kayhan.ir

رمز الخبر: 98707
تأريخ النشر : 2019August03 - 21:15
لا... ليست استدارة إماراتية

فما خفي أعظم!



حسن شقير

يُفسِّرُ «اتفاق كوينسي» للعام 1945، الكثير الكثير من الأحداث والتطوّرات التي حدثت وتحدث اليوم في منطقتنا والعالم، وللتذكير فقط، فإنّ هذا الاتفاق كان قد أبرم بين مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز بن سعود والرئيس الأميركي في حينه، روزفلت، بحيث اختُصرت بنوده – وكما هو شائع – على مبدأ "النفط مقابل الحماية".

ولكن، وعندما تُعاد قراءة ذاك الاتفاق مجدداً – ومن ألفه إلى يائه -، نجد بأن المعادلة أعلاها، لا تلحظ إلاّ جانباً واحداً من جوانب تلك الاتفاقية، بينما الجوانب الأخرى، والتي تظهر وتتوارى بين البنود الأخرى لها، تُدلل على أن القضية أعمق وأخطر من ذلك بكثير.. فبالنسبة للنفط مثلاً، ها هي أميركا تكاد تصبح مصدِّرته الأولى في العالم، وما تستورده من الخليج الفارسي يعتبر ضئيلاً في ميزان احتياجاتها اليومية..

ولكن – وعلى الرغم من ذلك – يبقى النفط الخليجي، وتحديداً السعودي، عاملاً حيوياً للولايات المتحدة، والتي تعمل عبر حليفتها السعودية في استخدامه لـ "تأديب" أعدائها وخصومها في المنطقة والعالم، وذلك من خلال التحكم بإنتاجه صعوداً وهبوطاً، بحيث أضحى رافعةً لمشروع الأحادية القطبية في العالم، وذلك عن طريق التحكم بأسعاره تارةً، ولتضرب به اقتصادات "الخصوم والأعداء تارةً أخرى" وخير مثالٍ على ذلك، ما جرى مع روسيا والصين وبينهما إيران وفنزويلا في السنوات والعقود الماضية..

أما بخصوص الحماية، فإن السعودية، ومعها كل الدول الخليجية، تُدرك تمام الإدراك، بأن التهديد الفعلي لها ولهم، لا يأتي مطلقاً من إيران، والتي يشهد تاريخها الإسلامي الحديث – ومنذ أربعين عاماً خلت -، بأنها كانت وما زالت هي المعتدى عليها، لا بل إنها ما فتئت تطرح المبادرة تلو الأخرى، وذلك في سبيل السعي لإقامة شبكة أمان بين دول المنطقة حصراً دون الطارئين عليها..

ولكن التهديد الفعلي لبعض تلك الدول، ربما يكون من داخلها، وذلك كما وصّف مصيباً الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في حديثه يوماً عن الخطر المحدق بالسعودية.

بناءً على هذا الفهم، لا بد أن تُعاد القراءة مجدداً لتلك المعادلة، واستناداً لتاريخ العلاقات الخليجية – الأميركية عموماً، والسعودية – الأميركية خصوصاً، فإن المعادلة الأدق لتلك الاتفاقية تقوم على "الاستمرار في الحكم والأمن المُصان، مقابل استمرار الدور الوظيفي المطلوب تنفيذه"، وذلك بحسب ما ترتئيه أميركا في ضرورة انتهاج دول الخليج الفارسي لسياساتٍ تخدم الاستراتيجية الأميركية حصراً، ومن دون أن تعارضها، أو حتى تعرقلها على أبعد تقدير..

لم تكن حروب أميركا المباشرة وغير المباشرة، وبمجملها، إلا خدمة لها وللكيان الصهيوني من خلفها، ولم تكن سياسات ومواقف الدول الخليجية، وتحديداً السعودية والإمارات يوماً، إلاّ رافعةً لتلك الحروب، وهذه المعادلة تنطبق حكماً على العدوان الأميركوصهيوني على اليمن، ولكن بوجهه السعوإماراتي – مع الأسف الشديد -، فبالعودة

بالذاكرة إلى تلك الأهداف المعلنة والمبيّتة لذاك العدوان المستمر، يبرهن أن ما نسوقه ليس تجنياً على أحد، إنما حقيقةٌ واقعة لا غبار عليها، ألم يكن المطلوب منها:

– بأن يكون اليمن، يمناً أميركياً؟

– استنزاف إيران؟

– توطيد مقولة "العدو الإيراني" بدلاً من الصهيوني، وذلك في عملية غسلٍ للوعي العربي والاسلامي، كتمهيدٍ للتطبيع العربي تحت عباءة ما تُسمى بصفقة القرن؟

