kayhan.ir

رمز الخبر: 99580
تأريخ النشر : 2019August20 - 20:45

تركيا الحائرة بين طرفي كماشة: أميركا وروسيا


سركيس أبوزيد

تقوم تركيا مؤخرًا بحركة سياسية ودبلوماسية ناشطة تترافق مع تحركات عسكرية على الأرض، وكل ذلك بهدف إحياء مشروع إقامة منطقة آمنة شمال سوريا، متجاوزة وضع إدلب وساعية الى ربط مستقبل إدلب بمستقبل شرق الفرات والمنطقة الأمنية الجديدة.

وترغب تركيا في السيطرة على المنطقة الآمنة "المحتملة" في شرق الفرات وإخلائها، من وحدات حماية الشعب الكردية، التي كانت ولا تزال، حليفًا موثوقًا لواشنطن في الحرب على تنظيم "داعش"، بينما ترغب الولايات المتحدة في أن تتواجد قوات من دول التحالف الدولي للحرب على "داعش"، في المنطقة الآمنة، وتقديم ضمانات بحماية حلفائها الأكراد.

ومؤخرًا، اعترضت الولايات المتحدة على العملية العسكرية التي هددت ولوّحت بها تركيا في شرق الفرات، لكنها وافقت على المنطقة الآمنة التي تطالب بها تركيا منذ سنوات. واتفق الجانبان التركي والأميركي خلال المباحثات العسكرية التي أجريت على مدى 3 أيام في أنقرة، على إنشاء مركز عمليات مشترك في أنقرة، في أقرب وقت ممكن، لإنشاء وتنسيق وإدارة منطقة أمنية في شمال سوريا. كما تم الإتفاق على جعل المنطقة الأمنية "ممر سلام"، واتخاذ كل التدابير الإضافية لضمان عودة السوريين إلى بلادهم.

المفاوضات بين الأميركيين والأتراك حول الوضع في الشمال السوري، راقبتها موسكو بدقة، وأعلنت أكثر من مرة عن قلق بشأنها، فالمشكلة الروسية مع أنقرة في هذه المنطقة تكمن في نقطتين:

أولاهما: أن موسكو تعارض سيطرة تركية مطلقة بمعنى أنها قد توافق في مرحلة ما على وجود تركي أنشط، وتسيير دوريات مشتركة أخرى أو وضع آليات مشتركة لمراقبة المنطقة.

والنقطة الثانية أن موسكو ترى ضرورة قيام تنسيق من نوع ما مع السلطات السورية بشكل مباشر أو عبر قنوات.

ويرى خبراء روس في الشأن التركي أن أردوغان ما زال لا يفضل سيناريو فتح الإتصالات مع دمشق، لأنه لا يريد المغامرة بوضع مسألة الوجود التركي في سوريا على أجندة البحث مع دمشق، كما أنه يرغب في تعزيز أوراقه التفاوضية قبل انطلاق قطار التسوية.

محلل سياسي خبير في الشؤون الكردية والتركية يرى أن إتفاقية المنطقة الآمنة مهمة جدا في هذه اللحظة من الكباشات الإقليمية والثنائية بين أنقرة وواشنطن:

- فهي تحقيق لحلم تركي عمره من عمر الأزمة في سوريا.

- الإتفاق خطوة متقدمة على طريق تطبيع العلاقات التركية - الأميركية. كذلك فإن توقيتها مهم لرأب الصدع، ولا سيما بعد صفقة صواريخ "إس 400".

- الإتفاق يقوّي موقع تركيا في الأزمة السورية، ويضع بيدها ورقة ضغط مهمة على حلفائها الروس والإيرانيين، ويوسّع هامش المناورة أمامها.

-وفي اتصال بالموقف الكردي، سيكون الإتفاق، حال تطبيقه، ضربة قوية لمشروع الإدارة الذاتية في منطقة "روج آفا" من كل النواحي الجغرافية والاجتماعية والسياسية، التي من أجلها كانت تفشل المحادثات بين الأكراد والدولة السورية. فالكلام في الإتفاق عن عودة اللاجئين السوريين إلى المنطقة الآمنة، إستهداف مباشر لديموغرافية المنطقة من جانب تركيا، لمصلحة فئات من أصول تركمانية أو عربية موالية لها على حساب الوجود الكردي ذي الغالبية في بعض أجزاء المنطقة الآمنة.

