14 آذار، بحثٌ عن أيِّ نصر لمواجهة الهزيمة!
أمين ابو راشد
نحن لا نُقارن المدَّ الشعبي حيث لا مجال للمقارنة، وما اعتادت المقاومة استعراض القوى أمام الداخل اللبناني، ومسيراتها في المناسبات كانت وما زالت رسائلاً موجَّهة للعدو الإسرائيلي دون سواه، ولا نستند اليوم الى مليونية عاشورائية تدفَّقت كما في كل عام بقبضات الإيمان والعزم عهداً ووعداً للحسين عليه السلام، بل نحن نُجري مراجعة حسابات للقادم من الأيام قبل أن تضع حرب التكفيريين أوزارها، لأن القبضات التي ارتفعت للحُسين، قابضة على بنادقها ضمن صفوف مقاومة، ممنوعٌ كما قال قائدها، أن تسمح لنفسها ولأهلها وسائر شرائح الشعب اللبناني مواجهة مصير عشيرة آلـ "بو نمر" في العراق على أيدي الزحف التكفيري.
والمقاومة لم تبحث يوماً ولن تبحث عن نصرٍ داخلي، هي التي أهدى سيّدها لمن يستحقّ ولا يستحقّ من اللبنانيين والعرب والمسلمين "النصر الإلهي" وصِدقَ "الوعد الصادق"، لا بل أن المقاومة تجاوزت حقوقها لتكسَبَ وطناً لكافة اللبنانيين، وارتضت بما تصنعه إرادة جماهيرها من تأييدٍ ثابت للخط الذي لا يحيد عن الثوابت، ومن ثقلٍ إنتخابي وازنٍ في "كوتا" تمثيلية هي الصوت الصارخ عبر كتلة نيابية تشكِّل مع الحلفاء بناء مرصوصاً بالخيارات الوطنية والرؤى الإستراتيجية المُدركة للمخاطر.
وإذا كانت بعض القوى في 14 آذار، قد اختلطت عليها الحسابات منذ ثلاث سنواتٍ ونصف وما زالت مختلِطة، فلكلٍّ أن يتحمَّل مسؤولية قراءته المغلوطة حين ذهب بعيداً في المغامرات والرهانات ليقطف نصراً هزيلاً سواء في الإقليم أو الداخل، لمواجهة مقاومة وطنية هي بإجماع لبناني منقطع النظير "واجبة الوجود"، وعبثاً تحاول هذه القوى مُنازلة إرادة الشعب اللبناني في خياراته السيادية والوطنية الكبرى، ورهانه على معادلة ثلاثية دائمة ما دام الكيان اللبناني مهدداً سواء من الجبهة الجنوبية العنصرية أو من الشرقية التكفيرية.
النصر الوحيد الذي جاء لهذه القوى، هبط عليهم مرَّتين من خلال التمديد للمجلس النيابي، لأنه وكما قال الرئيس برِّي عام 2013، ليس هناك تكافؤ على الأرض لإنجاز الإستحقاق النيابي، وكرَّر قوله منذ نحو شهر: إنتخابات بدون "المستقبل" ستكون غير ميثاقية، وإنكفاء المستقبل ومعه حلفاؤه عن المشاركة في هكذا إنتخابات باتت أسبابه معروفة، وقد باح النائب بطرس حرب بالحقيقة المرَّة عن وضع فريقه منذ أيام: "لا أحد مستعد للقيام بجولات إنتخابية في هذه الظروف"، وقد نطق بالواقع الملموس سواء بالنسبة لعكار أو طرابلس أو بيروت أو صيدا وانتهاء بزحلة والبقاع الغربي، حيث حسابات مكاتب الإستطلاع لا تبشِّر خيراً لجماعة 14 آذار في كافة هذه المناطق.
ولأن النصر عبر التمديد غير كافٍ لإستعادة الشارع المفقود، فإن الإنفصام السياسي الذي يمارسه نواب تيار المستقبل وحلفاؤهم بات مكشوفاً منذ زمن. قسمٌ يتحفَّظ على أداء الجيش وقسمٌ يعلِن أن الرئيس سعد الحريري كان مع الجيش في كل معاركه، وكأن الأمر تبادل أدوارٍ لكسبِ الشارع السنِّي مما دعاهم للدفاع علناً حتى عن إرهابيين، ومن جهة أخرى يحاول قسم آخر مناصرة الجيش ولكن بعد فوات الأوان وبعد أن انتصر الجيش في طرابلس وقريباً في عكار على أمل أن ينتصر في الواقعة الكبرى في عرسال.
طالما أن النصر الحقيقي الذي يُعيد 14 آذار الى ميزان اللعبة السياسية، لتواجه به هزيمتها إقليمياً وداخلياً، لم يأتِها من القصير، ولا من زواريب التمرُّد على الدولة في طرابلس وقبلها عبرا وعرسال، ولن يأتي هذا النصر من أي دعم إقليمي يُراهن عليه بعض هذا الفريق، كما قال سيِّد المقاومة عشية العاشر من محرَّم، فإن النصر الوحيد هو أن ينتصر هذا الفريق على نفسه من أجلِه ومن أجل لبنان، وأن يُبادر الى الحوار المباشر مع شركاء الوطن وليس عبر "مراسيل" إعلامية كما قال سماحة السيِّد نصرالله، والفرصة ما زالت مُتاحة للحوار اللبناني حول الإنتخابات الرئاسية وقانون الإنتخاب، وحول استراتيجية دفاعية واقعية قوامها الجيش والشعب والمقاومة قبل فوات الأوان...