الصراعات المستقبلية ستكون مليئة بالمجموعات المسلحة ما دون الدولتية
حسام مطر
تمكنت إيران وحلفاؤها من تقديم نموذج حقق نجاحاً باهراً في الجهد المشترك المتناسق بين جيش نظامي وقوات غير نظامية سواء في مواجهة "إسرائيل” أو حركات التطرف التكفيري. تُسهم إيران في تأمين الدعم اللوجستي والتدريب ونقل الخبرات ومعارف إدارة المعارك الى منظمات تتمتع بالحافزية والإلتزام والتجذر الوطني بما ينقل الأخيرة الى مستوى متقدم عسكرياً لا سيما مع نضج التجربة. تمكن محور المقاومة من خلال هذا الإندماج والتكامل من بناء تشكيلات أثبتت أنها الأكثر قدرة على التكيف مع وقائع وتحولات الحرب والقوة. شكلت نجاحات هذه التشكيلات في سوريا والعراق واليمن ولبنان وفلسطين صدمةً للولايات المتحدة وحلفائها لا سيما في مواجهة القوى التكفيرية التي تنهش جسد المشرق العربي.
الولايات المتحدة الاميركية
يسعى الأميركيون الى إيجاد هكذا توليفة في كل من سوريا والعراق، حيث فشل وكلاء واشنطن من تنفيذ المهمة بالشكل المناسب. يحاول الأميركيون الموازنة بين مبدأ عدم التدخل العسكري البري المباشر وبين حاجة المجموعات الملحقة بالأجندة الأميركية لمساندة مباشرة من واشنطن. يهدف الأميركيون لأن يكون "التحالف الدولي” لمواجهة "داعش” هو المنصة لتطوير وصياغة هذه التوليفة. في الشق السوري يجري الحديث عن تدريب آلآلاف من عناصر المعارضة السورية "المعتدلة” وفي العراق يحاول الأميركيون تكريس فكرة "الحرس الوطني” أي قوات سنية شبه رسمية تؤدي دور مشابه للصحوات ولكن بتبعية مباشرة للسعودية.
إلا ان القلق يساور الأميركيين بشأن فشل تجارب سابقة في العمل مع منظمات مسلحة لتحقيق أهداف سياسية كما أشارت دراسة للبنتاغون، والإستثناء شبه الوحيد هو دعم "القاعدة” للتخلص من الإتحاد السوفياتي في أفغانستان. وقد إستند الرئيس الأميركي الى هذه التقارير كإحدى مبررات رفض التدخل المباشر في سوريا الى جانب المعارضة. إلا أن تمكن محور المقاومة من إستعادة المبادرة في سوريا وتطور إندماج العراق في هذا المحور إستدعى إعادة تقدير لفرضية العمل مع منظمات عسكرية ذات صبغة محلية – إسلامية لمواجهة "النموذج الإيراني” في إدارة العمليات العسكرية مع حلفائها اللا دولتيين.
يذهب الكولونيل في الجيش الأميركي جان غليمان نحو تقديم محاججة معاكسة لتلك القائلة بفشل هذه "الحرب غير التقليدية”. إن فشل التجارب السابقة لا يشير بالضرورة الى أن النموذج بذاته غير ناجع بل أن الولايات المتحدة لا تجيد تطبيقه. ربما يعود التقدير بفشل نموذج "الحرب غير التقليدية” في التجربة الأميركية إما لكون الولايات المتحدة لم تلتزم بشكل كاف تجاه المنظمات العاملة معها أو أنها توقعت نتائج مبالغ بها. ويقول غليمان بوجود تجارب ناجحة مثل العمل مع "تحالف الشمال” لإسقاط "طالبان”. يميل غليمان الى فكرة مفادها أن التجارب الفاشلة في العمل مع "قوات وكيلة” كانت تعود لغياب دعم أميركي مباشر على الأرض لتقديم الدعم، الثقة، والمشورة والمقدرة، وعليه "إذا لم نلتزم معهم بالدم والموارد تجاه قضيتهم فلا يمكن أن نتوقع التأثير في سلوكهم أو مخرجات المعركة”.
ينطلق غليمان من معطى مفاده أن الصراعات المستقبلية ستكون مليئة بالمجموعات المسلحة ما دون الدولتية. فبحسب تقرير الإتجاهات العالمية 2030 الصادر عن مجلس الإستخبارات الوطني الأميركي ستملأ هذه المجموعات الفراغ الأمني في الدول الفاشلة، وهي دول يزخر بها الشرق الأوسط حالياً. ولذا على أي قوة عسكرية معتبرة أن تحوز القدرة على، تقييم، دعم، التأثير، ودمج هذه الوحدات والمنظمات في عملياتها وإستراتيجيتها. والقدرة على التأثير على مخرجات هذا الجهد تحتاج الى أن تصبح "الحرب غير التقليدية” هذه جزء من إستراتيجية أميركية أشمل.
إلا أن هذ الجهد الأميركي في المنطقة سيواجه عدة نواقص لا تتوافر في حالة إيران وحلفائها، هناك مثلا الغياب التام للإنسجام الإيديولوجي، حضور منطق "المرتزقة” في آلية العمل الأميركية، غياب التوافق على الأهداف النهائية مما سيُنتج تصادماً بين واشنطن وهذه القوى في لحظة ما كما حال "القاعدة”، الريبة الشعبية تجاه الدور الأميركي، وإنقسام حلفاء واشنطن حول تحديد ماهية الجماعات الواجب العمل معها.
تاريخياً، من المعتاد أن توظف قوة الإحتلال في أي بلد مجموعات وفرق من العملاء المحليين للعمل الى جانب قواتها لمواجهة قوات المقاومة. الا أن الفارق اليوم هو في غياب جيش للإحتلال عن الأرض بشكل شبه كامل، العبء الميداني يقع على عاتق "وكلاء” واشنطن، ولذا يجري البحث في وضع الأسس النظرية والعملانية والإستراتيجية لهذه التجربة المستجدة نوعاُ ما. هذه الخطوة الأميركية هي جزء من السعي لإستنزاف محور المقاومة بصراعات يغلب عليها الطابع المحلي – المذهبي بما يفكك كل البنية الإجتماعية للمنطقة، ونخرج بشكل كامل من سردية إحتلال – مقاومة نحو الحديث عن حروب المذاهب والإثنيات.