kayhan.ir

رمز الخبر: 9190
تأريخ النشر : 2014October26 - 21:07
عاشوراء في كلام سماحة القائد الخامنئي..

عاشوراء علّمتنا أن جبهة العدو مع كلّ قدراتها الظاهرية يمكن أن تتصدّع

* جميل ظاهري

إن ثورة الامام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام وقضية عاشوراء الدم في كربلاء ليست واقعة تاريخية بحتة، فحسب بل هي ثقافة وحركة مستمرة في الصمود والإباء والتضحية والفداء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقديم كل ما هو غالٍ ونفيس في سبيل الله سبحانه وتعالى وصرخته في اللحظات الأخيرة من يوم عاشوراء بأرض الطف نينوى لا زالت تصدح في سماء المعمورة وهو وحيداً بين حشود عشرات الآلاف من أعداء الله وروسوله حيث قال الامام أبا عبد الله (ع): "إلهي إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى"، خذ يا إلهي حتى ترضى، خذ جسدي وخذ روحي وخذ أهل بيتي وخذ أصحابي وخذ كل ما أملك، حتى ترضى يا رب العالمين؛ فأضحى قدوة خالدة للأمة الاسلامية على طول الدهر والعصور والأزمنة

كذب الموت فالحسين مخلد كلما أخلق الزمان تجدد

وقد بقي أسم الامام الحسين (ع) وثورته الشامخة وأهدافها السامية وكل ما قدمه من أهل بيته الميامين وأصحابه المنتجبين الذي سقطوا صرعاً في أرض الطفوف مغسلين بدمائهم الطاهرة والزكية ومكفنين بثرى كربلاء، مقطعي الرؤوس والأوصال مطحونة صدورهم بحوافر خيل الحاقدين والمارقين والقاسطين والخارجين عن دين الله ورسوله؛ خالداً كل الخلود رغم مرور ما يقرب من 14 قرناً على ذلك الحدث (عام 61 للهجرة) رغم مساعي كل الطغاة والفراعنة ولم ولن يتوقف التفاعل معها من قبل المسلمين الاحرار خاصة شيعة أهل البيت عليهم السلام فحسب بل من قبل كل احرار العالم ودعاة الحق والحقيقة والعدالة والمساواة وأضحت مدرسة لهم في الجهاد والكفاح والنضال ضد الظلم والطغيان والجاهلية والقبلية ومن هذا المنطلق نرى أن زعيم الهند "غاندي" يقول قولته الشهيرة " تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر".

لقد حدثت ثورات كثيرة على طول التاريخ الذي تلى ثورة الحسين (ع) ضد الظلم لكننا نرى أن الناس لن تتوقف وتتفاعل معها مثلما تقف وقفة عز وإجلال وإكرام مع قضية عاشوراء وتتفاعل معها وتجعلها الطريق النير لمسيرتها نحو الحرية والعدالة رغم مساعي أهل الزور والتزوير والتزييف والتحريف لردع الناس من ذلك بكل ما أوتوا من قوة وحيل حملت غالبيتها حلة الدين الأموي الحاقد المنحرف؛ فرغم كل ذلك نرى أن أسم الحسين وفكره ومنهجه وأهدافه في ثورة عاشوراء بقيت وستبقى خالدة تزداد علوا وشموخاً ونوراً وهاجاً يوماً بعد آخر، حيث لهذا الشموخ والرفعة والمكانة الخاصة لثورة سيد الشهداء (ع) أسباب وعوامل عديدة ويمكن أن نختصرها في ثلاثة عوامل رئيسية هي التي اشار اليها قائد الثورة الاسلامية سماحة السيد علي الخامنئي في احدى خطاباته بقوله: "إنَّ لنهضة الإمام الحسين (عليه السلام) ثلاث عناصر هي: المنطق والعقل، والحماسة المشفوعة بالعزة، والعواطف.

واضاف سماحته: " لو نظرنا الحادثة منذ أن خرج أبو عبدالله (ع) من المدينة وتوجّه نحو مكّة الى أن استُشهد في كربلاء، لأمكننا أن نقول إنّ الإنسان يستطيع عدّ مائة درس مهمّ في هذا التحرّك الّذي استمرّ أشهر معدودة فقط. ولا أودّ القول آلاف الدروس وإن أمكن قول ذلك حيث تعتبر كلّ إشارة من ذلك الإمام العظيم درساً، لكن عندما نقول مائة درس أي لو أردنا أن ندقّق في هذه الأعمال لأمكننا استقصاء مائة عنوان وفصل، وكلّ فصل يعتبر درساً لأمة وتاريخ وبلد ولتربية النفس وإدارة المجتمع وللتقرّب إلى الله".

