الهبة العسكرية الايرانية تكشف زيف شعارات الدعم للجيش
علي عوباني
مجتمع دولي، قرارات دولية، عقوبات دولية، عبارات تتردد على ألسنة البعض عند كل استحقاق سيادي، وعند كل مفصل يتطلب ارادة وطنية متحررة وحقيقية، عبارات يتلطى بها هؤلاء، غير آبهين او عابئين بمصلحة لبنان الفعلية، فكل ما هو دولي مقدس لديهم وكل ما فيه مصلحة وفائدة وقوة ومنعة للبلد يحتاج الى نظر او غض نظر، والى ادارة اذن طرشاء للداخل واذن منصتة للخارج.
مؤخراً طرحت اميركا وفرنسا "فيتو” على الهبة العسكرية الايرانية للجيش اللبناني، "فيتو” جديد يندرج في سياق "فيتوات” سابقة جرت العادة ان يضعها الغرب بوجه الجيش لمنعه من امتلاك سلاح يهدد امن اسرائيل، اما ما هو معروض اليوم من قوائم اسلحة وذخائر يشكل حاجة فعلية يومية للجيش في معركته الدائرة ضد الارهاب وهو من النوع الذي يمتلكه اضعف جيوش العالم بل ثمة منظمات ارهابية كالتي يحاربها الجيش نفسه ظهر انها تمتلك ما يفوقه قوة. لذا فمن المستغرب ان تخرج بعض الاصوات التي تحاول قطع الطريق على تلك المساعدات والهبات، خصوصاً وانها مجانية وغير مشروطة وفورية جاهزة للتسليم باسرع وقت متوقع.
لا يتوانى البعض عن محاربة كل ما هو ايراني حتى لو كان ثمة مصلحة جدية وحقيقية به للبنان وامنه القومي، فيرفض الاسلحة الايرانية حتى لو كانت تحقق بعض ما يحتاجه من دعم، ويهرول خلف هبات رقمية كلامية هلامية لا تسمن ولا تغني من جوع لم يصل من ملياراتها فلس في السابق ومن غير المتوقع ان يصل منها شي قريباً وحتى بحال وصوله فسيكون ذلك ليس وفقاً لحاجة الجيش بل وفقاً للمسموح به دولياً للجيش.
مما لا شك فيه ان ما هو مطروح اليوم من رفض للهبة العسكرية الايرانية للجيش اللبناني يشكك في جدية الحملة التي يقودها الغرب تحت عنوان "التحالف الدولي” لمواجهة الارهاب، فلو كانت هناك نوايا فعلية لاقتلاع الارهاب من جذوره لوجب الترحيب بتلك الهبة وليس محاربتها، لان المعركة التي يقودها الجيش ضد الارهاب تتماهى بل وتتكامل مع الحرب المعلنة على هذا الارهاب في منطقة الشرق الاوسط.
حقيقة الامر تكشف ان هنالك من يريد ان يبقي الجيش خاضعا لبرامج المساعدات العسكرية الاميركية التي تمن عليه بالقطارة ببعض الخردة والعتاد العسكري الذي خرج من الخدمة العسكرية واصبحت كلفة تلفه او اصلاحه عبئاً على الجيوش المانحة، كما حصل سابقاً حين تم تزويد الجيش ببعض الآليات
ثمة من يريد ابقاء تسليح الجيش خاضعاً لوكالة حصرية اميركية للتحكم بقرار الجيش السيادي
"الهامفي” او الزي والاحذية العسكرية، وكأن هناك وكالة حصرية اميركية لتسليح الجيش يحرم خرقها او تجاوزها، وكالة تهدف لتغيير عقيدة الجيش والتحكم بقراره السيادي.
اما مسألة العقوبات التي يتذرع بها الغرب وازلامه في لبنان للدفع باتجاه عرقلة الهبة الايرانية للجيش فلم نر الغرب نفسه يتبجح بها حينما اقدمت ايران سابقاً على تزويد بغداد وكردستان العراق بالسلاح، بل ان اميركا نفسها خالفت قرارات دولية خطتها بيدها حينما القت طائراتها شحنات من الاسلحة الى "داعش” في عين العرب واعترفت بذلك، متذرعة انها كانت مخصصة للاكراد ووقعت بالخطأ بايدي التنظيم الارهابي، اكثر من ذلك ثمة معطيات تشير الى ان هذه الاسلحة ايرانية والقتها طائرات اميركية بعدما تزودت بها من مطار اربيل من الاسلحة التي دعمت بها طهران اقليم كردستان العراق.
ثم اذا كانت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة استخدمت مجلس الأمن الدولي والعقوبات الاقتصادية والمالية وسيلة رئيسية للتضييق والضغط على طهران لمنعها من المضي قدماً ببرنامجها النووي لخدمة "اسرائيل” فانه لا يجوز ترك واشنطن تستخدم الدولة اللبنانية او تصادر قرارها لتجعل لبنان ملحقاً بها او تابعاً لها ينفذ سياساتها وما تمليه عليه تحت العباءة "الدولية” الفضفاضة، كأن يمتنع عن قبول هبات مجانية فيها مصلحة حقيقية لامنه، لان في ذلك مصلحة اسرائيلية واضحة ومتعددة الجوانب والاهداف.
