غموض الخطاب في ديمقراطيّة التمديد
ثريا عاصي
كلما خطونا خطوة جديدة في تتبع تطورات الأزمة اللبنانية ـ السورية، تبيّن لنا أن أصل القضية يكمن في معاودة حمى العصبية القبلية، رغم المعالجات الكثيرة التي استلزمتها ومنها التعاليم الدينية. هذه الأخيرة كانت عديمة النفع. بل أكثر من ذلك فاقمت المرض وزادت من خطورته.
مجمل القول أن المسألة ليست في وجود مقاومة ذي لون إسلامي شيعي، خرجت في بيئة شعبية كانت ترزح تحت وطـأة المستعمرين والغزاة، ولكن هي في الفرقة المذهبية التي تظهر في الأوقات الحرجة على حساب الوحدة الإجتماعية أو الوطنية. كأن الناس عاجزون عن التوافق على حل جمعي إذا ما إعترضتهم مشكلة. بمعنى آخر، هم غير قادرين على التفكير معا أو أنهم لم يتعلموا البحث عن حلول. لذا تغلب على تصرفاتهم في المصاعب، الغريزية والإنعزال وطلب النجاة بالنفس وإنقاذ الأقربين بأي ثمن.. حتى لو اقتضى ذلك التضحية بالناس جميعا وخيانتهم!
من المعروف أن خطب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله توقع المراقب أحيانا في حيرة. فهو يضع خوذة المقاوم في ساحات المواجهة وعمامة رجل الدين على المنابر. ما أود قوله هنا باقتضاب شديد أن مشاغل الرجل تشمل الأمور العسكرية والسياسية والفكرية والدينية جميعا. ينجم عنه أحيانا غموض وإلتباس.
بالعودة إلى المقاومة أقول إن البيئة التي أولدت هذه الأخيرة وتعهدتها وقدمت لها كل حاضرها، أبناءها وأرزاقها وأمنها وراحتها وأفراحها ودموعها، هذه البيئة تحاول الدفاع عن حقها في الحياة والوجود. بعد أن تخلى عنها شركاؤها في الوطن. أغلب الظن أن منهم من ساوم الأعداء على مصيرها.
الإسلام في خطر، نعم. هذه مسألة دينية. أكاد أن أقول ذاتية فردية. لا شك في أن هناك إنساناً مسلماً. ولكن هل هناك جماعة إسلامية أم أمة إسلامية، ولمَ لا وطن إسلامي. أين هذا كله؟ ماذا تعني الأمة؟ ما هي العوامل التي تجعل من الناس أمة واحدة ؟ إلى أي أمة ووطن ينتمي المسيحيون العرب؟ من البديهي أن المقاومة ضد المستعمر والمحتل الغاصب تتقدم في الظروف الراهنة على الرسالة التبشيرية. فأبواب المسجد الأقصى تغلق بأمر من المحتل. جورج حبش رجل مقاوم. المطران حنا عطالله، المطران كبوتشي، جورج إبراهيم عبدالله مقاومون..
لفت نظري في هذا السياق الذي تتداخل فيه الأمور، رد فعل المتربصين بالمقاومة ضد المستعمر مجاراة لرغبة أمراء النفط الخليجيين ومفكريهم، في موضوع الإلحاد نفورا من مظاهر التدين وأنواع المعاملات التي يسوقها تجار الدين والنفط بواسطة "داعش” وأخواتها ومن هم على شاكلتها. ليست القضية التي يقاتل من أجلها إسلاميو المقاومة سرا. ما يبدو أنه سر عميق في رأيي هي القضية التي يدعي "الملحدون” أنهم قاوموا من أجلها قبل حزب الله. ماذا يفعلون في الراهن ؟! أين هم ؟ أينتظرون وصول قوات "داعش” وجبهة النصرة إلى بلاد الأرز صاحبة الأبجدية و”ديمقراطية التمديد”؟!