ويشدد سماحة القائد بالقول: " لا يمكننا القول: إنّ الحسين (ع) ثار لأجل إقامة الحكومة، ولا أن نقول: إنّه ثار لأجل أن يستشهد. وإنّني أتصوّر أنّ القائلين بأنّ الهدف هو الحكومة أو الهدف هو الشهادة قد خلطوا بين الهدف والنتيجة. فالهدف لم يكن ذلك، بل كان للإمام الحسين (ع) هدف آخر، كان الوصول إليه يتطلّب طريقاً وحركة تنتهي بإحدى النتيجتين: الحكومة أو الشهادة، وكان الإمام مستعدّاً لكلتا النتيجتين، فقد أعدّ مقدّمات الحكم وكذا مقدّمات الشهادة، فإذا تحقّق أيّ منهما، كان صحيحاً، لكن لم يكن أيّ منهما هدفاً، بل كانا نتيجتين". مضيفاً: " الامام الحسين (ع) قد ثار وأدّى هذا الواجب عمليّاً ليكون درساً للجميع، وقد تتوفّر الظروف المناسبة لأي أحد للقيام بهذا العمل على مرّ التاريخ، طبعا الظروف لم تكن مواتية في عصر سائر الأئمة (عليهم السلام) من بعد الإمام الحسين (ع)" .

وقال قائد الثورة الاسلامية في جانب آخر من ثورة عاشوراء الامام الحسين (ع): " رغم كثرة الكلام حول الفوائد القيّمة لشهر محرم ويوم عاشوراء وآثار هذه الظاهرة العظيمة، لكن كلّما مرّ زمان عليها كلّما تجلّت الصورة الخالدة لهذه الشمس النّيرة أكثر ــ والتي يمكن أن نُطلق عليها شمس الشهادة، شمس مظلومية وغربة الجهاد والتي توقّدت بواسطة الحسين بن علي (ع) وأصحابه ــ ، وعُرفت بركات عاشوراء أكثر. فقد ظهرت الآثار العميقة والأساسية لهذه الحادثة تدريجياً منذ اليوم الأوّل لوقوعها، فعرف البعض بوظائفه منذ تلك الأيّام، فقامت حركة التوّابين، ووقعت حوادث الجهاد الطويل لبني هاشم وبني الحسن عليهم السلام" .

وقال: "لم يكن للإمام (ع) أدنى أمل بمن هم خارج ميدان القتال المليء بالمحن، فما كان موجوداً فهو في ميدان القتال فقط. والأمل مقتصر على هذا الجمع، والجمع مسلّم للشهادة، وبعد الاستشهاد لا يقام لهم مجلس فاتحة حسب الموازين الظاهرية، فيزيد متسلّط على كلّ شيء ، وتُساق نسائهم أسارى ولا يُرْحَم أطفالهم "لا يوم كيومك يا أبا عبدالله” فلولا الإيمان والإخلاص والنور الإلهي في قلب الحسين ابن علي (ع) والذي بعث الحرارة في قلوب الصفوة المؤمنة حوله لما تحقّقت تلك الواقعة، فانظروا الى عظمة هذه الواقعة.

ويشير سماحة السيد الخامنئي الى روح الاسلامية العالية في العرفان والتضرع والابتهال والمناجاة مع الله سبحانه وتعالى لدى الامام الحسين (ع) ورغم كل المحن والمصائب والمتاعب التي حدثت له يوم عاشوراء في الطف وقبلها: "إن نظرنا إلى واقعة عاشوراء وأحداث كربلاء، فمع انها ساحة قتال وسيف وقتل، لكنكم ترون الحسين (ع) يتكلم ويتعامل بلسان الحبّ والرضا والعرفان مع الله تعالى، آخرُ المعركة حيث وضع خدّه المبارك على تراب كربلاء اللاهبة، تراه يقول: "إلهي رضاً بقضائك وتسليماً لأمرك”، وكذا حين خروجه من مكّة يقول: "من كان باذلاً فينا مهجته وموطناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا”. كل قضية كربلاء ترون فيها وجه العرفان والتضرع والابتهال. اقترن خروجه ذاك بالتوسل والمناجاة وأمنية لقاء الله، وبدأ بذلك الأندفاع المعنوي المشهور في دعاء عرفة، إلى أن انتهى به المطاف في اللحظة الأخيرة، إلى حفرة المنحر حيث قال: "ورضاً بقضائك”".

