المنطقة العازلة التركية سعي لتدريب الإرهابيين وإسقاط النظام السوري
علي إبراهيم مطر
منذ بداية الأزمة السورية وتغلغل الإرهاب، سعت تركيا أردوغان إلى إقامة منطقة عازلة على الحدود مع سوريا، يقام فيها معسكرات تدريب للمسلحين، ويتم إدخال المساعدات والأسلحة إليهم عبر هذه المنطقة. اتضح هدف تركيا الأساس من هذه المنطقة حيث سعت إلى إنشاء مركز لقيادة عمليات عسكرية، تشن عبرها الهجمات على الجيش السوري من أجل إسقاط الحكومة وضرب مؤسسات الدولة السورية.
هذه المنطقة التركية فشلت خلال ثلاث سنوات من الحرب، ولم تستطع تركيا تنفيذ مآربها. مرة جديدة تستغل تركيا الفرص السانحة لإقامة هذه المنطقة بدعم أمريكي غربي، من خلال ما يسمى الحرب على "داعش". وقد أتى الرد السوري على هذه المساعي بالرفض القاطع لإقامة أي مناطق عازلة.
"لقد فوجئت تركيا بتشكيل التحالف الدولي لانه يريد القضاء على تنظيم "داعش" الذي تعتبره أنقرة الاداة الرئيسية شبه الوحيدة لها للتأثير في المنطقة"، هذا ما يؤكده الخبير في الشؤون التركية محمد نور الدين، الذي أوضح أن تركيا "عندما تعرضت لضغوط أميركية وغربية من أجل الانضمام للتحالف، بدأت تعمل على وضع العراقيل لهذا الانضمام، وقامت بابتزاز التحالف للمقايضة على العديد من المطالب، لذلك طرحت إقامة منطقة عازلة وحظر طيران فوق سوريا وإنشاء مخيمات تدريب للمعارضة على الاراضي التركية واضافة شرط اخر هو اسقاط النظام السوري".
ويشير نور الدين في حديث لموقع "العهد" إلى أن "تركيا تعرف أن هذه المطالب غير واقعية ولن تتحقق، وبالإضافة إلى معارضة إيران وروسيا وسوريا، فإن الولايات المتحدة تعارض هذه المطالب فهي لا تريد الدخول في صدام مع حلفاء سوريا، وأعلنت واشنطن انها تحارب داعش وليس نظام الرئيس بشار الاسد من خلال ضربات التحالف في سوريا".
ويخلص نور الدين إلى أن " اردوغان اخترع فكرة المنطقة العازلة على أساس الربح لا الخسارة، فإذا وافقت أميركا يكون اردوغان حقق حلمه الذي يراوده منذ أكثر من ثلاث سنوات، واذا لم تقبلها فعندها يكون قد وضع العراقيل حتى يتم تنفيذ بعض المطالب التركية".
ما هي المنطقة العازلة؟
لقد سبق أن أقيمت مناطق عازلة في العديد من الدول، منها الكوريتان حيث سميت المنطقة المنزوعة السلاح وتم إنشاؤها منذ العام 1953 تمتد على عرض 4 كلم وطول 241 كلم تجوبها دوريات من الطرفين. وفي قبرص ("الخط الأخضر" منذ 1974) كذلك المنطقة العازلة، وبين إريتريا وإثيوبيا (25 كلم عرضا وألف كلم طولا منذ العام 2000.
وفرض مجلس الامن حظراً جوياً على ليبيا مرتين: الاولى في اعقاب ازمة لوكوربي 1992 كوسيلة ضغط لتسليم اثنين من مواطنيها، متهمين بتفجير طائرة اميركية مدنية فوق لوكوربي والثانية في اعقاب الثورة الليبية 2011، لحماية المدنيين من غارات الطيران الحربي، لقمع المتظاهرين.
وتشمل المنطقة العازلة حظر الطيران الذي يمنع خلاله تحليق الطائرات في أجواء منطقة معينة قد تشمل دولة ما. هذه المنطقة يجب أن تقام استنادا إلى قرار من مجلس الأمن الدولي، وليس بقرار منفرد، لأنها تؤدي إلى حرمان القوات الجوية للبلدان من سيادتها، وإفساح المجال لقوات أخرى بالتحرك في الأجواء على حساب صاحب الأرض، بالإضافة إلى إلحاق ضرر كبير بالحركة الاقتصادية وحرية النقل الجوي.
لذلك، يجوز لمجلس الأمن الدولي فقط وبموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة اتخاذ هكذا تدبير. وتنص المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة على أن لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء "الأمم المتحدة" تطبيق هذه التدابير وبينها الحظر الجوي.
لكن بعض الدول اتخذ قرارات فردية بحظر الطيران كما حدث في العراق أوائل تسعينيات القرن الماضي. حيث فرضت اميركا وفرنسا وبريطانيا حظراً جويا في شمال العراق 1991، وجنوبه 1992 بشكل فردي، بحجة حماية المدنيين، استنادا الى قرار مجلس الامن رقم 688 الصادر بتاريخ 5 ابريل 1991، لكن هذا الحظر جاء مخالفاً لقرار مجلس الأمن ومنتهكاً للقانون الدولي، حيث فرض دون تفويض من مجلس الأمن، وانسحبت فرنسا عام 1996 م لأنها وحسب تعبيرها اعتقدت أن منطقة الحظر أخذت منحى أهداف أخرى غير الأهداف الأنسانية.
لماذا تخالف المنطقة التركية القانون الدولي؟
دون أدنى شك، يمكن القول إن فكرة المنطقة العازلة التركية، تشكل خرقاً لأهداف الأمم المتحدة التي تؤكد على التعاون لحفظ السلم والأمن الدوليين وقمع أعمال العدوان والتذرع بالوسائل السلمية لحل المنازعات الدولية وانماء العلاقات الدولية على مبدأ المساواة بين الشعوب لأنها إن حصلت ستكون بقرار فردي. كما تخرق أهداف الأمم المتحدة التي تؤكد على منع التهديد باستعمال القوة في العلاقات الدولية والتدخل في شؤون الدول واحترام السيادة الوطنية.
وبالتالي فإن إقامة منطقة عازلة في سوريا، دون موافقة الدولة السورية أو دون قرار من مجلس الأمن، سوف تؤدي إلى انتهاك سيادة الدولة، التي أكد عليها القانون الدولي في العديد من اتفاقياته وقراراته واعلاناته. فقد نص القرار 2131 كانون الأول 1965 على "إعلان عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحماية استقلالها وسيادتها".
وأكدت اتفاقية مونتفيديو عام 1933 في مادتها الثامنة على مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول حيث نصت على أنه "ليس لأي دولة الحق في التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية لأي دولة أخرى". وكذلك اتفاقيات هلسنكي 1975.
وهذه المنطقة تقوم وفقاً للقانون الدولي وما تنص عليه الأمم المتحدة، بين دولتين متحاربتين، وليس بين دولة ومجموعات إرهابية، والمنطقة التركية التي يتم الحديث عنها تأتي دعماً للإرهابيين، وهذا ما يشكل انتهاكا لقرارات مجلس الأمن المتصلة بمكافحة الإرهاب وضرورة تجفيف منابعه وخاصةً القرارات التي صدرت مؤخراً (2170-2178) ما يبين مدى الانتهاكات التركية لهذه القرارات. لذلك فإن هذه المنطقة سوف تعتبر انتهاكا للسيادة السورية وعدواناً عليها.