kayhan.ir

رمز الخبر: 9200
تأريخ النشر : 2014October26 - 21:17

ما هو المطلوب فلسطينياً

د. فايز رشيد

مرحلة ما قبل العدوان على غزة هي بالتأكيد يتوجب أن تختلف عن مرحلة ما بعده. فما أنجزته فصائل المقاومة الفلسطينية من تحولات في الصراع الدائم والمستمر مع العدو الصهيوني بكل تداعياتها على الصراع ذاته أولاً، وعلى الداخل الإسرائيلي ومجابهة قوات الاحتلال ثانياً، تفرض سماتها التغييرية. فبالضرورة يجب أن تترك تأثيراتها على الجانب الفلسطيني، المعني أولاً وثانياً وأخيراً بالمجابهة.

المراقب للساحة الفلسطينية بعد انتهاء المرحلة الأولى من العدوان الصهيوني في العام الحالي 2014 يلحظ بلا أدنى شك: أن مسار الأحداث يأخذ نهج العودة إلى أساليب العمل السابقة بكل تداعياتها السلبية على النضال الفلسطيني.

إن أهمية العلاقة بين الفصائل الفلسطينية هي الأساس في صياغة البنود الأخرى المتعلقة بكل العوامل آنفة الذكر. لذا فإن المطلوب الأول: صياغة علاقات من نمط جديد عنوانها: تشكيل الجبهة الوطنية العريضة والكفيلة بإنشاء القيادة الوطنية الموحدة على أساس القواسم المشتركة على أرضية الثوابت الوطنية الفلسطينية. العمل المشترك لا يعني التماهي التام بين الفصائل فهناك الحق في الاختلاف، لكنه التعارض الثانوي الذي لا يؤثر سلباً على التناقض الرئيسي التناحري مع العدو في عملية الصراع، المطلوب الثاني: المواءمة التامة بين التكتيك السياسي المتبع تجاه القضايا والأحداث وبين إستراتيجية النضال الفلسطيني والحقوق الوطنية الفلسطينية، الطلاق نهائياً مع نهج المفاوضات.

ثالثها: تسييد نهج الكفاح المسلح والمقاومة بكافة أشكالها ووسائلها في مجابهة العدو، الذي لا يستجيب لأي لغة غيرها، هكذا أثبتت كل تجارب حركات التحرر الوطني على صعيد العالم أجمع وفي الثورة الفلسطينية بشكل خاص في مجابهة عدو خاص، هكذا أثبتت تجربة المفاوضات مع العدو الصهيوني. صحيح أن المقاومة لها أشكالها المتعددة لكن أكثرها فعالية هي المقاومة المسلحة ومطلوب المحافظة على حالة الاشتباك مع العدو وأي هدنة معه لا يتوجب أن تكون طويلة ودائمة.

رابعاً: إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد لشعبنا في كل مواقعه والتعامل مع السلطة باعتبارها حالة طارئة ناتجة عن اتفاقيات مشؤومة جرى توقيعها سابقاً وألحقت دماراً كبيراً بقضيتنا الوطنية. هذا يقتضي تفعيل مؤسساتها وضمان تمثيلها لكافة الفصائل والكفاءات الفلسطينية.

خامساً: توقيع اتفاقية روما والانضمام إلى كافة الهيئات التابعة للأمم المتحدة بما فيها: محكمة الجنايات الدولية ورفع قضايا عليها من نمط: ارتكاب جرائم حرب بحق شعبنا وأمتنا.

سادساً: اعتبار أن المرجعية الشرعية لقضيتنا الفلسطينية هي قرارات الأمم المتحدة حول حقوق شعبنا وليست اتفاقيات أوسلو ولا الولايات المتحدة أو اللجنة الرباعية ولا أي شرعيات أخرى غيرها. إن العودة إلى هذه القرارات عدا كونها تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح. فإنها تستند إلى حقوق واضحة وصريحة صدر بها قرارات تتناول حقوقاً معينة من كامل حقوقنا الوطنية.

سابعاً: إجراء مراجعة وطنية شاملة للأحداث الفلسطينية منذ اتفاقيات أوسلو وصولاً إلى المرحلة الحالية. والإجابة عن أسئلة أبرزها: أين أصبنا؟ وما هي أخطاؤنا؟ وانعكاس المتغيرات المحلية والعربية والإقليمية والدولية على مسيرة ثورتنا. رسم صورة الملامح المستقبلية لمسيرة قضيتنا الوطنية والحرص على التلاحم مع جماهيرنا العربية من المحيط إلى الخليج الفارسي وقواها الحية وأصدقاء ثورتنا على الساحة الدولية.

ثامناً: اتخاذ الإجراءات الضرورية من نمط: وقف التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني وإن لزم حل السلطة فليجر حلها فهي في نظر الكيان الصهيوني ليست أكثر من أداة لحفظ الأمن الإسرائيلي. وشكل لإدارة الجوانب الحياتية والقضايا الإدارية للفلسطينيين تحت الاحتلال. بمعنى آخر: إراحة الكيان وإعفائه من تبعات احتلاله للأرض الفلسطينية.

