"داعش" ومحاولات الإحياء المستحيل
محمد محمود مرتضى
لم تكن العمليات التي نفذها تنظيم "داعش" الإرهابي حول العالم بجديدة، وإن كانت دلالتها الحالية تختلف عن سابقاتها. فـ"داعش" أثناء الخلافة ليس كما بعدها، وربما تعمقت الأزمة بعد انهزامه في قرية الباغوز السورية.
رغم أنّ اللامركزية قد ظهرت مؤخرًا بشكل متزايد، وخاصة بعد انفراط عقد الخلافة المكانية، الا أنّ هذه الاستراتيجية بدأت طلائعها ما قبل انفراط عقد تلك الخلافة المزعومة. فالإعلان عن إقامة ثلاث ولايات جديدة (ما يعرف بـ"ولاية الهند، وولاية باكستان، وولاية وسط أفريقيا") لم يأت في سياق مغاير لما دأب عليه التنظيم، وإن كان هذا الاعلان محط استغراب لناحية أن هذا الاعلان جاء اثر انتهاء الخلافة المكانية وهذا لا ينسجم مع الاعلان عن التمدد.
ومهما يكن من أمر، فإن التنظيم يتجه نحو المزيد من اللامركزية، بعد اندحار مراكز الثقل في قلب ما كان يعرف بـالخلافة.
من هنا يمكن لنا أن نرصد مساعي التنظيم إلى إيجاد معاقل جديدة، بعد خسارة المعاقله الرئيسية في سوريا والعراق، ما يوضح لنا سبب توجه التنظيم لفتح جبهات جديدة في كشمير وباكستان، ودولة الكونغو الديمقراطية، وموزمبيق، وبوركينا فاسو وكينيا وغيرها. فيما يتابع التنظيم محاولاته لتثبيت نقاط نفوذ في داخل سوريا والعراق، عبر الخلايا الأمنية المنتشرة في بعض المناطق.
من الواضح أنّ التنظيم بات أكثر واقعية حيث يقوم بالتنسيق مع جماعات محلية وهذا ما برز من خلال الهجمات التي شنها في جزيرة سريلانكا
وكانت وسائل دعائية "داعشية" قد نشرت خلال الأسابيع الماضية سلسلة من الإرشادات لعناصرها حول كيفية شن هجمات باستخدام العبوات الناسفة، وتنفيذ عمليات القنص والاغتيال.
فمنذ أن ظهر على الساحة العراقية ومن ثم تمدد الى مناطق أخرى، بدا واضحًا أنّ التنظيم أشبه ما يكون بشركة مساهمة عالمية، يستثمر فيها من يستثمر في الشرق والغرب، فيعمل على توسيع نطاق عملياتها في بعض الدول تارة، ويقللها في أماكن تارة أخرى، الا أنّ هذه اللامركزية غير مصحوبة بتوزيع متكافئ في الموارد والأسلحة. لكن هذه الفروع أو الاذرع لـ"داعش" تتبنى استراتيجيات وفق ظروفها المحلية، ثم تعمد الى إعادة هيكلة نفسها وفق ظروف كل ذراع بما ينسجم والأوضاع التي تمر بها.
من الواضح أنّ التنظيم بات أكثر واقعية، حيث يقوم بالتنسيق مع جماعات محلية، وهذا ما برز من خلال الهجمات التي شنها في جزيرة سريلانكا حيث نسق مع مجموعات صغيرة مثل حركة التوحيد الوطنية، التي نفذ عناصر منها هجمات أحد الفصح في سريلانكا.
ويبدو أن البغدادي عمل على إرسال قيادات موالية له؛ لإنشاء خلايا جديدة في المناطق التي تمدد لها التنظيم في أفريقيا وآسيا؛ لضمان أن تكون أفرع التنظيم متناسقة مع المجموعات الرئيسية الموجودة في سوريا والعراق.
على أن مقتل العديد من قيادات التنظيم القديمة قد يؤدي إلى تبنى الفروع لمنهجية مختلفة، كما حدث سابقًا مع تنظيم "القاعدة". وكان تنظيم القاعدة قد اعتمد على طريقتين في التمدد في تلك الفترة، أولهما تأسيس خلايا ومجموعات تابعة له في تلك البلدان، أو التحالف مع مجموعات محلية أخرى في مقابل تعهدها بالولاء لـ"القاعدة".
ومهما يكن من أمر، فإن المعركة ضد "داعش" تدخل في مرحلةً حرجةً يرتبط جزء كبير منها بالمسؤولين عن "القيادة والسيطرة" في التنظيم الإرهابي. على أن الضغط الزائد على التنظيم الإرهابي قد يؤدي إلى انتهاجه لاستراتيجية "التوسع في التمدد" والتي قد تؤدي الى ضعف الروابط بينه وبين الفروع التابعة له، أو فقدان السيطرة عليها في بعض الأحيان.
في كل الأحول، يصعب تصور أن يستطيع "داعش" العودة الى سابق عهده، ولا يمكن للأذرع الجديدة أن تُحيي ميتاً، ما يضعنا في المستقبل أمام احتمال ظهور جماعات "داعشية" بأسماء جديدة.