اسئلة داهمة برسم الايام المقبلة
سركيس ابو زيد
دخل لبنان في مرحلة المراوحة بين استكمال الجيش لمعركته في مواجهة الإرهاب، وبين استكمال مسار التمديد لمجلس النواب، واستكمال الحوار بين القوى الفاعلة في الحكومة لمواجهة التحديات والاستحقاقات.
في خطوة جريئة تحسب للجيش اللبناني، اتخذ قرار الحسم العسكري لانهاء الحالة الشاذة في طرابلس رافضا الدخول في مفاوضات وتسويات مع الارهابيين، رغم متاجرة البعض بالمواطنين الامنين . وافق على اخلاء باب التبانة من قاطنيها ليدخلها الجيش واضعا خيارين امام المسلحين إما الاستسلام او الموت. وهذا القرار اتخذته بكل جرأة قيادة الجيش وأبلغته الى أصحاب القرار السياسي ونفذته دون تردد ودون انتظار لغطاء سياسي، قبل تفاقم الازمة في طرابلس وامتداد رقعة انتشارها ما دام الأمر يمس امن لبنان وسلامة مواطنيه. وقد استفادت من تردد القيادة السياسية باحداث عرسال ما ولد تداعيات طالت معنويات الجيش وادخلت البلاد في مازق ما زال مستمرا حتى الان .
قرار قائد الجيش كان مبنيا على ركيزتين اثنتين :الأولى: كانت على خلفية معلومات استخباراتية غربية وتحقيقات أجراها مع كبار الموقوفين، والتي أفضت الى محاولة "داعش" و"جبهة النصرة" وبمساعدة الخلايا الناشطة في طرابلس المرتبطة معهما في السعي لربط البقاع بعكار والوصول الى منفذ بحري في الشمال اللبناني مفتوح على تركيا.
الجيش اللبناني
والثانية: التفاف المجتمع المدني الطرابلسي حول الجيش اللبناني في قراره في استعمال القوة لإنهاء الحالة الارهابية وفرض السلم في المدينة. يزاد عليها الغطاء السياسي الاقليمي - الدولي غير المعلن للجيش في حربه ضد هذه التنظيمات الارهابية والتي تعتبر ما يقوم به الجيش اللبناني هو جزء من المعركة الكبرى الدائرة في المنطقة ضد "داعش" والارهاب في سوريا والعراق.
على الخط السياسي الموازي فإن عجلة التمديد للمجلس النيابي مستمرة في المضي قدماً، ليبقى فقط الاخراج السياسي لهذا القرار النهائي والذي يتقنه الرئيس بري، حيث يسعى لأخذ الثقة من الكتل النيابية المسيحية ليلبسه ثوب الشرعية السياسية العلنية .
برغم عدم الموافقة المبدئية من البطريركية المتمثلة بالراعي، يبدو ان الكتل المسيحية تتجه الى القبول بالتمديد في ظل عدم وجود خيار اخر مع صعوبة اجراء الانتخابات النيابية.
من جهة
اخرى ينهمك النائب سعد الحريري بعيدا عن التمديد للمجلس النيابي بالوضع السني وخاصة بعد أحداث طرابلس التي لم
تنته فصولها بضرب الارهاب فيها. فحسب رأيه لابد من معالجة الاسباب التي أدت إلى تفاقم الازمة ووصولها الى هذا الحد الخطير، وفي نفس الوقت لا يريد
ان يصب تدخل الجيش العسكري في طرابلس في مصلحة حزب الله.
وهذا ما يفسر خروجه للإعلان عن موقفه الداعم للجيش اللبناني ومنحه الغطاء السياسي، مع تمريره استمرار خلافه مع حزب الله
في إطار حكومة ربط النزاع والاستمرار في المراوحة بين نقد الحركات الإرهابية والتردد مع تأجيل التفاهم مع حزب الله بانتظار التطورات
الإقليمية وموقف السعودية النهائي . لذلك
أصدر الحريري بيانا سياسيا اعلن فيه عن خطة عمل او خارطة طريق للخروج من المأزق الراهن تمحورت حول النقاط التالية:
-المباشرة فورا (بعد التمديد) في مشاورات للاتفاق على رئيس جديد للجمهورية.
-وضع استراتيجية أمنية يتولاها الجيش والقوى الأمنية لحماية الحدود مع سوريا ومنع أي أعمال عسكرية في الاتجاهين اعتماد الخطة الحكومية للتعامل مع قضية النزوح السوري.
-تحييد المسألة اللبنانية عن المسألة السورية وفك الاشتباك الأمني والعسكري بين الجبهتين.
هذه المبادرة الحريرية لاقت ترحيبا وارتياحا من جانب بري - جنبلاط، لكنها تبقى في إطار الورق والاعلان النظري دون ان تدخل حيز التنفيذ إذ لم تجد من يسعى الى تسويقها والاقناع بجديتها. وهذا الامر ينتظر تحرك جنبلاط الذي نشط أحيانا على ايقاع من الرئيس بري الذي يتقن فن تحريك حجر الشطرنج السياسي اللبناني .
لكن التحدي الاكبر أمام جنبلاط هو في إقناع الاخرين إيجابا بمبادرة الحريري، ما يستوجب توضيح الغاز المبادرة وترجمتها عمليا لا سيما وان جوهرها الفعلي هو التفاهم على "رئيس توافقي"، ما يثير الحذر والتريث من قبل 8 اذار لعدة أسباب منها :
- دور العماد ميشال عون وأخذ مصالحه السياسية في الاعتبار.
-عدم الرغبة في تكرار سيناريو العام 2008، إذا كان الحريري راغبا في ذلك... حزب لله لا يريد تكرار تجربة ميشال ليمان.
-وجود فجوة في العلاقة بين تيار المستقبل والقوى المؤثرة في 8 اذار وهناك نوع من أزمة ثقة متجددة. خاصة وان السيد حسن نصر الله سبق واطلق اكثر من مبادرة ولم يتلق أي رد فعل إيجابي
-المعطى الإقليمي الذي يجعل هناك ترابطا بين الوضع في لبنان والوضع في المنطقة، لا سيما الملف السوري.
فأقصى ما يمكن تحقيقه هو إبقاء الستاتيكو القائم، وأما الحلول والتسويات بما في ذلك رئاسة الجمهورية فإنها تنتظر جلاء الوضع في سوريا في ضوء ما ستؤول إليه حرب التحالف الدولي ضد الإرهاب، وقبل ذلك ما ستؤول إليه المفاوضات النووية في مرحلتها النهائية، خاصة وان تسريبات عديدة بدأت تلوح حول إمكانية عقد جنيف سوري جديد .
بين بداية الجيش بتفكيك شبكات الإرهاب والتمديد للمجلس النيابي هل تلتقي القوى التي تشكل الحكومة لمواجهة التحديات الوجودية كما دعا السيد حسن نصر الله ام تبقى البلاد في دوامة الفراغ والدوران في الوقت الضائع والتلهي ببالونات اختبار؟ أسئلة داهمة تهدد الأيام المقبلة .