كشمير.. جنة الله بين الإسلام والإلحاد
عبد العزيز بدر القطان
نفتقر في العالم الحديث لرموزٍ نقتدي بها، في الدفاع عن حقوق الإنسان والعدل والحرية في مواجهة آلة العسكر، ولطالما كانت قضيتي الأسمى هي "الإنسان”، الذي له حق الحياة، ودفاعي عن حقوق الإنسان هي حرب أخوضها بكل قواي لجعل "مجتمعنا الإنساني أكثر أمنا وسلاما”.
لا أستطيع كإنسان أن أقف متفرّجاً من هول كل ما يحدث من ويلات على الشعوب، هل أحدثكم عن معاناة الشعب الفلسطيني، أم السوري أم العراقي، أم ما يحدث في نيجيريا، أو الانتهاكات الخطيرة، التي يتعرض لها مسلمو بورما، على أيدي جماعات بوذية متطرفة، وكشمير الجنة المتنازع عليها.
ومن منطلق إنسانيتي الخالصة وإيماني العميق بأني كإنسان، يتحتم أن أساهم كإنسان أولاً وكمسلم ثانيا، في الإضاءة على ما يقض مضجع أخي الإنسان في أي بقعة على هذه الأرض. فما يحدث اليوم خطير جدا، ويندى له الجبين، ولنأخذ آخر معاناة لشعبٍ كل ذنبه، أنه موجود بين دولتين، في إقليم متنازع عليه، ألا وهو كشمير.
هول المجازر
منذ تقسيم الهند وقيام دولة باكستان في العام 1947، اندلعت عدة حروب بين البلدين في تلك المنطقة التي توصف بأنها "جنة على الأرض محاطة بالنيران” لجمال طبيعتها وتضاريسها، إذ هناك سعي واضح لفرض السيادة عليها، هذا النزاع دفع إلى سباق التسلح حتى امتلك كل منهما القنبلة النووية، فأصبح هذا الإقليم الجميل واحدا من أكثر مناطق العالم المدججة بالسلاح، لتتحول تلك الجنة إلى أرض مروية بدماء أهلها من ويلات الظلم والمجازر التي ارتكبت في حقهم، ومنذ عام 1989، قتل أكثر من 100 ألف كشميري، فضلا عن اغتصاب أكثر من 10 آلاف امرأة، بينما قتل 7000 شخص في ظل حكم السلطات الهندية، وهنا أقف حائرا أمام هول هذا المشهد لمجرد تخيلهن فكيف وإن كان هناك مئات الأشخاص ممن عاشوا فصوله وإختبروه، فبات الخوف والترقب ملازما لهذا الشعب المضطهد، ونستذكر بإقتضاب تلك المجزرة، ففي 28 فبراير/ شباط من عام 2002، استقلت مجموعات متطرفة هندوسية مسلحة ببلطات وسيوف، وارتكبت العديد من الفظائع، فاغتصبت نساء وأحرقت رجالا وهم أحياء، وذبحت أطفالا، ومر أكثر من عقد على هذه المجازر، ولا تزال ماثلة في الذاكرة.
تقويض باكستان
لا عجب أن غرّد رئيس وزراء باكستان، عمران خان قائلا: ”هل سيشاهد العالم بصمت مجزرة أخرى شبيهة بتلك التي وقعت في سربرينيتسا، ضد مسلمي كشمير؟”، من هنا لن نستغرب قطعه مناسكه في مكة المكرمة بقصد العمرة، ليعود سريعا ويجنب أمته المسلمة أي تكرار لمثل هذه المجزرة الشنيعة، من واجبه كمسؤول أولا وكمسلم عليه نصرة إخوانه ثانيا، وهذا موقف مشرف يُضاف إلى سجله الذي نهض بباكستان، كما شرحنا ذلك في مقال سابق كيف نهض بباكستان إقتصاديا، فهذا النزاع على هذا الإقليم عبر التصفية العرقية، أخذ طابعه الدموي لأجل المصالح، نعم لأجل المصالح، فلعل الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني بات عصبا إستراتيجيا حيويا، لكامل آسيا، ولعل ميناء جوادر هو الحجر الأساس وصلة الوصل بين مشروعي الحزام الواحد والطريق الواحد وخط الحرير البحري، فهذا الميناء أيها السادة ينافس بعض الدول الخليجية لا بل قد يقضي عليها إقتصاديا، فهذا الميناء يطل على بحر العرب بالقرب من مضيق هرمز الذي تعبر منه ثلث تجارة النفط العالمية، وللتاريخ لمن لا يعلم إن هذا الميناء كان تحت سيطرة سلطنة عمان في العام 1779، ثم إنتقلت ملكيته إلى باكستان مع حلول عام 1958، فهذا الميناء من المفارقة العجيبة انه أقرب إلى الصين من الصين نفسها، ومنها إلى الخليج الفارسي وبقية دول الشرق الأوسط، فهذا الصعود الاقتصادي لباكستان أيقظ عيون المتربصين بها، وهل من طريقة إلى إحداث مجازر في كشمير لتعطيل نهوض باكستان؟ فهذا الأمر حلم لباكستان لكنه كابوس على بعض الأنظمة.
اجتماع طارئ
باتت القضايا الملحة لإنسانيتنا يكفيها عقد إجتماعٍ هنا وقمة هناك، وبيان تنديد وإلتقاط الصور، هذا هو حال الأمة الإسلامية اليوم، دون أن أغفل الدعوات لوضع التسوية، فماذا تنفع التسوية عندما يكون هناك فئة مستضعفة تُباد، وأسأل نفسي دائما المنظمات الإسلامية أين هي مما يرتكب بحق إخواننا المسلمين في كل دول العالم، فهل هذه الخطوات كافية، إنه لمن المعيب ولمن العار ان نكون مسلمين وان نكون لا حول ولا قوة لنا ونحن امة المليار مسلم، إن توحدنا بالنفس لأحدثنا إعصارا مزلزلا، وأين هم المقاومين ومحور المقاومة ولماذا هذا الصمت، عتبي على الحكومات الإسلامية قاطبة ومحور المقاومة من التنصل من مسؤولياتهم تجاه ما يحدث، هل بتنا نصنّف على أننا غير مرئيين وغير مؤثرين في العالم ونحن أمة أعطت للبشرية العلم والعلوم وحررت دولا من براثن الإستعمار القديم والحديث، هل باتت مناقبنا ومآثرنا مجلدات مصفوفة على رفوف المكتبات، وأين هم هؤلاء المتباكين على القضية الفلسطينية وعلى الشعب السوري والعراقي واليمني، والله لبت مقتنعا ان هناك من يتاجر بقاضايانا لمصالحه الشخصية، وأن هذه الأمور ليست إلا حبرا على ورق.
إخواني أنا كشميري وبورمي ونيجيري وفلسطيني وسوري وعراقي ويمني، أنا كلهم مجتمعين، أنا الإنسان والمسلم، الذي أوعزت أن أقول الصدق والحقيقة، نحتاج أن نكون يدا واحدة ضد الظلم، أحتاج إلى من يقف معي لنناصر أخينا الإنسان والمسلم أينما كان، نحتاج أن نرفع عزة أمتنا، والله إنها أمة عظيمة وتستحق منا كل جهد، أستحلفكم بالله أن تقفوا موقف الحق، وأن الكلمة الطيبة حسنات مضاعفة، كل مظلوم هو مظلوميتنا، وكل محتل نحن له سلاح مقاومة، إن كشمير لسكانها حق الحياة كما لفلسطين الحبيبة وبغداد السلام ودمشق العظيمة.