kayhan.ir

رمز الخبر: 115432
تأريخ النشر : 2020July10 - 20:28

المقاربة الاستراتيجية الاميركية لمواجهة الصين


د.علي مطر

كثُر البحث، في الآونة الأخيرة، عن حقيقة تبدّل معالم النظام الدولي، ففي ذروة التحوّلات والتبدلات الطارئة، تتّجه أنظار العالم نحو الصين. الدولة التي لم تعُد منكفئة على ذاتها، والتي أصبحت تقارع الهيمنة الأميركية، بعدما بات على الأخيرة أن تتقبل فقدانها الأحادية في النظام الدولي، لا بل أن تتأقلم مع أن الصين هي التهديد الوجودي لها، وهي بحسب ما خلص إليه مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي أكبر تهديد للأمن القومي الأميركي.

أولاً: تقبل الواقع بدلاً عن الحرب

وتُعدّ مرحلة التحوّل من نظام دوليّ إلى آخر، من أخطر المراحل في العلاقات الدولية. وهنا يحذّر وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر الولايات المتّحدة الأميركية من الانعزال عمّا يجري في العالم. كذلك، يحذّر في كتابه النظام العالمي من خطورة الانتقال إلى الميدان المفتوح لأكثر المساعي التوسعية وأكثر اللاعبين عناداً. ويرى كيسنجر أنّ النظام العالمي الجديد يستحيل أن يكون أحادي القطب، بل ينبغي أن يكون متعدّد الأقطاب، مشتركاً بين الولايات المتّحدة والصين، وهو قد حذر من مواجهة، ما زال يمكن تفاديها، بين الولايات المتحدة والصين، مضيفاً أنهما على أعتاب حرب باردة.

ويبدو أن الإدارة الأميركية الحالية لم تقرأ الصين بالشكل الواقعي، لكي تتعامل معها بشراكة جدية، تبعدها عن حرب معها، إذ يقول الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيسكون في كتابه نصر بلا حرب (1999: Victory Without War) الذي نشره عام 1988، أن العالم سيحتوي على ثلاث قوى عظمى، هي الولايات المتحدة، والاتحاد السوفياتي والصين الشعبية، معتبراً أن الدور سيكون صينيا قبل أن يكون اميركياً، ويرى أن اميركا لن تخسر شيئاً من صداقة الصين بل يمكن أن تكسب، وذلك لأن أخطر شيء يمكن أن ترتكبه اميركا في سياستها مع الصين هو الأنسياق للأسلوب الذي تنفرد به أميركا وهو وعظ الدول بطريقة مصطنعة حول كيفية إدارة شؤونها السياسية.

لكن إدارة دونالد ترامب تتعامل مع الصين بطريقة خارجة عن الواقع، وهي تؤجج الصراع معها بشكل مباشر بدلاً من محاولة احتوائها، لا بل يرى الأميركيون أن دونالد ترامب لا يملك أهلية لخوض الصراع معها ونجاحه في حسمه لمصلحة بلاده، فيما يعتبره الصينيون هدية من السماء للصين، وفي ظل هذه الإدارة فإن الصين تتقدم بخطوات أسرع نحو التصدر في النظام الدولي، وهو ما جعل باحثين أميركيين ينتقدون التقرير الذي أصدرته ادارة ترامب في آيار 2020 تحت عنوان "نهج الادارة الاستراتيجي تجاه جمهورية الصين الشعبية".

ثانياً: نهج تصادمي خطأ استراتيجي كبير

لقد رأى الكثيرون في استراتيجية الإدارة الأميركية أنها نهج تصادمي للغاية، أنها مبالغ فيها، فيما لا يزال آخرون يخشون من أن تكون مبنية على قيم على النحو الذي يرضي الرئيس دونالد ترامب. وقد أشار زاك كوبر وهو باحث في معهد أميركان إنتربرايز في مقال بعنوان" خمسة انتقادات لاستراتيجية ادارة ترامب تجاه الصين"، لنقاط ضعف استراتيجية البيت الابيض تجاه الصين. وجادل العديد من خبراء السياسة الخارجية الأميركية في أن نهج الإدارة الحالية مفرط في المواجهة ويؤدي إلى نتائج عكسية بشكل أساسي. في الأشهر الأخيرة، اتهم ريتشارد هاس الإدارة بـ "خطأ استراتيجي كبير" والذي "يعكس حالة ذهنية قديمة". وحذرت راشيل إسبلين أوديل وستيفين ويرثيم من "اختيار جعل التهديدات أسوأ وخلق مخاطر جديدة".