– شراء الاسلحة وإنعاش الاقتصاد الأميركي، والتضييق بقسوة على نظيره الإيراني؟

ولكن، ماذا بعد التطورات الميدانية لذاك العدوان والردود الحاضرة والقوية عليه؟ وماذا بعد خروج إيران من مربع الصبر الاستراتيجي، إلى مربع المواجهة؟ وبعد هذا وذاك، فهل ستبقى الإمارات وحتى السعودية معها على تموضعهما السابق؟ وهل هذا البقاء – في ظل النقلة الإيرانية واليمنية -، سيبقى خادماً لاستراتيجية ترامب؟ وهل ما تُسمى بالاستدارة أضحت مطلوبة أميركياً كي لا يصبح التموضع السابق، مضراً ومؤذياً لعقيدة ترامب واستراتيجيته؟ وهل تبقى منطلقات التموضع السابقة خادمة ورافعة للاستراتيجية الأميركية في زمن التحوّل الإيراني وكذا اليمني على حد سواء؟

لا يختلف اثنان: على أن "اليمن الأميركي» أضحى مستحيلاً تحققه بعد سنواتٍ وسنوات من العدوان الفاشل عليه، و الاستنزاف الإيراني " أضحى معكوساً تماماً، وبما أن التحوّل الإيراني ومعه اليمني، إضافةً إلى التطورات الميدانية في الخليج الفارسي، قد قارب المسّ بالهيبة الأميركية، وبفخر صناعاتها العسكرية تحديداً، وذلك بإسقاط الطائرة، وتفجير الناقلات، واحتجاز بعضها، وولوج المسيّرات دون اعتراض المنظومات الأميركية المتطورة لها!، وبما أن هدف ترامب، هو الحلْبُ المستمر لدول الخليج الفارسي، وبما أن ذلك متوفر مع أو بدون المسّ بتلك الهيبة، وذلك في حال استمرار المشهد على ما هو عليه اليوم..، فإن المنطق المصلحي لدى أميركا – ترامب، يحكم بأن يسلك هذا الأخير طريق التحوّل مرغماً، وذلك حرصاً على »أميركا القوية والمُهابة في العالم، وكما يريدها ترامب نفسه، فلعله قرأ الرسالة الهندية جيداً في إلغائها صفقة الطائرات المسيّرة، هذا فضلاً عن تلمسه للتمرّد التركي، ومعه الأوروبي وحتى البريطاني على المطالب الأميركية في منطقة الخليج الفارسي.

هذا من جهة أميركا، أما الكيان الصهيوني، فلقد بدأت أقلام باحثيه تسيل حول خشية حقيقية متولدة لدى قادته، مردها – وبحسب أولئك – "بأن ينتقل التسخين من الخليج الفارسي الى تخوم الجولان والجليل، وذلك في حال كان ذاك التسخين الأول لم يف بالغرض الإيراني.."، وبما أن الكيان لا يقبل الاستنزاف المضاد، وبما أنه مقتنعٌ – وبحسب منظّريه أيضاً – بأن إيران تلوح بهذا الأمر جدياً، وحتى لو أن ذلك سيشعل حرباً شاملة في المنطقة، وبما أن هذه الأخيرة ممقوتة صهيونياً، ولأسباب معروفة، وبما أن "التدحرج الإيراني" واقعٌ حتماً بحسب التقدير الصهيوني، وبما أن التسخين في الخليج الفارسي دون الجليل أصاب مقتلاً لدى السيد الأميركي، وكما أسلفنا فإن المنطق يحكم هنا أيضاً، بأن مصلحة الكيان الصهيوني أيضاً، هي أن تحدث استدارة إماراتية وربما غداً سعودية.. ليس اقتناعاً من هاتين الدولتين العربيتين – مع الأسف -، إنما كرمى لعيون استراتيجية وأمن الدولتين العدوتين للعرب! وذلك وفقاً للمعادلة التي أرساها ذاك الاتفاق التاريخي، والذي أسلفنا في الحديث حول فهمنا لمعادلته المطورة.

خلاصة القول، نختم هذه العجالة بالتذكير، بأن إيران ومعها دول وأطراف المقاومة والممانعة ومعهم أصدقاؤهم في العالم، عندما مارسوا استراتيجية "قلب العقائد ضد الإرهاب في سورية، كانوا قد فرضوا على أميركا وتحالفها هناك "قلباً للعقائد" أيضاً، فكانت سورية وإيران وحلفاؤهما وأصدقاؤهم، هم من قطف ثمار تلك الاستراتيجية، والذي كان متمثلاً بخلاصٍ من الكم الأكبر من الإرهابيين، وفي زمنٍ قياسي، وذلك بعكس ما كانت تشتهيه أميركا.. واليوم يصبح التساؤل مشروعاً: هل التحوّل الإيراني ومعه اليمني، أحدث "قلباً للعقائد" أيضاً لدى "أسياد" الحرب الحقيقيين على اليمن وإيران والمنطقة برمتها؟ وهل اقترب موسم الحصاد لدى الإيراني ومعه حلفاؤه وأصدقاؤه مرّةً أخرى؟

بعقلٍ باردٍ نقول: ليست إرهاصات استدارة إماراتية أو حتى سعودية فحسب، لا بل إنها أميركية – صهيونية بامتياز، فالمعادلة ضمن الاتفاق الشهير تتطلب ذلك في هذه المرحلة، والعبرة في الخواتيم.