وحول أهم الدروس والعبر التي يجب استخلاصها من ثورة العزء والإباء والتضحية والفداء أبي الاحرار الامام الحسين بن علي (ع)، يقول سماحة القائد: "عاشوراء علّمتنا أن جبهة العدو مع كلّ قدراتها الظاهرية يمكن أن تتصدّع، كما تصدّعت جبهة بني أميّة"، مضيفاً في جانب آخر من كلماته: "الهدف من ثورة الحسين هو الوقوف بوجه الظلم والطغيان وقد تحمّل الامام الحسين (ع) من أجل هذا الهدف المقدّس أشقّ أشكال الجهاد والصراع من أعداء الله؛ لأنّ أشقّ أشكال الكفاح هو الكفاح في الغربة. فالاستشهاد والقتل بين الأهل والأحبّة ووسط تشجيع عامة الناس ليس بالأمر المستصعب جدّاً".

وبخصوص إحياء مجالس العزاء لمصيبة الامام الحسين بن علي (ع) وأهل بيته وأصحابه الذين لم يسلم منهم من حقد أمية وشياطينها حتى طفله الرضية ذو الأشهر الستة من العمر ليكشف بشاعة وفظاعة المجزرة الأموية الحاقدة على الاسلام ورسوله وأهل بيته وأتباعهم وشيعتهم حتى يومنا هذا، فيقول سماحته: " ذكرى عاشوراء ليست مجرّد ذكر لبعض الخواطر والذكريات والأحداث فقط. وإنّما هي تبيان لحادثة في غاية الأهمّية ولها عدد غير محدود من الأبعاد والجوانب التي تركت أعمق الآثار في حياة الأمة الإسلامية على مرّ التاريخ" .

وقال سماحته في جانب آخر من كلامه:" إنَّ مجالس العزاء مستمرة الى يومنا هذا، ولابد أن تستمر الى الآبد؛ لأجل استقطاب العواطف، فمن خلال أجواء العاطفة والمحبة والشفقة يمكن أن تُفهم كثير من الحقائق، التي يصعب فهمها خارج نطاق هذه الأجواء".

أما الفائدة من إحياء هذه الشعيرة العظيمة وذكرى عاشوراء الامام الحسين (ع) وإبقاء شعلة وثورته وتضحياته وضاءة على مر العصور والسنين، يقول سماحة القائد الخامنئي: "والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي الفائدة التي يجب أن تجنى من هذه الذكرى ومن هذه المجالس؟ وما هو الطريق لشكر هذه النعمة؟

أما الجواب على هذه الأسئلة وأمثالها فهو ملقى على عاتقكم أنتم.

فهذه النعمة الكبيرة هي التي تربط القلوب بمنابع الإيمان بالله وبالغيب مباشرةً، وهي التي جعلت الحكّام الطواغيت على طول التاريخ يرتجفون خوفاً وفزعاً من عاشوراء ومن قبر الإمام الحسين (ع). فقد بدأ هذا الخوف منذ زمن بني أمية وتواصل الى يومنا هذا" .

مشيراً الى أن: " جميع الأكابر والخواص من أنصار الحق، أي الذين لم يكونوا إلى جانب الحكومة الأموية ولم يدخلوا جبهة الباطل، وحتى من بينهم الكثير من الشيعة الذين يقرّون بامامة أميرالمؤمنين (ع) ويعتبرونه الخليفة الأول شرعاً، هؤلاء بأجمعهم حينما أحسوا ببطش السلطة الحاكمة، تخاذلوا رغبة في الحفاظ على أنفسهم وأموالهم ومناصبهم. ونتيجة لتخاذل هؤلاء، مال عوام الناس إلى جانب الباطل".

"إن اسم الامام الحسين بن علي(ع) بمثابة بيرق للعدالة والفضائل المعنويّة رغم مرور أربعة عشر قرناً.. لقد كان الإمام الحسين(ع) مظهراً للعزّة، وصموده أضحى مصدر تمجّد وفخار، وهذه هي العزّة والمجد الحسيني.. إن اسم الحسين بن علي(ع) اسم عجيب، فلو ألقيتم نظرة عاطفيّة لوجدتم أن ميزة ذلك الإمام بين المسلمين العارفين هي جذب القلوب إليه..لقد جعل الباري تعالى في اسم الإمام الحسين(ع) تأثيراً، بحيث لو ذكر اسمه لسيطرت حالة من المعنويّة على أفئدة وأرواح سائر الشيعة.. إن الإمام الحسين(ع) قد علّم التاريخ الإسلامي درساً عمليّاً عظيماً، وضمن بقاء الإسلام في عصره وسائر الأعصار..

كونوا حسينيين، وامضوا حسينيين، وسيروا في طريق الحسين(ع) واعلموا أنه طريق سعادة الدنيا والآخرة واللَّه يمدّكم في هذا الطريق" - من كلام سماحة قائد الثورة الاسلامية السيد علي الخامنئي.