أيها الفلسطينيون: ما سبب الوضع الذي أنتم عليه؟ يبدو السؤال للوهلة الأولى ساذجاً خاصة أنه صادر عن صحفية بريطانية وموجه للاجئ فلسطيني شرد في عام 1948؟ وإلى الذهن قفز الجواب الذي يبدو مفاجئاً أيضاً: نحن ضحايا الأمم المتحدة.

كانت الأمم المتحدة قد أصدرت في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 القرار رقم 181 الذي بموجبه شرعنت تقسيم فلسطين بين أهلها وبين عصابات الهاغاناه والشتيرن والأرغون وسواها من العصابات الصهيونية التي مارست الإرهاب والقتل والتدمير طوال أكثر من ثلاثة عقود قبل ذلك التاريخ. منح من لا يملك من لا يستحق.. تماماً كوعد بلفور البريطاني واتفاقية سايكس بيكو البريطانية الفرنسية (1916 و1917).. حيث كرست الأمم المتحدة الجور الذي لحق بالأمة كلها نتيجة تقسيمها بين المستعمرين، وكرست الأمم المتحدة مطمع الصهاينة (بوطن قومي) في فلسطين بمنحهم 55% من الأرض الفلسطينية في ذلك القرار.

الضحايا الفلسطينيون كانوا في العام 1948 نحو 900 ألف فقط. الآن هم يتجاوزون الستة ملايين ـ ينتشرون في العالم ـ بين مخيمات في الدول العربية المحيطة بفلسطين (سوريا والأردن ولبنان) على وجه الخصوص - في الشتات بين أميركا وأوروبا وإفريقيا - وبعض آسيا وأستراليا.. كما بقي في المحتل من الوطن كل فلسطين ـ نحو أربعة ملايين ونصف أو أكثر.

لماذا معاناة اللاجئين؟ لماذا تقصير الأمم المتحدة - كما الحال في قطاع غزة وكما في سوريا ولبنان - فالموقف الضعيف للعرب عموماً وللفلسطينيين خصوصاً هو الناتج الأكيد للفشل في إيجاد حل يضمن حقوق هذا الشعب ومن قبل المجرم الأول أي (الأمم المتحدة).

الحقيقة المؤلمة أن الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد في العالم الذي يعاني من احتلال استعماري استيطاني عنصري. إن الكيان الصهيوني هو آخر استعمار على الأرض.. وهو كيان من كيانات التمييز العنصري التي دالت وسقطت. لكنه مدعوم من قوى كانت وراء حدوث نكبة فلسطين وهي إلى اليوم مصرة على دعم الصهاينة وتمكينهم ورفض الإقرار بحقوق شعب فلسطين في وطنه وأرضه.

نحن - كفلسطينيين - ضحايا الانحرافات الداخلية الفلسطينية والاصطفافات العربية المحورية والاتكال السلطوي العربي عموماً على من كان سبباً في خلق (إسرائيل)، ومن هو السبب في تكريس عدوانها وظلمها وجبروتها وهو الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصاً.

الأمم المتحدة ذاتها تقاعست دائماً عن إنفاذ أي قرار من قراراتها فيه شيء من إنصاف هذا الشعب أو أي قرار يبدو كأنه موجه لإدانة العنصرية الصهيونية وممارساتها ضد شعب فلسطين. آخر العنصريين كان حكم نظام جنوب إفريقيا وقد أسهم العالم كله في إنهائه بمحاصرته وخنقه.. فلماذا يتقاعس العالم عن محاصرة كيان عنصري هو توأم عنصريي جنوب إفريقيا؟

البحر المتوسط يشهد محاولات الفلسطينيين التخلص من مهانة اللجوء فيبتلع المئات من هربوا إلى حيث الأمان، فيفقدون الحياة والأمان دفعة واحدة.

لماذا تعانون أيها الفلسطينيون؟ انظروا إلى واقعنا اليوم.. خلاصة الواقع العربي هو (نحن) وخلاصة واقع العالم وتحالفاته وتجاذباته ومخاوفه وصراعاته هو ما نعانيه نحن. الجذر كان (أممياً) بقرارات صدرت عن الأمم المتحدة والحل يجب أن يصدر عن (المتسبب) في مآسينا نحن شعب فلسطين. وهذا لا يعني أن نعفي أنفسنا من ونبرئها مما نعاني: صورة الواقع في القطاع والضفة والاصطفافات والصراعات بين الفصائل والمنظمات تلقي الحطب على نيران المأساة الفلسطينية حتى تتجاوز مآسي الإغريق والرومان (وملاحم ما سطرته العبقرية الإنسانية في الإلياذة والأوديسة) أيضاً.لفكرية وانتماءاتها التنظيمية. نعم. هذا هو المطلوب.