قوانين إرهابية
محمد عبيد
لا يوجد مصطلح أو مفهوم يعبّر بمصداقية عما يواصل كيان الاحتلال والاستعمار اقترافه بحق الكل الفلسطيني من جرائم ومجازر، مثل الإرهاب، أو إرهاب الدولة المنظم، وعلى نسج هذا الوصف، لا يمكن نعت التكالب "الإسرائيلي" على سن ما تسمى "قوانين" تهدف إلى تجريم الفلسطيني ونضاله المشروع ضد الاحتلال، وفي سبيل انتزاع حقه في تقرير المصير، إلا بما ينعت به الاحتلال، فهي "قوانين إرهابية"، لا "قوانين إرهاب".
لم يترك الاحتلال مجالاً إلا واقتحمه وحاول تجييره لمصلحة أهدافه الخبيثة في فلسطين المحتلة والعالم، وكانت ما تسمى القوانين التي نسجت لإدانة مؤكدة للفلسطيني، مجرد أداة تضاف إلى القوة العسكرية التدميرية الغاشمة، والدعاية الإعلامية التي يتردد صداها في أصقاع الأرض، وفي رؤوس من أصموا آذانهم وتنكروا لضمائرهم، عندما دعموا "إسرائيل" على الدوام، ورفدوها بأسباب القوة وأدوات القتل.
قبل أيام قليلة بدأت نقاشات في مجلس التطرف المسمى "الكنيست" بهدف إقرار "تشريع" يستهدف أطفال الحجارة، الذين كانوا العنصر الأساس في مشهد الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى، وكانوا عنصراً مهماً في انتفاضة الأقصى، وهم الآن المحرّك الذي يعوّل عليه لمواجهة آلة الاحتلال، في المناسبات المقبلة، مع تصاعد وتوالي المؤشرات إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة يشكل الأقصى عنوانها الرئيسي مجدداً.
المشروع المقر ضمنياً، رفع سقف الأسر لأطفال الحجارة إلى عشر سنوات وفي حالات معينة 20 سنة، وجعل من إلقاء الحجارة جريمة أشبه بالقتل العمد، وحاول إلباسها لباس الإرهاب، والهدف محاولة ترهيب الفلسطيني وردعه عن مجرد التفكير في مواجهة جنود الاحتلال المدججين بالسلاح المتطور، حتى وإن انطوت المواجهة غير المتكافئة مطلقاً على مجابهة الرشاش الأمريكي بحجر صغير أو زجاجة فارغة.
وإلى جانب هذا المشروع الإرهابي، أقر بالقراءة الثالثة، ما يعني في العرف التشريعي إقراراً نهائياً ومصادقة، قانون ثانٍ يقيّد مجرد التفكير "الإسرائيلي" في عمليات تبادل الأسرى، من خلال نصه على أنه "يحظر تحديد فترة محكومية قتلة ارتكبوا عمليات قتل في ظروف استثنائية من ناحية خطورتها، وحكم عليهم بالسجن المؤبد، وذلك قبل أن يقضوا 40 عاماً"، ما يعني أن هامش المناورة والمفاوضات في أي عملية تحرير أو تبادل أسرى، سيكون محكوماً، على الجانب "الإسرائيلي" على الأقل، بهذه "الضوابط"، وسيجعل من التعنت سمة دائمة ومرافقة لمفاوضات تحرير الأسرى.
المؤكد أن "إسرائيل" ليست بحاجة إلى "قانون" أو "تشريع" لممارسة إرهابها، ومواصلة إجرامها بحق الشعب الفلسطيني، لكن ذلك لا يمنع من استمرارها في محاولة تضليل المجتمع الدولي، وإيهامه بأنها "دولة قانون"، ورغم أن هذه اللعبة باتت مكشوفة منذ زمن بعيد، إلا أن كثيراً من المخدّرين في العالم ما زالوا يستسيغون تصديق الدعاية والأكاذيب، ويلتزمون نص رواية الاحتلال مهما كان "خيالياً".
فليمضِ الكيان إلى حيث يريد، وليواصل ابتداع وسائل الترهيب والسلب والقتل والتدمير، فهذه صفته، وهذه حاله التي لم يخرج من نطاقها يوماً. فما دام الفلسطيني قادراً على التنفس، وما دام قلبه ينبض بتمسكه بحقوقه المسلوبة، وما دام مستعداً للمواجهة غير المتكافئة بين الحجر والمدفع، ومهما حاولوا تجريمه، فسيظل في نظر التاريخ مناضلاً دافع عن كرامة شعبه وحقه في أرضه وتقرير مصيره، وسيظل الأيقونة العصية على التغييب من ضمير الإنسانية.