قوى الهيمنة تدعم ’داعش’ حتى من موقع التظاهر بمكافحة هذا التنظيم
عقيل الشيخ حسين
إلى جانب الدور الذي تلعبه قوى الهيمنة في تقديم الدعم المباشر للتنظيمات التكفيرية، فإنها تدعمها بأشكال أكثر فاعلية بأساليب غير مباشرة تقوم على بروباغندا مدروسة تلعب على وتر الانتماء الديني ولكن بعد تقليص الدين إلى ممارسات منافية لظاهر الدين وباطنه.
معظم جيوش الدول الكبرى، ومنها الجيش الأميركي، تضم فرقاً عسكرية تتكون من مجندين أجانب غالباً ما يتم تأهيلهم لكي يوضعوا في الصفوف الأمامية أثناء المعارك. لكن الهزائم التي لحقت بالجيش الأميركي خلال السنوات الأخيرة، وتدني حماسة الأميركيين للالتحاق بصفوف الجيش، والاعتماد الرسمي لسياسة الحرب غير المباشرة، دفعت السلطات الأميركية نحو تكوين فرق عسكرية أجنبية من نوع جديد : يتم تكوينها سراً خارج إطار الجيش الأميركي وتقوم بتقديم نفسها على أنها مستقلة، وتطرح مشاريع تبدو، ظاهرياً، معادية للسياسات الأميركية أو غير منسجمة معها.
التكفير في خدمة السياسات الأميركية الأشد قذارة
والأكيد أن الحركات التكفيرية الإرهابية الناشطة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي بوجه خاص هي، على وجه الدقة، تلك الفرق العسكرية الأجنبية "غير المكلفة" مالياً لأن تمويلها وتسليحها هو مهمة ممالك وإمارات والمشيخات الخليجية. وميزة هذه الفرق أنها تخدم السياسات الأميركية الأشد قذارة، وترتكب فظاعات مرعبة بهدف تدمير معنويات الناس خدمة لأغراض التطهير العرقي أو الديني. ومن أهم مميزاتها وهذا أمر تفرضه ضرورات الكذب والنفاق والتضليل، أن السلطات الأميركية تستطيع أن تتنصل منها وأن تصل، في ظروف معينة، إلى حد مقاتلتها. إضافة إلى إمكانية التخلي عنها أو حتى تصفيتها بالكامل عندما تفشل في أداء مهامها أو تنتهي من أداء تلك المهام.
التركيز الإعلامي على قوة التنظيمات التكفيرية وثرائها يلعب دوراً في تعزيز جاذبيتها
والحقيقة أنه لم تعد هنالك حاجة لتكرار الكلام عن كون الولايات المتحدة وحلفائها وأدواتها هي من يقف وراء التنظيمات المذكورة. لكن هنالك حاجة، في ظروف "مسرحية" الحرب التي يشنها الإئتلاف الذي تقوده واشنطن على "داعش"، للوقوف أمام أشكال الدعم المباشر وغير المباشر الذي تقدمه واشنطن لذلك التنظيم حتى في الوقت الذي تزعم فيه أنها تسعى إلى القضاء عليه.
ولا تشتمل أشكال الدعم هذه على المدة المديدة (حتى 30 عاماً !) التي يتطلبها القضاء على "داعش" بحسب تصريحات المسؤولين الأميركيين.
ولا على المعدات العسكرية والأسلحة التي كان من المفترض أن تلقيها الطائرات الأميركية كمساعدات للمقاتلين الأكراد في "عين العرب" والتي انتهت إلى إسقاطها، عن طريق "الخطأ" فوق معسكرات "داعش".
ولا على عمليات القصف التي -بدلاً من "داعش"- أزهقت عن طريق "الخطأ" أيضاً، وما تزال تزهق، أرواح كثيرين من المدنيين في سوريا والعراق. ولا على استمرار تدفق الدعم المالي لـ"داعش" رغم كثرة الكلام عن تجفيف مصادر تمويلها.
ولا عن التقدم الميداني الذي تحرزه "داعش" تحت أنف القوة الجوية الضاربة التي تمثلها طائرات الائتلاف.
ولا عن تدفق المقاتلين الذين ينضمون إليها عبر حدود بلدان منخرطة في الائتلاف الذي يزعم العمل على اجتثاثها...
دعم غير مباشر، لكنه أكثر فاعلية
إن اشكال الدعم هذه قد أصبحت معروفة على نطاق واسع ولم يبق مراقب أو محلل إلا وتحدث عنها أو عن جوانب منها. ولكن، هنالك شكل من الدعم يفوق كل هذه الأشكال لما يحدثه من تأثيرات إن لجهة إرعاب الناس وإلحاق الهزيمة بهم على المستوى المعنوي والنفسي، أو لجهة اجتذاب المؤيدين والمناصرين.
ويتمثل شكل الدعم بإبراز أمور من نوع :
قوة التنظيمات التكفيرية : وما لذلك من أثر بالغ في اجتذاب شرائح واسعة من الأشخاص المصدومين من حالة الضعف أو الاستهتار التي تعاني منها غالبية بلدان العالم الإسلامي، والذين يجدون في تلك التنظيمات، وحتى في ما ترتكبه من فظاعات وأنشطة تدميرية، رداً ثأرياً شافياً على تلك الحالة. والواضح أن تشكيل تحالف دولي من سبعين بلداً، والاجتماع الأخير في واشنطن لقادة جيوش من واحد وعشرين بلداً للبحث في سبل مواجهة "داعش"، والمدة الطويلة التي يتطلبها القضاء على هذا التنظيم، وقدرة هذا التنظيم على اجتياح شمال العراق وغيره من المناطق، واستمرار توسعه رغم ما تتعرض له مواقعه من قصف جوي، هي بشكل أو بآخر "لغة" تعني أن هذا التنظيم قد أصبح يشكل معضلة لجهة قوته. كما يأتي التركيز الإعلامي على "ثراء داعش" ووصفه بأنه أغنى تنظيم إرهابي في العالم ليشكل نوعاً من الدعاية الشديدة الفاعلية لما تتركه من أثر عميق وجاذب للكثيرين من هواة المغامرة والساعين إلى الكسب خصوصاً بين صفوف الملايين من العاطلين من العمل والمتلهفين لتحقيق ذواتهم عن طريق احتلال موقع لهم في المجتمع الاستهلاكي.
الإسلام الذي تقوم التنظيمات التكفيرية بتشويهه عبر زعم الانتماء إليه هو الخطر الأكبر على الإسلام
إنتحال الصفة الإسلامية : من خلال اللعب على عمق الإحساس بالانتماء للإسلام ولكن بعد تعميم فهم للدين ينحصر في التطبيق الأهوج للشريعة. وفي الممارسات السادية التي طغت على سلوك العديد من أبرز قادة الفتوحات في صدر الإسلام. وفي فهم يجعل من الجهاد مجرد شكل من أشكال الغزو الهادف إلى وضع اليد على ثروات الناس بالشكل الذي ترجم نفسه كتلاً من الذهب تقطع بالفؤوس في بيوت العديد من كبار المسلمين الأوائل... وكل ذلك في خدمة تشويه الإسلام وضربه بما هو الهدف الأساسي الذي تسعى قوى الهيمنة إلى تحقيقه.