وهنا يبرز تساؤل عن طبيعة وانعكاسات الإتفاق التركي - الأميركي على مسار أستانة والعلاقة الروسية - التركية؟

التحالف التركي - الأميركي نشأ في الأصل بناء على مخاوف مشتركة من التوسع السوفياتي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. لكن خلال العقود الثلاثة التي تلت نهاية الحرب الباردة، وجدت الولايات المتحدة وتركيا صعوبة في تحديد مصالحهما المشتركة. وتسارع هذا الخلاف التدريجي بعدما غزا الأميركيون العراق في العام 2003 وأطاحوا بالرئيس صدام حسين، فنشأ فراغ في السلطة وملأته حكومة كردستان. عمد المسؤولون الأكراد، بدعم من الولايات المتحدة، الى ترسيخ إستقلال مؤسساتهم الحاكمة، ما أثار حفيظة النخب التركية المسؤولة عن الأمن القومي كونها تعتبر القومية الكردية خطرا على وجودها.

ومع إندلاع الحرب في سوريا، سعت أنقرة الى تهميش الأكراد السوريين الذين سيطروا في بداية العام 2012، على المناطق الحدودية. كما حاولت تركيا في البداية ضم المقاتلين السوريين الأكراد الى الجهود المناهضة للرئيس الأسد والمدعومة من تركيا، فقد أرادت أنقرة منع نشوء دولة أولية يحكمها الأكراد وتخضع لنفوذ "حزب العمال الكردستاني". وخلال فترة معينة، لم تدخل أنقرة في صدام مباشر مع واشنطن بسبب تلك الجهود، لكن في نهاية المطاف، فشلت تركيا في التلاعب بالقوة العسكرية الأميركية لمصلحتها الخاصة، وسرعان ما أدى تجاهلها للجماعات الجهادية المتمردة في شمال سوريا الى بدء صدامها مع واشنطن.

وفي ظل تباعد المصالح الأميركية - التركية في سوريا، بدأت أنقرة تعيد تقييم موقفها التقليدي من واشنطن في مسائل أخرى متعلقة بالأمن القومي أيضا. وأدى الدعم الأميركي للميليشيات الكردية في سوريا الى ترسيخ تلك النظرة في أنقرة، ما دفع تركيا الى أحضان روسيا. فقد أدركت أنقرة أنها مضطرة للتعاون مع موسكو للسيطرة على تدفق اللاجئين من مناطق الصراع، فعمدت الى إغلاق الحدود وبناء مخيمات داخل سوريا لاستقبال اللاجئين. في الوقت نفسه، أصبحت روسيا أهم شريكة عسكرية موثوق بها لتركيا، فسمحت لها باستئناف عملياتها القتالية المحدودة في المناطق الحدودية لمتابعة الضغط على الأكراد من دون تهديد حكم الرئيس الأسد.

ورغم وجود إختلافات بينهما حول مجمل القضايا تقريبا، فإن أنقرة وموسكو تمكنتا من إدارة خلافاتهما، وطورتا ديناميكية نمت لاحقا، بعدما قدم أردوغان تنازلات كبيرة لروسيا لضمان دعمها بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة في 15 تموز 2016، لتصاب الحياة السياسية التركية بعدها بأضرار كبيرة، واعتبرت تلك المسيرة التراجعية لتركيا، بأنها قد تكون سببا رئيسيا أمام احتمال خروجها ليس فقط من حلف "الناتو"، بل ومن دائرة العلاقات الخاصة التي تجمع واشنطن بأنقرة التي تعتبر روسيا أفضل وسيلة يمكن أن تستعملها تركيا للتأثير على أي إتفاق سلام محتمل، أو حتى الدستور السوري الجديد، علمًا أن هذين العاملين يسمحان لأنقرة بكبح طموحات الأكراد المتعلقة بالحكم الذاتي في شمال شرقي البلاد. فكل هذا مهد لنشوء علاقة تكافلية بين روسيا وتركيا، حيث يحتاج كل طرف الى الآخر لحل الصراع، فتفاقم الأوضاع القائمة في سوريا جعل تركيا تتجاوز خلافاتها مع روسيا، في ظل تلاشي روابطها مع الولايات المتحدة بدرجة متزايدة.

في الختام هل ستنجح تركيا بادارة تحالفاتها المتناقضة، أم ستبقى في حيرة بين خيارات متضارة؟ نتائج العمليات العسكرية في الميدان سوف تحسم الاتجاه.