ضحايا الأمم المتحدة
نواف أبو الهيجاء
أيها الفلسطينيون: ما سبب الوضع الذي أنتم عليه؟ يبدو السؤال للوهلة الأولى ساذجاً خاصة أنه صادر عن صحفية بريطانية وموجه للاجئ فلسطيني شرد في عام 1948؟ وإلى الذهن قفز الجواب الذي يبدو مفاجئاً أيضاً: نحن ضحايا الأمم المتحدة.
كانت الأمم المتحدة قد أصدرت في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 القرار رقم 181 الذي بموجبه شرعنت تقسيم فلسطين بين أهلها وبين عصابات الهاغاناه والشتيرن والأرغون وسواها من العصابات الصهيونية التي مارست الإرهاب والقتل والتدمير طوال أكثر من ثلاثة عقود قبل ذلك التاريخ. منح من لا يملك من لا يستحق.. تماماً كوعد بلفور البريطاني واتفاقية سايكس بيكو البريطانية الفرنسية (1916 و1917).. حيث كرست الأمم المتحدة الجور الذي لحق بالأمة كلها نتيجة تقسيمها بين المستعمرين، وكرست الأمم المتحدة مطمع الصهاينة (بوطن قومي) في فلسطين بمنحهم 55% من الأرض الفلسطينية في ذلك القرار.
الضحايا الفلسطينيون كانوا في العام 1948 نحو 900 ألف فقط. الآن هم يتجاوزون الستة ملايين ـ ينتشرون في العالم ـ بين مخيمات في الدول العربية المحيطة بفلسطين (سوريا والأردن ولبنان) على وجه الخصوص - في الشتات بين أميركا وأوروبا وإفريقيا - وبعض آسيا وأستراليا.. كما بقي في المحتل من الوطن كل فلسطين ـ نحو أربعة ملايين ونصف أو أكثر.
لماذا معاناة اللاجئين؟ لماذا تقصير الأمم المتحدة - كما الحال في قطاع غزة وكما في سوريا ولبنان - فالموقف الضعيف للعرب عموماً وللفلسطينيين خصوصاً هو الناتج الأكيد للفشل في إيجاد حل يضمن حقوق هذا الشعب ومن قبل المجرم الأول أي (الأمم المتحد).
الحقيقة المؤلمة أن الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد في العالم الذي يعاني من احتلال استعماري استيطاني عنصري. إن الكيان الصهيوني هو آخر استعمار على الأرض.. وهو كيان من كيانات التمييز العنصري التي دالت وسقطت. لكنه مدعوم من قوى كانت وراء حدوث نكبة فلسطين وهي إلى اليوم مصرة على دعم الصهاينة وتمكينهم ورفض الإقرار بحقوق شعب فلسطين في وطنه وأرضه.
نحن - كفلسطينيين - ضحايا الانحرافات الداخلية الفلسطينية والاصطفافات العربية المحورية والاتكال السلطوي العربي عموماً على من كان سبباً في خلق (إسرائيل)، ومن هو السبب في تكريس عدوانها وظلمها وجبروتها وهو الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصاً.
الأمم المتحدة ذاتها تقاعست دائماً عن إنفاذ أي قرار من قراراتها فيه شيء من إنصاف هذا الشعب أو أي قرار يبدو كأنه موجه لإدانة العنصرية الصهيونية وممارساتها ضد شعب فلسطين. آخر العنصريين كان حكم نظام جنوب إفريقيا وقد أسهم العالم كله في إنهائه بمحاصرته وخنقه.. فلماذا يتقاعس العالم عن محاصرة كيان عنصري هو توأم عنصريي جنوب إفريقيا؟
البحر المتوسط يشهد محاولات الفلسطينيين التخلص من مهانة اللجوء فيبتلع المئات من هربوا إلى حيث الأمان، فيفقدون الحياة والأمان دفعة واحدة.
لماذا تعانون أيها الفلسطينيون؟ انظروا إلى واقعنا اليوم.. خلاصة الواقع العربي هو (نحن) وخلاصة واقع العالم وتحالفاته وتجاذباته ومخاوفه وصراعاته هو ما نعانيه نحن. الجذر كان (أممياً) بقرارات صدرت عن الأمم المتحدة والحل يجب أن يصدر عن (المتسبب) في مآسينا نحن شعب فلسطين. وهذا لا يعني أن نعفي أنفسنا من ونبرئها مما نعاني: صورة الواقع في القطاع والضفة والاصطفافات والصراعات بين الفصائل والمنظمات تلقي الحطب على نيران المأساة الفلسطينية حتى تتجاوز مآسي الإغريق والرومان (وملاحم ما سطرته العبقرية الإنسانية في الإلياذة والأوديسة) أيضاً.