الجيش يكشف جهوزية الارهابيين ومخططهم
جهاد حيدر
للوهلة الاولى، تبدو المواجهات التي شهدتها احياء طرابلس، كما لو أنها مجرد ردة فعل ارهابيين، على عملية امنية محددة نفذها الجيش اللبناني ضد احدى اخطر مجموعاتهم. لكن مجريات الاحداث والجهوزية التي ظهرت، والسياقات التي سبقت، كشفت وأكدت أن تلك الاحداث ليست مجرد انزلاق انفعالي نتيجة حادث موضعي، بل اتى نتيجة قرار وجهوزية سابقة. وهذه المرة استغل الارهابيون العملية الامنية، لتوجيه رسائل وارساء معادلة وفرض الواقع الذي كانوا يطمحون اليه.
اكدت المواجهات التي يخوضها الجيش اللبناني على حقيقة وحجم المخاطر المحدقة بشمال لبنان، ومن خلاله كل لبنان. وهو أمر طالما تم التحذير من استفحاله وأنه قد يصل الى مرحلة يصعب استئصاله أو على الاقل يصبح أكثر كلفة على الجيش والمواطنين. لكن العديد من الاحزاب والشخصيات السياسية تجاهلت هذا الامر، لحسابات ومصالح ضيقة. واخر تحذير صدر كان على لسان قائد الجيش العماد جان فهوجي الذي كشفه قبل ايام، عندما تحدث عن "خلايا نائمة في طرابلس وعكار، وسعي الإرهابيين لإنشاء ممر إلى البحر عبر لبنان".
في السياق نفسه، أظهرت مجريات الميدان مستوى التنسيق والترابط بين كافة المجموعات الارهابية، والمدى الذي بلغته البنى التحتية للمجموعات الارهابية، والمسار الذي كانت تسلكه. وعلى ذلك، لم يعد الحديث عن خطر يتهدد الكيان اللبناني، مجرد تقديرات وتحليلات وانما واقع كشفت المواجهات البطولية التي يخوضها الجيش اللبناني، عن جانب اساسي منه.
لكن فيما يتعلق بالتوقيت، كشف توالي الاحداث عن أن الارهابيين سرَّعوا مخططهم الذي كانوا يعدون له الجهوزية الكاملة. وهو ما كان ليتم لولا أن العملية الامنية التي نفذها الجيش وادت الى اعتقال الارهابي احمد سليم ميقاتي، كان لها وقعها القاسي جدا على المجموعات الارهابية. ولعل الخطأ القاتل الذي ارتكبه الارهابيون انهم استدرجوا انفسهم بهذا العدوان الواسع على قوات الجيش المنتشرة في طرابلس. مع ذلك تبقى الامور مرهونة بحسابات وادراك القيادات السياسية اللبنانية للتهديد المحدق وللفرصة التي لاحت والدفع نحو استثمارها حتى النهاية، خاصة وأن الجيش اللبناني أثبت صلابته وجهوزيته لهذه المهمة.
مع التأكيد على أن المواجهات في الشمال، هي جزء من المعركة التي يخوضها الجيش الوطني ضد الارهاب المحدق بلبنان، تأتي هذه الجولة، بشكل اخص، امتدادا للاعتداء الذي تعرض له الجيش في عرسال مطلع شهر اب السابق. لكن مما يضفي عليها مزيدا من الخصوصية، انها أتت لتؤكد أن دائرة تهديدهم تتجاوز الاحزاب والطوائف، لتشمل لبنان بأكمله.
من جهة أخرى، وبحكم أن لبنان هو جزء من محيطه العربي، الذي بدوره هو جزء من العالم الاسلامي، ويتفاعل مع هاتين الدائرتين لاسباب جغرافية وسياسية وتاريخية وحضارية وعقائدية.. ليست المواجهة التي يخوضها الجيش اللبناني مجرد صدى لما يجري في العراق وسوريا، وانما جزء لا يتجزء منه وامتدادا للمرحلة التي تمر بها المنطقة العربية في هذا المجال.
وعلى قاعدة أن النهج الانتحاري الذي يصبغ هذا النمط من الارهاب، ينسحب ايضا على خياراته العملانية، يبدو أن هؤلاء الارهابيين، ومشغليهم، هدفوا من اعتداءاتهم ضد الجيش اللبناني، وسياقها وتوقيتها، الى فرض معادلة على الجيش، تهدف الى توفير المظلة التي تسمح لهم بالتجذر والتمدد، في الشمال.
ويبدو أن رهانهم تمحور، لتحقيق اهدافهم، على دفع قيادة الجيش الى التردد والقلق قبل اتخاذ أي قرار بأي خطوة استباقية أو وقائية تستهدف احدى المجموعات الارهابية او رموزها الميدانيين، انطلاقا من ادراكها بأن ذلك سيؤدي الى مواجهة واسعة، وزيادة وتيرة التوتر الامني.
ايضا، بدا واضحا أن جزء من المخطط والرهانات التي استند اليها الارهابيون، تكرار سيناريو عرسال، بأن ينجر الجيش تحت وقع التهويل والخداع، عبر اجتراح صيغة تحفظ للارهابيين وجودهم وتكرسهم كأمر واقع، ينبغي للدولة والجيش التكيف معهم.
وعلى ذلك، فإن أخطر ما في هذه المواجهة أن نتائجها ذات صلة مباشرة بالتأسيس لواقع مفصلي في تاريخ لبنان. اذ إن نجاحهم في فرض المعادلات التي يخططون لها سوف يفرض ويكرس، بالحد الادنى، واقع انتقالي باتجاه الاهداف التي حذر منها قائد الجيش قبل ايام.
وعلى ذلك، في حال اكتشف الارهابيون أن الساحة مفتوحة امامهم من الناحيتين السياسية والميدانية، بالتأكيد سيندفع هؤلاء باتجاه محاولة فرض سيطرتهم على طرابلس والشمال، بالمعنى الامني والسياسي وهو ما سيضع لبنان أمام محطة تاريخية على المستويين الامني والسياسي.
أما في حال سُمِح للجيش برفض الحلول الوسط التي تكرس التكفيريين في الساحة الشمالية، فإن ذلك سيقطع عليهم الطريق أمام محاولة الحاق لبنان بالواقع المتفجر الذي تشهده المنطقة العربية، عموما، وسوريا والعراق خصوصا.
مع ذلك، يبقى السؤال حول ما إذا كانت الطبقة السياسية في لبنان ستسمح للجيش بحسم المعركة لمصلحته، أم سيتم تقييده بمعادلة الابقاء على حالة توازن ما امتدادا للرهانات الاقليمية.