المهمة لم تستكمل بعد ...الا اذا توفرت الارادة السياسية
جهاد حيدر
تعددت توصيفات ما انتهت اليه معركة طرابلس، حتى الآن، بين من يصر على تحقق الحسم في الاماكن التي شهدت معارك قاسية، واخر يصر على أن المسألة انتهت بتسوية. والواقع أن لدى كل منهما من الوقائع ما يحاول أن يدعم به مقولته.
مع ذلك، توجد في معركة طرابلس حقائق، لا يمكن المجادلة حولها: الاولى، دخول الجيش الى المناطق التي كانت ساحة لمعارك شديدة، وبؤر تجمع للمجموعات الاهاربية. والثانية، أن أغلب الارهابيين لم يقتلوا أو يعتقلوا، بل فروا الى مناطق قد تكون مجهولة.
وحول هذه الحقائق، يمكن قول الآتي:
المؤكد أن طموح الارهابيين ورهاناتهم، كانت تتجاوز السيناريو الذي تحقق، وتحديدا لجهة فرض سيطرتهم على طرابلس ومحيطها. لكن ادراك الجيش للخطورة الكامنة في أي حل يكرس سيطرتهم على هذه المنطقة، وحزمه العملاني قطعا الطريق على التأسيس لفرض واقع، لو تحقق لكان شكل محطة مفصلية على المستوى الامني والسياسي لمجمل منطقة الشمال.
ايضا، يمكن القول إنه بالرغم من حساسية الموقف وتحدياته، تمكن الجيش من تجنب سيناريوهات مسيئة له ولقيادته، كما حصل في عرسال. ولو تكرر هذا السيناريو، أو ما يشابهه، كان سيترك مفاعيل سلبية جدا على ثقة شرائح واسعة من الشعب اللبناني بالمؤسسة التي يعلقون عليها الكثير من الامال.
على خط مواز، يُسجل للجيش أنه نجح في اجهاض رهانات التكفيريين، ومَن وراءهم، على إحداث شرخ بينه وبين البيئة الشمالية. واستطاع الجمع بين تماسك بنيته والحزم الممكن في الميدان.
من جهة اخرى، لا شك أن أي اتفاق لوقف النار، يحول دون سفك المزيد من دماء الجيش والمدنيين، هو اتفاق ايجابي بذاته، لكن على الا يكون وفق صيغة تؤسس لجولات أكثر دموية واكثر خطورة على أمن لبنان. مع ذلك، من الصعب على أي مراقب أن يتجاهل حجم التشابه بين فرار المسلحين الارهابيين في طرابلس، وبين عمليات فرار سابقة، شهدتها اكثر من منطقة لبنانية، وتحديدا لجهة فرار احمد الاسير من عبرا، وقصة خروج ارهابيي النصرة وداعش من عرسال ومعهم الجنود المخطوفون.
أما ما قيل من أن المسلحين انسحبوا واختفوا مع خروج المدنيين وكأن شيئا لم يكن، فأمر يصعب تصديقه. ولا يستبعد أن ذلك ما كان ليتم من دون تخطيط وادارة سياسية هدفت الى انقاذ الارهابيين من الورطة التي استدرجوا انفسهم اليها.
وعلى ذلك، من الصعب القبول بمقولة إن ما حصل في طرابلس هو حسم عسكري مع القوى التكفيرية والارهابية، خاصة وأنهم قد تواروا في مناطق لبنانية، مدججين بالارادة والقدرة على تكرار جولاتهم العسكرية.
في ضوء ما تقدم، المؤكد أن الجيش لم يستكمل المهمة التي تتلاءم مع مستوى الخطورة التي تشكلها هذه الجماعات على الامن اللبناني، ولا مع الاعتداءات التي تعرض لها. وعدم استكمال المهمة ينطوي على مؤشرات سلبية إزاء ما ينتظر الشمال وبقية المناطق اللبنانية في ظل اداء طبقة سياسية ما زالت توفر الغطاء والارضية لهؤلاء التكفيريين.
في الوقت نفسه، من الظلم تجاوز التضحيات والحزم الذي اظهره الجيش في المعركة. فهو الى جانب دخوله للمناطق التي كانت ساحة للمواجهة العسكرية، فقد وجه رسالة قوية اظهر فيها تصميمه على الوقوف بوجه أي مخطط مستقبلي يهدف الى فرض السيطرة على الشمال، امتدادا لما يجري في سوريا والعراق، وبهدف فتح منفذ آمن الى البحر.
ضمن هذا السياق تحديدا فإن ما جرى هو انجاز للجيش، لكنه اقل من حسم. وما زال هذا الحسم متاحا حتى الان إن توفرت الارادة السياسية. أضف الى أن الاسابيع والاشهر المقبلة، قد تكون لها كلمة الفصل في تظهير حقيقة التحول المفترض انه استجد في الشمال وطرابلس.
في كل الاحوال، ما جرى في شمال لبنان يفرض على صناع القرار الامني والسياسي في لبنان، أن يدركوا حجم الخطورة المحدقة بهذا البلد. ومن لوازم هذا الادراك بناء جهوزية عملانية، تنطلق من فرضية عمل بأن المواجهة التي شهدتها طرابلس، يمكن، بل من المرجح أن تتكرر في مرحلة لاحقة، وربما بأساليب أكثر دموية. لأن فشل الارهابيين هذه المرة في تحقيق أهدافهم لا يعني تخليهم عنها، وانما يعني، فيما يعني، تعديل الاساليب والتكتيكات.. ليس إلا.