تونس والطرق الى “داعش”
ثريا عاصي
كانت تونس في الذاكرة حمراء بلون الدماء التي أهرقها المستعمرون الفرنسيون بغارات طائراتهم الحربية على سوق بلدة ساقية سيدي يوسف في 8 شباط 1958. أراد المستعمرون في ذلك اليوم، معاقبة التونسيين لأنهم يحتضنون مقاتلي جيش التحرير الوطني الجزائري (المقاومة). كانت تونس رأس جسر العروبة في شمال أفريقيا. أعتقد أنها لا تزال هكذا. ترسخ هذا الإعتقاد لدي أكثر، وانا اسير في طرقات سوسة والقيروان. من غرائب الصدف أن المستعمرين الإسرائيليين قصفوا بطيرانهم الحربي تونس، التي لجأت إليها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية. الفارق أن الجزائريين كانوا في سنة 1958 يسيرون نحو تحرير بلادهم في حين أن الفلسطينيين الذين لجأوا في سنة 1982 إلى تونس، كانوا قد يمموا أوسلو وحديقة البيت الأبيض.
ثم عاد والتقى فلسطنيو "حركة حماس” بتونسيي "حركة النهضة” ليخوضوا جنبنا إلى جنب غمار الحرب ضد سوريا. ولكن المصريين أنزلوا "الأخوان المسلمين” من السلطة. وتزايد عدد السوريين الذين أيقنوا متأخرين، خطورة ما يدبر لهم ولبلادهم. وافتضح الرئيس التركي أمام تعثر "داعش” على أبواب كوباني الكردية. وما زاد الطين بلة هي بوادر علاقة مع العدو الإسرائيلي، في القنيطرة ومرتفعات العرقوب، فضلا عن الضبابية التي ما تزال تحجب رؤية ما جرى فعلا في قطاع غزة والإتفاقية التي تمخضت عنها الحرب الأخيرة على القطاع، في القاهرة !
أصل بعد هذه التوطئة إلى الإنتخابات في تونس. ليس مستبعدا أن تكون خسارة "الإخوان المسلمين” في بعض معارك "الربيع العربي”، قد أثرت على مواقف حركة النهضة فجعلتها تقبل بإجراء إنتخابات. ربما كانت تعتقد أنها ستفوز فيها. ينجم عن ذلك أن السؤال الآن هو هل ستحترم حركة النهضة نتائج التصويت ؟ تبين على الأرجح أن هذه الأخيرة لا تستطيع الإحتفاظ بالسلطة في تونس. بالتالي فإن الغاية التي سعت إليها من وراء الإنتخابات هي الحد من الهبوط في نظر الرأي العام التونسي، على أمل العودة إلى السلطة بشروط أفضل، أي بعد إفشال برامج الخصوم. ألم نر هنا وهناك أن السلطة هي الهدف قبل الوطن، بل على حطام الوطن ؟
ولكن يجب ألا يغيب عن البال أن تونس في زمان "حركة النهضة”، هي في مقدمة الدول التي يخرج منها المقاتلون إلى سوريا. ينبني عليه انه إذا أفتى المـُفتون بأن تونس صارت أرض جهاد لبى التونسيون في سوريا النداء. ماذا سيكون موقف حركة النهضة إذا اندلعت في تونس حرب "داعشية” ضد الدولة؟ وكما قال المتنبي: "فيك الخصام وأنت الخصم والحكم”.
من البديهي أننا لا نستطيع إقصاء فرضية إشراك "حركة النهضة” في الحكم عن طريق التحالف مع فريق آخر وتشكيل أكثرية نيابية. ينجم عنه بالقطع إقتسام للسلطة بين النهضة وبين حلفائها، وليس شراكة فيها على أساس برنامج وطني موحد، بناء على أن غاية "الإخوان المسلمين” هي السلطة فهذه في لب برنامجهم. المعروف أن في ناموسهم الغاية تبرر الواسطة. هل يكون الخيار في تونس بين إقتسام السلطة أي "اللبننة” وبين الفوضى "الداعشية”؟! علما أن اللبننة هي إحدى الطرق المؤدية إلى "داعش”.