المفاوضات ومخاطر الخطوط الحمر
ذهبت الاوساط السياسية والمتابعة للشأن النووي الايراني الى التكهن بانه من المستبعد ان ينتهي كل شيء في هذا الملف في الاجتماع الحالي في مسقط بين الجانبين الاميركي والايراني وبحضور الوسيط العماني الذي عقد هذا الاجتماع تكريما لدوره في هذا الملف، لكن ذهبت اوساط اخرى للتاكيد بما ان المحادثات قطعت اشواطا مهمة في مختلف المجالات الا ان العقدة الاساسية لازالت تلف اهم واعقد موضوعين مختلفين عليه وهما حجم التخصيب والغاء الحظر دفعة واحدة باشكاله الاربعة وهي عقوبات مجلس الامن والعقوبات الاميركية احادية الجانب بشقيها الرئاسي والكونغرس واخيرا عقوبات الاتحاد الاوروبي.
على ما يبدو ان الجانبين الايراني والاميركي ومع احترامي لبقية الدول الاعضاء في مجموعة (5+1)، هما من يحسمان الموقف النهائي، لكن القضية ليست بهذه البساطة غير ان انتخاب مسقط لهذه الجولة لم يكن عفويا فلربما اراد الجانبان ان يحتكما الى من كان السبب لازالة الاسوار الشائكة وكسر الحاجز بينهما لكنهما في نفس الوقت لا ينتظران المعجزة بل يريدان ان يتخذا من مسقط منصة للتوصل ثانية الى نوع من الاتفاق لان انهيار او تجميد المفاوضات بين الطرفين ستكون له تداعيات خطيرة ليس على المنطقة بل العالم اجمع.
لذلك يتحتم على الطرفين ان يتحركان بمسؤولية وايجابية عالية خاصة الجانب الاميركي الذي لازال يصر على مطالب مبالغ فيها ومعارضة لما نصت عليها معاهدة "ان بي تي" وهذا ما ترفضه طهران جملة وتفصيلا لانها لم تطالب باكثر من حقوقها المشروعة والمنصوص عليها في المعاهدات الدولية.
واليوم فان الصورة اصبحت واضحة للعيان ولم يبق أي غموض في الملف النووي الايراني فالموقف الايراني بات شفافا للغاية وهي تطالب بالغاء الحظر بكل اشكاله دفعة واحدة لانه جزء من المشكلة وليس من الحل واما قضيةحجم التخصيب الذي يرتبط بعدد اجهزة الطرد المركزي التي تعتبرها ايران حقها الطبيعي تلبية احتياجاتها فيما تنظر اميركا اليها بريبة لانها تفتح الطريق الى انتاج قنبلة نووية في حين يعلم الجميع بانها احدى الوسائل لانتاج القنبلة النووية التي يمكن التحكم بها. اذن فلا بد من مخرج لهذا الخلاف وهذا ممكن اذا ازال الطرف الاميركي الشكوك وابتعد عن تسييس القضية وتحلى بالموضوعية في الوقت الذي تؤكد فيه ايران استمرار سلمية برنامجها النووي قولا وعملا من خلال فتوى قائدها الامام الخامنئي بحرمة انتاج استخدام هذا السلاح وعملا من خلال رقابة الكاميرات التي تعمل على مدار الساعة ولجان التفتيش الدولية التي تزور المنشآت الايرانية باستمرار على واشنطن ان تعلم اذا ارادت حقا ان تحل مشكلة هذا الملف فالطريق مفتوح وليس هناك ما يعقد المشكلة اذا ما توفرت النوايا الحسنة والعزيمة على حلها اما اذا ارادت ان تضع خطوطا حمراء مصطنعة لهذا الملف فانها تدفع الى فشل المفاوضات وبالتالي تتحمل عواقب ومضاعفات هذا الفشل وتداعياته التي ستتجاوز بالتاكيد حدود المنطقة.