جبهة المقاومة تتوسّع... وإنجازاتها تتراكم
د. أمين محمد حطيط
مع احتفالات الذكرى الـ 13 للانتصار الاستراتيجي الذي حققته المقاومة في جنوب لبنان على العدو الصهيوني في العام 2006، تكثفت الإنجازات التي تحققت والمواقف التي أطلقت من قبل مكوّنات محور المقاومة بحيث أنّ قراءة علمية واستراتيجية معمّقة لها تقود إلى القول بأنّ هناك متغيّراً إقليمياً ودولياً جديداً بات يفرض إيقاعه على العلاقات الدولية وعلى الخطط الاستراتيجية التي ترسم أو يتحدّث عنها في الإقليم، متغيّر من شأنه أن يحدث إعادة تركيب للعلاقات والمحاور والجبهات بما لا يتناسب مع أهداف وخطط معسكر العدوان على المنطقة بقيادة أميركية.
وفي هذا السياق نتوقف عند أربعة مواقف ووقائع سجلت خلال الشهر الجاري وكلها إذا جمعت ونظمت تتكامل لترسم المشهد الجديد الذي نتحدث عن المتغيّر فيه، ففي إيران كانت مسألة حرب الناقلات التي سجلت فيها إيران الانتصار على أميركا، وفي سورية كانت بدايات معركة تحرير إدلب التي كسرت فيها سورية خطة حرب الاستنزاف لإطالة أمد الحرب، وفي اليمن كانت الوقائع الميدانية والتشظي في معسكر العدوان ينبئ بأنّ إعلان نصر اليمن وهزيمة التحالف السعودي بات أمراً وشيكاً، أما في لبنان فقد كانت القنبلة التي أطلقها السيد حسن نصرالله والتي أعلن فيها عن إقامة نظام دفاعي إبداعي متطور في جنوب لبنان يمنع «إسرائيل» من تحقيق أيّ انجاز عسكري فيه أيّ حرب قد تشنّها على لبنان.
والبداية مع حرب ناقلات النفط التي افتتحتها أميركا عندما أرادت ان تشدّد حصارها لإيران عبر الحدّ من تحرك ناقلاتها النفطية وأوعزت باحتجاز الناقلة الإيرانية «غريس 1»، ونفذت بريطانيا الأمر عبر حكومة جبل طارق بذريعة انّ الناقلة تخرق العقوبات الأوروبية المفروضة على سورية، وادّعت بأنّ «غريس 1» متوجهة الى سورية ما يبرّر احتجازها. واعتقدت أميركا بأنّ إيران ستسلّم بالأمر الواقع وتنسى أمر ناقلتها، لكن إيران سفهت الظن الانكلوسكسوني، وبادرت الى مواجهة مركبة سياسية ودبلوماسية وعسكرية وأمنية، أكدت خلالها أنّ احتجاز سفينتها إنما هو عمل قرصنة غير مشروع ينتهك القرارات الدولية، وبادرت الى التطبيق الحرفي للقانون الدولي للنقل البحري في الخليج الفارسي ما أتاح لها احتجاز باخرة بريطانية خرقت قواعد الأمن البحري.
لم تقلح كلّ المحاولات الغربية والمحاولات لضغط على إيران والتهويل بإنشاء حلف بحري للأمن في الخليج الفارسي والتهديد باللجوء للقوة كلّ ذلك لم يفلح في استعادة الباخرة البريطانية من القبضة الإيرانية، ما اضطر بريطانيا في نهاية المطاف للتنصل من مسؤوليتها عن احتجاز «غريس 1» وحصر الأمر في قرارات حكومة جبل طارق التي بادر القضاء فيها الى إطلاق الباخرة الإيرانية دون ان يصغي الى الضغوط والطلبات الأميركية بمصادرة الباخرة، فكان رفع الحجز عن الباخرة الإيرانية بكامل حمولتها بمثابة الصفعة الكبرى لبريطانية وأميركا معاً، صفعة تكرّرت على الخدّ الأميركي مع رفض حكومة جبل طارق الاستجابة للطلب الأميركي بمصادرة الباخرة، التي أطلقت وبقيت الباخرة البريطانية على رصيف إيراني تنتظر قرار القضاء الإيراني بشأنها، وسجلت إيران بذلك انتصاراً مركباً صنعته دبلوماسية حاذقة وقوة عسكرية رادعة قادرة.
وفي سورية أطلق الجيش السوري رداً على تنصل الإرهابيين من مقتضيات منظومة خفض التصعيد في إدلب، وعلى إمعان تركيا بالمناورات الاحتيالية وانقلابها على مخرجات استانة 13 وسوتشي واتجاهها مع أميركا لإقامة ما تدّعيه من «منطقة آمنة» في شمالي شرقي سورية، أطلقت عملية تحرير الريف الواقع ضمن مثلث حلب حماة إدلب، ليكون تمهيداً لتحرير إدلب ومنطقتها كلها. وقد حققت التشكيلات الميدانية العاملة في الريف الجنوبي الشرقي لإدلب والريف الشمالي لحماة، إنجازات ميدانية هامة قادت القوى الى خان شيخون المدينة ذات الأهمية والرمزية الاستراتيجية والميدانية، وأنزلت بالمسلحين خسائر بليغة بالعديد والعتاد وأجهضت خطة حرب الاستنزاف التي شاءها الأميركي والتركي لاستنزاف قوى الجيش السوري ودفعه للتآكل ومنعه من استكمال مهمة تحرير إدلب وبعدها شرقي الفرات.
