ماذا عن أهالي قرى غرب العاصي لو لم يتدخل حزب الله؟
حسين مرتضى
فرضت الحرب على سوريا متغيرات حقيقية في مناطق البقاع الشمالي اللبنانية. لم تعد ملامح الجغرافيا هناك كما كانت قبل دخول المجموعات المسلحة الى ريف حمص الجنوبي. فقد أصبحت المناطق الممتدة من المنعطف الذي يؤدي إلى عرسال في بلدة اللبوة، وصولاً إلى معبر قلد السبع، بوابة جرماش، ومعها ريف غرب القصير، مسرحا لعمليات تهجير شنتها مجموعات النصرة واخواتها. أكثر من 35 الف لبناني يعيشون في قرى غرب العاصي داخل الاراضي السورية، ماذا حل بهم مع دخول إرهابيي جبهة "النصرة" اليها؟
مناطق البقاع الشمالي التي عبثت فيها أيادي من رسم سايكس بيكو قبل أكثر من 95 عاماً، وشكل فيها مفردات جديدة، تعج بفوضى التهريب والتداخل العائلي والمناطقي، حيث يكتسب حوض نهر العاصي الغني بالتلاوين الطائفية والمذهبية والسياسية بعداً اساسياً في الأحداث السورية. حيث سعت المجموعات المسلحة الاستفادة من التركيبة الديموغرافية والجيوسياسية للمنطقة، وفتحوا معركة في القصير، وكان ضحيتها في البداية السكان اللبنانيون الموجودون في الشريط الممتد من ريف المدينة، إلى الحدود اللبنانية في عرسال ومشاريع القاع مروراً إلى القصر وحوش السيد علي والجنطلية والعميرية وغيرها من المناطق المفتوحة على مركز القضاء في الهرمل.
في حسابات تلك المجموعات كان المستهدف نحو خمسة وثلاثين الف نسمة من اللبنانيين يشكلون ثلث السكان في ثلاثين قرية سورية ريفية، وهي بلدة الجنطلية سكانها لبنانيون وعددهم بين 300 و400 نسمة وهي تقع تماما على الحدود. وبلدة الصفصافة ويبلغ عدد سكانها حوالي 500 نسمة وهي مختلطة سوريين ولبنانيين وتبعد عن الحدود اللبنانية ضمن الأراضي السورية حوالي2 كم. وبلدة الحمام والتي تبعد عن الحدود اللبنانية 3 كم وسكانها من اللبنانيين كذلك وسكن معهم في الفترة الأخيرة عدة عوائل من السوريين البدو ويبلغ عدد سكانها حوالي 200 نسمة. وبلدة مطربا سكانها من اللبنانيين ويبلغ عددهم حوالي 200 نسمة وهي تقع على بعد 1500 متر عن الحدود اللبنانية، بلدة زيتا وهي اكبر القرى الموجودة بالقرب من الحدود اللبنانية وتبعد عن الحدود اللبنانية 3 كم وسكانها معظمهم من اللبنانيين وهم حوالي 3500 نسمة منهم حوالي 500 سوري. بلدة الديابية والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 700 نسمة وتبعد عن الحدود اللبنانية السورية 15 كم. بلدة كوكران – وهي قرية قريبة من الديابية وسكانها لبنانيون وعددهم حوالي 200 نسمة تبعد عن الحدود اللبنانية السورية كذلك 17 كم والتابعة للقصير. بلدة الفاضلية وهي قرية سكانها من سوريين ولبنانين وهم حوالي 700 نسمة وتبعد عن الحدود اللبنانية حوالي 3 كم. بلدة وادي حنا وهي قرية سكانها من اللبنانيين وهم حوالي 200 نسمة وتبعد عن الحدود السورية اللبنانية حوالي 2 كم. ثم بلدة حاويك وسكانها حوالي 2000 نسمة وهي تبعد عن الحدود اللبنانية السورية 5 كم.