ثم ما هم الغرب اذا ما انهار الامن القومي في لبنان وما الذي سيحصده اللبنانيون؟ في السابق خضع البعض للاملاءات الغربية وطيّر الهبة الكهربائية الايرانية فماذا كانت النتيجة؟ غرق اللبنانيون في الظلام، حتى يومنا هذا، واليوم يتجه البعض للخضوع لضغوطات "الفيتوات” الاميركية والفرنسية اثناء التصويت على الهبة الايرانية العسكرية في مجلس الوزراء، مبررين ذلك بالعقوبات الدولية، فهل يرضى اولئك عما آلت اليه صورة المؤسسة العسكرية بعد خطف عسكرييها في جرود عرسال؟ هل هذه هي الصورة التي يريدونها للجيش؟ هل يريدونه جيشا ضعيفا مفككا غير قادر على ان يحمي نفسه حتى يحمي اللبنانيين، ام ان الواجب والمسؤولية التي منحهم اياها اللبنانيون توجب عليهم تعزيز الجيش ونقاط القوة لديه.؟.
من يرفض الهبة الايرانية يعتبر شريكاً في الحملة على المؤسسة العسكرية التي تطال قيادتها وعديدها
انطلاقاً من كل ذلك ينبغي تحديد المسؤوليات بدقة، وقول الحقيقة على صراحتها ولو كانت جارحة للبعض، واولها ان كل من يرفض الهبة الايرانية يعتبر شريكاً في الحملة على المؤسسة العسكرية التي تطال قيادتها وعديدها عبر ما يسمى بالانشقاقات واجهزتها الامنية والقضائية ( مخابرات الجيش، والمحكمة العسكرية) واليوم عتادها في وقت تخوض فيه معركة شرسة ضد الارهاب.
ابعد من ذلك، من يرفض الهبة يعتبر حليفاً للارهاب وعليه تحمل مسؤولية ما يمكن ان تؤول اليه الاوضاع الامنية من تدهور، فالجيش لا يحتاج لعبارات الدعم والتأييد ولا لكيل قصائد المديح، بقدر ما يحتاج الى قرارات جريئة وشجاعة تغلب المصلحة الوطنية على المصالح السياسية الضيقة، والى غطاء سياسي في التسليح وفي الميدان.
فمن يعرقل اقرار الهبة الايرانية يفرط في امن اللبنانيين ويبيع استقرارهم وسيادتهم ومصالحهم الامنية كرمى لعيون اميركا واسرائيل ويستدرج تدخلاً دولياً حينما يرضى بأن يستخدم لبنان كورقة ضغط في يد واشنطن بالمفاوضات التي تجريها مع طهران.
معروف ان دول العالم حينما تكثر الاعباء الامنية والعسكرية ويكثر الاعداء تلجأ عادة الى زيادة حجم ميزانيتها العسكرية، و”اسرائيل” نموذج ماثل امامنا نحن اللبنانيين فحينما تم تقليص ميزانية وزارة الحرب قامت الدنيا فيها ولم تقعد، اما في لبنان فمع تزايد الاعباء والمسؤوليات الامنية على عاتق الجيش وفي الوقت الذي يدفع فيه عناصره الدم ثمناً للدفاع عن الوطن تلجأ الطبقة السياسية الى الامتناع عن قبول هبات عسكرية مخصصة له وتنجز سلسلة رتب ورواتب لا تراعي ابسط حقوقه المشروعة، وتضعه في "بوز” المدفع وتتركه في العراء السياسي، مجرداً من اي سلاح.
"الفيتو” بوجه الهبة الايرانية للجيش جريمة كبرى وخيانة عظمى.
في الخلاصة فإن ما هو مطروح اليوم لا يحتاج الى تفكير ولا الى استشارات لاقراره، فالقيادات السياسية على المحك، وهي امام اختبار حقيقي لاثبات مصداقيتها وقرن اقوالها وخطاباتها وشعاراتها وتعاطفها مع قضية العسكريين المخطوفين بافعال، لا ان تقف موقف المتفرج، لان ما حصل مع اولئك العسكريين جزء اساس منه يعود لعدم امتلاكهم وسائل الدفاع عن انفسهم لصد الاعتداءات عليهم، وتوفير ذلك في الواقع من مسؤولية الطبقة السياسية، وما حصل مع اولئك العسكريين يمكن ان يتكرر اذا لم يعاجل المسؤولون لتوفير كل الدعم وبجميع اشكاله ودون تحفظ للمؤسسة العسكرية، سواء كان عبر قرارات سياسية او هبات وغيرها، فلا يجوز في الوقت الذي يجازف فيه العسكريون بوضع حياتهم على كف عفريت ذوداً عن حدود الوطن وابنائه ويقدمون الغالي والنفيس ان يماطل البعض او يقصر او يمارس كيدية سياسية في توفير ادنى مقومات ما يحتاجه الجيش من عدة وعديد لصون الوطن والحفاظ على هيبة الدولة لان في ذلك جريمة كبرى وخيانة عظمى بحق الوطن وابنائه.