انّ الإنجازات التي حققها الجيش العربي السوري في شرقي إدلب وشمالي حماة تعتبر ذات أهمية بالغة التأثير على مسار العمليات المستقبلية وتنبئ بأنّ مسألة تحرير إدلب وضعت على نار حامية، وانّ مناورات معسكر العدوان على سورية لن تفلح في منع الجيش من استكمال مهمة التحرير، ولن تنجح في منح تركيا وقتاً إضافياً لتمرير مشروعها الاستعماري الاحتلالي في سورية. وغنيّ عن البيان القول بأنّ تحرير إدلب سيسقط تبعاً له كلّ المشاريع التي تعدّ بيد أجنبية لمنطقة شرق الفرات، وانّ هذه الإنجازات وجّهت رسائل هامة لمن يعنيه الأمر في تلك المنطقة ما حمله على تلمّس السبل للعودة للحوار مع الحكومة السورية التي لها ان تطمئن الى المستقبل نتيجة الإنجازات العسكرية التي تتحقق.
وفي اليمن وجهت اللجان الشعبية والجيش اليمني ضربة نوعية بالطائرات المسيّرة التي استهدفت حقل شيبة النفطي الذي تصفه الغارديان البريطانية بأنه أقرب الى منجم ذهب منه الى حقل نفط نظراً لطبيعته وخصوصيته المتميّزة، وقد حملت هذه الضربة من الرسائل الاستراتيجية والعملانية ما يؤكد بانّ اليمن مستمرّ في الارتقاء في معركته الدفاعية بشكل تصاعدي في مقابل الوهن والتفكك والتنافر الذي ينخر في جسم تحالف العدوان، تنافر انفجر صراعاً بين السعودية والإمارات في عدن، لم تنفع في معالجته كلّ البيانات السوداء التي أصدرت ولم تحجبه كلّ البسمات الصفراء التي ارتسمت اصطناعياً على وجوه «الاخوة الأعداء». هذا الواقع معطوفاً على الرسائل الثلاث التي حملتها الطائرات المسيّرة للسعودية واقتصادها وللإمارات وأمنها ولأميركا وصناعتها العسكرية، يثبت بأنّ اليمن الذي بات عبر مكوناته السياسة الدفاعية المسلحة مكوّناً أساسياً من مكونات المقاومة في وجه المشروع الاستعماري الاحتلالي، يثبت بأنّ هذا اليمن يحصد الانتصارات ليراكم بها إنجازات محور المقاومة من جهة وليؤكد وبصورة قطعية انّ هزيمة العدوان على اليمن باتت أمراً محسوماً لا يناقش فيه عاقل.
وأخيراً نعود الى لبنان ونتوقف عند الإعلان الصاعق الذي أطلقه السيد حسن نصر الله والقول بأنه بات للبنان نظام دفاعي إبداعي يمكنه ان يحوّل كلّ بقعة في الجنوب الى مربع نصر للمقاومة وسحق لـ «إسرائيل». وقد جاء هذا الإعلان ليكون بمثابة الصدمة للعدو الذي يعرف جيداً ماذا يقصد السيد بالنظام الدفاعي وأقله انه يعرف انّ هذا النظام يشمل في ما يشمل منظومة قيادة وسيطرة فاعلة ومنظومة إنذار مبكر يقظة وعنصر ناري مؤثر وقدرات قتالية فاعلة فاتكة مع شبك وتماسك وإسناد متبادل بين القواعد والمراكز معطوفاً على نظام استعمال وتهيئة الأرض وترصينها دفاعياً بما يؤمّن التمركز والانتقال الآمن بعيداً عن مخاطر طيران العدو.
ومن شأن هذا النظام كما يوقن لعدوان يجعل الجنوب منطقة مغلقة بوجه العدو في صيغة أولى ويجعله مقبرة لجنوده الذين توعّدهم السيد بالقتل والتدمير تحت عدسات الكاميرا وعلى شاشات التلفزة، كما من شأنه ان يزلزل معنويات العدو وينسفها ويؤكد مقولة الإسرائيليين أنفسهم بقيام توزان استراتيجي وردع متبادل بين «إسرائيل» والمقاومة ما يفقد العدو وبشكل شبه نهائي القدرة على قرار الحرب ويجعل لبنان مستمراً بالتنعّم بالأمن والاستقرار الذي تذوّقه منذ العام 2006.
هذه الإنجازات التي صنعها في موقعه كلّ مكوّن من مكونات محور المقاومة بدعم وإسناد من الآخرين، لا يمكن ان تبقى في تداعياتها محصورة في يد من صنعها، بل تقرأ وتفهم على أساس انّ المحور تحوّل الى جبهة هي «جبهة المقاومة» التي باتت تشمل مكونات مسلحة رسمية وغير رسمية في لبنان وسورية والعراق وإيران واليمن وفلسطين، وتؤيدهم شعوب في تونس والجزائر والبحرين وشرائح من شعوب عربية وإسلامية أخرى.
نعرض هذا لنقول إنّ ما كان مقاومة محلية وطنية، تحوّل الى محور مقاومة إقليمية محصورة، واليوم يتحوّل الى جبهة مقاومة واسعة تتعدّى دولة او وطناً محدّداً لتشمل كامل منطقة الشرق الأوسط مع بعض من أجزاء أفريقيا، وهذه الجبهة تحصد الإنجازات في مواجهتها لمعسكر الاستعمار الاحتلالي الذي تتعدّد تسمياته وتتوحد أهدافه وتتقاطع عند «إقامة شرق أوسط جديد أميركي» بينما نجد انّ الجبهة التي شكلت في البدء عوائق أمام المشروع هذا، تؤسّس اليوم لإقامة شرق أوسط لأهله مستقلّ القرار سيد نفسه، شرق أوسط بات في حماية جبهة متناسقة متحالفة متحدة تبدو كالجسم الواحد اذا شكا عضو منه تداعى باقي الأعضاء إلى السهر والعناية به.