إقتراب الخطر
بدأت الحكاية مع تلك القرى في عام 2012 اي بعد اشهر من بداية الحرب في سورية عندما هاجم المسلحون في القصير تلك القرى في الشريط الحدودي السوري لتأمين عمق استراتيجي لهم ممتد من جوسيه واخواتها، لناحية مشاريع القاع ومعها الامتداد العرسالي الضارب في عمق النبك السورية، مهدداً حدود الهرمل ومنطقتها، وبدأت عملية التهجير الممنهج لكل سكان تلك القرى اما ان تقتل واما ان تترك بيتك واملاكك وترحل لتبدأ كذلك عمليات الخطف والقتل حيث سقط عدد من الشهداء اللبنانين داخل منازلهم في الاراضي السورية وبدأت صرخات الاهالي اللبنانيين باتجاه دولتهم ولكن لم تسمع كل تلك النداءات حتى كنا نتلقى يوميا مئات الرسائل من الاهالي والذين حتى كانوا ومن باب العتب ينتقدون حزب الله لأنه لم يساعدهم او يحمهم وبدأ اهالي القرى بالدفاع عن بيوتهم ومنازلهم وبسلاحهم الفردي. تصاعدت حدة التهديدات وبدأ تمدد النصرة باتجاه القرى يتوسع وبدأت عمليات النزوح من القرى السورية في شريط القصير الحدودي الى الهرمل وبعض القرى المحيطة بها، والذي عزز الفرز الديمغرافي في المنطقة، وارتفاع وتيرة المعارك العسكرية في تلك المنطقة بعد رفع السواتر الترابية في تلك الحدود ورفعت سواتر ترابية اخرى جعلت خطوط تماس مستجدة تظهر وتنبت المتاريس في تلك القرى والمزارع.
وبدأ الخطر يقترب أكثر من القرى العليا في البقاع الشمالي، وبدأ الاعتداء على قرى الهرمل وقلب المدينة بالصواريخ والسيارات المفخخة. استدل حينها حزب الله، على هذه المعطيات جميعها وكان يملك جميع المعلومات التي دفعت المسلحين لتلك الاعمال واهمها الاتصال الخارجي، وشكل فهماً عميقاً للرؤية الاستراتيجية لما يحدث.
في ذلك الوقت أصبح الشريط الحدودي الممتد من تلكلخ شمالاً إلى اطراف طريق دمشق ــ بيروت جنوباً، توجد فيه تلك المجموعات المسلحة، وكانت مدينة القصير هي محور هذا الشريط، بهدف السيطرة على حمص و قطع الطريق الواصل بين دمشق والساحل بالاضافة الى امداد الغوطتين بالسلاح والمسلحين، وصولاً حتى الحدود الاردنية. وكانت منطقة القلمون هي الجزء الأكبر من هذا التداخل الجغرافي الحدودي، فهي تمتد من جنوبي القصير، إلى الاطراف الشمالية والغربية للعاصمة. هذا الشريط كان ببساطة، تهديداً استراتيجياً، لمستقبل المقاومة والدولة في سوريا، وللبنان، فالامر بكل بساطة يعني تهديد إمداد المقاومة، ومناطق انتشار بيئتها في لبنان، وهذا ما كان يسعى اليه الاسرائيلي منذ حرب تموز، بالاضافة الى أن اقامة ما سعت اليه تلك المجموعات من "امارة اسلامية" يشكل الخطر الاستراتيجي على كل لبنان، لضرب الحاضن الاكبر والاقوى للمقاومة الاسلامية في مناطق البقاع الشمالي والهرمل. استمرت الاحداث لتثبت أن المقاومة الاسلامية وحزب الله ادركوا ان الهدف التكتيكي لتلك المجموعات المسلحة والداعم لها، كان استدراج الجميع إلى حرب ذات طابع مذهبي، وخلق أرضية عدائية ضد حزب الله على وجه التحديد، وعبر هذه الفجوة حاول المسحلون المسّ بالمقدسات، ولا سيما مقام السيدة زينب عليها السلام الواقع جنوب دمشق.