تبدأ استراتيجية إدارة ترامب بردود على الجهود "على أساس الأمل في أن يؤدي تعميق المشاركة إلى تحفيز الانفتاح الاقتصادي والسياسي الأساسي في جمهورية الصين الشعبية ويؤدي إلى بروزها باعتبارها لاعبا عالميا بنّاء ومسؤولا ". تجادل إدارة ترامب بأن الإصلاحات في الصين "تباطأت أو توقفت" على الرغم من الالتزام الاميركي. ونتيجة لذلك، تخلص الاستراتيجية إلى فشل جهود دمج الصين في النظام الدولي. يقترح استبدالها بمجموعة من العصي (العقوبات) بدلاً من الجزر (الحوافز) التي تهدف إلى تشكيل خيارات الصين. تبدو الأهداف ذات شقين: "تحسين مرونة مؤسساتنا وتحالفاتنا وشراكاتنا" و "إجبار بكين على وقف الأعمال الضارة أو الحد منها" لمصلحة الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها.

وترى أنه "لا يوجد أمل في التعايش مع الصين طالما أن الحزب الشيوعي يحكم البلاد". ذهب كبير استراتيجي ترامب السابق ستيف بانون إلى أبعد من ذلك، داعيا الحزب الشيوعي إلى "حل: أعلن فورًا أنك ستستخدم مؤسسات ديمقراطية وشكلًا من أشكال الحكم الديمقراطي". يرفض منتقدو الحزب الشيوعي رسالة ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر إلى ماو تسي تونغ بأن" المهم ليس الفلسفة الداخلية للأمة "ولكن" سياستها تجاه بقية العالم ونحونا " .

وترفض الاستراتيجية الجديدة لإدارة ترامب مشاركة واحتواء الصين. وبدلاً من ذلك تقدم نهجًا أكثر تنافسية باستخدام الضغوط لتشكيل السلوك الصيني. تهدف الاستراتيجية إلى أن تكون مباشرة بما يكفي لجمهور اميركي مهتم بشكل متزايد دون تبني لهجة مواجهة مفرطة لحلفاء وشركاء الولايات المتحدة المعنيين. وفقاً لمستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، فإن هذه اللعبة ذات المستويين صعبة للغاية، خاصة بالنسبة للإدارة "التي تعاني من انقسام شديد في الفكر" مقارنة بالصين. يشعر العديد من الأصدقاء بالإحباط لأن ترامب لم يوحد حلفاءه وشركاءه سعيا لتحقيق هدف مشترك.

ثالثاً: تباين بين الرئيس وإدارته

ووفق ما يقول زاك كوبر لا يبدو أن الرئيس وإدارته يتفقان ببساطة على استراتيجية الصين. وهذا ينبغي أن يكون مفاجئا. بعد اجتماعه مع شي عام 2019، قال ترامب إن الصين "شريك استراتيجي"، رافضًا صراحة حقيقة أن استراتيجية الأمن القومي تصف الصين بأنها "منافس استراتيجي". وبالتالي، فإن الاستراتيجية الجديدة للإدارة الصينية القائمة على القيم الجديدة غير متوازنة مع نهج الرئيس في التعاملات. ويضيف "لقد وجهت انتقادات كثيرة لاستراتيجية الادارة تجاه الصين بسبب ظهورها في وقت متأخر للغاية. فهذه الاستراتيجية التي نُشرت قبل ستة أشهر من انتهاء فترة التفويض الرئاسي، بعد حرب تجارية وفي خضم تصاعد التوترات الدبلوماسية، تجاوزتها الأحداث إلى حد كبير. كان من الممكن أن يساعد نشر هذه الاستراتيجية في وقت سابق في تحديد وصياغة نهج الإدارة، وخاصة بالنسبة لحلفاء وشركاء الولايات المتحدة.

لقد تحولت الصين جدياً إلى التحدي الأكبر للولايات المتحدة الأميركية، وقد أشار لذلك صراحةً مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريستوفر راي، وقد احتدم التوتّر إلى درجة يمكن أن تضع أكبر قوّتين اقتصاديتين في العالم على شفير حرب باردة جديدة، كما قالت بكين أخيراً، وكما أشار إليه هنري كسينجر. وتعكس الاستراتيجية التي وضعتها الإدارة الأميركية، كبر التحديات التي تواجهها من قبل الصين، ومن ناحية أخرى الضعف الذي يكمن لدى واشنطن في هذه المواجهة، فيما يتحدث البيت الأبيض عن إعادة تقييم أساسية لكيفية فهم الولايات المتحدة واستجابتها لقادة دول العالم الاكثرها سكانًا، وثاني أكبر اقتصاد وطني، وتعترف الولايات المتحدة بالمنافسة الاستراتيجية طويلة الأمد بين النظامين الاميركي والصيني، والذي قد يولد عواقب وخيمة على النظام الدولي.