شكوك بشأن الاتفاق التركي -الامريكي بأنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا و استغراب للصمت العربي .
د . جواد الهنداوي
لا أعتقدُ بجدّية الاتفاق الذي توّصل اليه الطرفان ،انه اتفاق مُلائم لخروج الزعيميّن (أوردكان و ترامب ) ، كُلٌ مِنْ مآزقه ، ولكن بعنوان عريض و قادر على إشباع نزواتهما و قدرتهما في التجاوز على سيادة الدول و على القانون الدولي و على ميثاق الأمم المتحدة .
التصريح بالاتفاق و إعلانه رسمياً و أعلامياً أجراء يُعّبرُ عن ما يجولُ في خواطرهما و دليلٌ عن حاجة الزعيميّن إلى هذا الاتفاق ،لتسويقه أيضاً إلى رعاياهما: المعارضة التركية تُعيب على الرئيس أوردغان فشله في سوريا وتخبطه في السياسة الخارجية ، و أمريكا بنُخبها وسياسييها ، والعالم يُعيب على الرئيس ترامب تورطه مع إيران ، وفقدانه للمصداقية وثقة الحلفاء و الأصدقاء ، و تخاذله أمام الخصوم .
لا شئ غير ماذكرانه يُبررُ استعجال تركيا و امريكا بالتصريح علناً عن اتفاق يستحقُ عنوان " اتفاق بلطجة" ، مُشين و مُهين لدول تدعي بالديمقراطية و تدعي باحترام حقوق و سيادة الشعوب .
لا نعلم ، ربما الهوس الأمريكي في تأسيس الديمقراطية في سوريا يتطلب منطقة آمنة في شمال سوريا؟
كل ما تقوم به تركيا و امريكا و غيرهم من الدول في سوريا لا علاقة له لا بالديمقراطية و لا بحقوق الإنسان ، و إنما له علاقة فقط بمصلحة إسرائيل و بالمصلحة الايدولوجية للنظام التركي الذي يسعى لتصدير " الأخونة " .
ما هو غريب و مُدان ازاء هذا الاتفاق أمران :
الأمر الأول هو الصمت العربي و الدولي و الأممي .
كُنّا نتمنى أن تستنكر و تدين الدول العربية و الجامعة العربية الاتفاق ،بأعتباره انتهاك لسيادة دولة ، و انتهاك لميثاق الأمم المتحدة ، عدم الاستنكار و عدم الإدانة هو الامتناع عن ممارسة الدولة لمسؤوليتها ازاء اجراء او اعتداء على السيادة ، على القانون الدولي .
الامتناع عن الاستنكار و الإدانة هو تشجيع المعتدي على التمادي ، صمت العراق و صمت الجامعة العربية و صمت مصر و صمت المملكة العربية السعودية و صمت الجزائر و صمت الدول العربية الأخرى سيفهمه الرئيس اوردغان ضعف و هوان عربي تجاه اطماع و نزوات تركيا ، و سيشجعه على التمادي ،فأنْ كان يحلم بمنطقة آمنه بعمق ٣٠ كيلومتر ، سيجعلها ٥٠كيلو متر في حلم آخر .
أدانة الاتفاق ، او التصريح بأستغرابه ، من قبل العراق و من قبل المملكة ، و من قبل مصر و من قبل الأردن ، و من قبل الجامعة العربية ، و من قبل الدول العربية الأخرى لا يُغيض امريكا و لا يُزعجها ، لان امريكا ذاتها غير جادة في هذا الاتفاق و لا تنوي تطبيقه ،بل و اعتقد بان الريئس الأمريكي سيرّحب سّراً بهذا التنديد او الموقف العربي الرافض ، و سيشجعهُ على نهج إدارة الاتفاق و المماطلة بأجراءاته .
أُصبنا كمواطنين عرب بصداع من الأسطوانة المعزوفة أمريكياً و تركيا ، والتي تشدوا " بأمن و استقرار المنطقة " . هل ياترى ما تعلنه امريكا و تركيا تجاه دولة سوريا هو لأمن و استقرار المنطقة ؟
الأمر الثاني ،والذي يُثير الاستهجان و الاستغراب هو ليس فقط صمت الأمم المتحدة ، وإنما البيان الذي صَدَرَ من المنظمة ،يوم الخميس ٢٠١٩/٨/٨ ، و يحّذر سوريا من " اللعب بالنار " حسب تعبير البيان ، من استئناف سوريا لدورها و واجبها بتحرير أدلب و البدء بالعمليات العسكرية لمطاردة الجماعات المسلحة و الإرهابيين .
كان أولى بالمنظمة أن تستنكر خروج هذه او تلك الدولة عن ميثاق الأمم المتحدة و انتهاكها له بالاعتداء و بالإعلان عن نيّة اقتضام جزء من أراضي دولة مستقلة .
لا أعتقدُ بجدّية الاتفاق ،ولكن أن شاءت الأقدار بصحّة إرادة الطرفيّن لتطبيق هذا الاتفاق ،فالأمر ،عند هذا الافتراضي ،يعني تآمر أمريكي تركي ليس فقط على سوريا ، وليس ضّدَ أيران ، و إنما على بعض دول الخليج الفارسي .