارع مسؤولو الكيان الإسرائيلي إلى اطلاق مواقف تهدف إلى احتواء المفاعيل السلبية التي يمكن أن تترتب على هذه الجريمة، وفي الوقت نفسه استغلالها والتعامل معها على أنها فرصه يمكن من خلالها تحقيق العديد من الانجازات.

هدفت مواقف المسؤولين الإسرائيليين إلى احتواء مفاعيل الحدث خوفا من أن يتحول إلى شرارة لانفجار شعبي واسع، رغما عن ارادة السلطة. مع ذلك، لا تعني الاوصاف الارهابية التي اطلقها نتنياهو ورئيس الكيان رؤوبين ريفلين ووزير الامن موشيه يعلون، على الجريمة، معناها القضائي. بل مجرد ضريبة لفظية كي تمر ساعة الغضب، وغدًا يوم اخر.

جريمة احراق الطفل الرضيع في فلسطين المحتلة

لذلك حتى في ذروة الاحتقان، ومحاولة العدو الاحتواء، لم يبادر المسؤولون الإسرائيليون إلى الاعلان عن خطوات فعلية، تتصل بحماية الفلسطينيين من تكرار مثل هذه الاعتداءت، او فرض وشرعنة اجراءات رادعة في مواجهة اعتداءات المستوطنين. وأكثر من ذلك، لم تجد حكومة نتنياهو نفسها ملزمة بتعديل خطابها السياسي تجاه الاستيطان، بل ذهبت إلى وضع هذه الجريمة في سياق العمليات التي تنفذها فصائل المقاومة الفلسطينية دفاعا عن شعبها ومن اجل تحرير ارضها..

ومن أبرز مصاديق الاحتضان الرسمي للجماعات الاستيطانية، أن نتنياهو نفسه هو من وقف نحو سنتين امام محاولة وسم جماعات القتل الاستيطانية بالارهاب. ومنع طرحها على الحكومة، لأنه يدرك بأن أي اجراء من هذا النوع سيترتب عليه مفاعيل قضائية وامنية، وقد تصل إلى حد تحول هذه الاجراءات إلى عامل رادع للمستوطنين.

في هذا السياق، نجد أن سياسة إسرائيل الاستيطانية بعد جريمة الحرق هي نفسها قبل الجريمة. وموقفها القانوني من جماعات "تدفيع (جباية) الثمن" قبل الجريمة هو نفسه بعد الجريمة. سوى بعض المواقف الظرفية العابرة التي سوف يتم تجاوزها بعد مضي ايام واسابيع.

إلى ذلك، بدت الجريمة كما لو أنها فرصة للحكومة الإسرائيلية كي تظهر تمايزها عن اداء المستوطنين، وتحسِّن صورتها في ظل الانتقادات الدولية على سياساتها تجاه الفلسطينيين والاستيطان.

لم يكتف العدو بذلك، بل ذهب نتنياهو إلى حد المقارنة بين اداء "إسرائيل" في ادانة مثل هذه الجرائم، في مقابل الطرف الفلسطيني يطلق على ساحاتهم اسماء المقاومين الذين ينفذون عمليات جهادية ضد الاحتلال ومستوطنيه.

موقف السلطة

ينبغي الاقرار بحقيقة أن ما جرَّأ الجماعات الاستيطانية على ارتكاب الجرائم بحق الفلسطينيين، ليس فقط سياسة الحكومة الإسرائيلية واجهزتها الامنية والقضائية، بل ايضا اداء السلطة الفلسطينية، كونها تملك الكثير من الاوراق الرادعة فعلا للعدو ومن ورائه جماعاته الاستيطانية. هذا فضلا عن أنها تمنع شعبها وفصائل المقاومة من التحرك الجاد الذي يؤدي إلى تدفيع العدو الاثمان المؤلمة، والمشكلة الاكبر أن الحكومة الإسرائيلية، وجميع أجهزتها الامنية يدركون ذلك ويبنون عليه مواقفهم.

اما بالنسبة لموقف رئيس السلطة محمود عباس بأن السلطة "تجهز ملفا حول الجرائم الإسرائيلية، ومن ضمنها جريمة قتل الطفل علي دوابشة، وستتوجه به إلى محكمة الجنايات الدولية". يحق وينبغي علينا أن نسأل:

أولا، أن هذه الجريمة ليست الاولى من نوعها لأجهزة العدو وجماعاته الاستيطانية، والموقف الرسمي الفلسطيني ليس الاول من نوعه. فهل سبق أن بادرت السلطة إلى خطوات جادة في المؤسسات الدولية؟.

ثانيا، ماذا فعلت السلطة عندما ارتكبت إسرائيل جرائم حرب موصوفة وموثقة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وقتلت وجرحت آلاف الفلسطينيين خلال حرب استمرت 51 يوما خلال الصيف الماضي؟.

هل يمكن أن نصدق بأن من لم يقم بطرد إسرائيل من "الفيفا" وتراجع عن ذلك في اللحظة الاخيرة، سيجرؤ على محاكمها في محكمة الجنايات؟ واذا ما فعل ذلك، ألن يكرر سيناريو التراجع عن ذلك واسقاط الدعوى في اللحظة الاخيرة.

الا تدرك السلطة، وهي تدرك ذلك فعلا، أن تهديدا جديا واحدا بوقف التنسيق الامني يردع "إسرائيل" عن الكثير من اعتداءاتها الاستيطانية والامنية.. وما دامت هذه السلطة امتنعت طوال السنوات الماضية عن مثل هذه الخطوة، هل يمكن الركون اليها بأنها المؤهلة للدفاع عن شعبها حتى بوسائلها التسووية (التي تستند إلى اتفاقات التسوية مع إسرائيل.