البحرين.. 8 أعوام على الاجتياح السعودي الإماراتي
سعيد الشهابي
عندما اتخذت المملكة العربية السعودية في مثل هذه الايام قبل ثمانية اعوام قرار ارسال قواتها الى البحرين كان قادتها يعلمون أن قرارهم قد يؤدي لتوتر في العلاقات بالدول الغربية الصديقة كأمريكا وبريطانيا.
في حين كانوا يدركون ان السماح باي تغيير في الاوضاع الداخلية لأي بلد عضو بمجلس التعاون ستكون له تبعات اقليمية غير قليلة. يومها كان الوضع العربي متأرجحا بين التحول الديمقراطي أو العودة إلى أوضاع داخلية أسوأ مما كانت عليه قبل ان يقدم الشاب التونسي، محمد بوعزيزي على حرق نفسه لتشتعال ثورات الربيع العربي.
وبرغم اللغط الذي يطرحه الكثيرون حول تلك الثورات، واشارة البعض الى «أيد اجنبية» وراءها إلا أن الحقيقة تؤكد أن ما حدث كان ردة فعل طبيعية ضد عقود من الاستبداد والركود والتخلف.
والسؤال هنا: هل تقاس الامور بنتائجها ام بدوافعها؟ فما دامت الثورات قد اخفقت في تحقيق التحول الديمقراطي المنشود، فقد تكالبت عليها الانتقادات، تارة بدفع طبيعي واخرى بتوجيه من الامبراطوريات الاعلامية التي تديرها قوى الثورة المضادة.
أيًا كان الامر فان الصمت على ما جرى في الساعات الاولى من الرابع عشر من مارس / آذار 2011 وفر فرصة للتحالف السعودي - الاماراتي للتوصل لنتيجة مهمة:
الصمت تعبير عن غياب الوعي والإرادة لدى قطاعات كبير من الامة، وان الفرصة مهيأة لتدشين عهد عربي جديد تهمش فيه الشعوب و«تستأسد فيه البغاث» وتمسك قيادة العالم العربي فيه قوى لا تمتلك من مستلزمات الهيمنة سوى ثلاثة:
المال النفطي الهائل، غياب الموقف الدولي القادر على ردع التدخلات والاعتداءات، واستعداد العدو الصهيوني للولوج الى عالم السياسة العربي من اوسع الابواب بالانضمام الى التحالف المذكور.
الصمت المذكور دفع ذلك التحالف للامعان في التصدي لمشاريع التغيير التي جاء بها الربيع العربي، فكانت الخطوة التالية اجهاض ثورة تونس بحصر التغيير بشخص الرئيس زين العابدين بن علي، ثم إجهاض ثورة مصر على المنوال نفسه، وذلك بحصر التغيير بعزل الرئيس حسني مبارك، ثم استهداف ثورة اليمن عبر ما سمي «المبادرة الخليجية» وذلك بازاحة الرئيس علي عبد الله صالح واستبداله بنائبه، عبد ربه منصور هادي.
بقيت الثورة السورية التي كانت ظروفها معقدة، فتم تحويلها نحو العنف وكان ذلك كافيا للقضاء عليها. وبدلا من تبلور ربيع عربي حقيقي تتفتح فيه ورود الحرية، تم تغيير مساراتها لتساهم في نمو التحالف السعودي – الاماراتي الذي اصبح صاحب القرار على مستوى الشرق الاوسط.
فسرعان ما تم الانقضاض على مصر والاطاحة باول رئيس منتخب، وتحويل البلد العربي الاكبر الى جحيم لا يطاق من القمع والاستبداد على ايدي العسكر. وكان استهداف مصر بالشكل الذي حدث تعبيرا عن عداء التحالف السعودي – الاماراتي للمشروع الاسلامي بكافة وجوهه، وفي نظرهما فان هذا المشروع تمثله على الصعيد العربي جماعة الاخوان المسلمين.
وحيث انها استطاعت الصعود الى الحكم عبر صناديق الاقتراع، فقد اتخذ هذا التحالف قرارا آخر مشابها في جوهره لما فعلته في البحرين، لكن مختلفا في أسلوب التنفيذ. وعندما ادى التغيير في اليمن الى نتائج عكسية من وجهة نظر التحالف، وذلك بفتح المجال لصعود تيارات لا يقرها ذلك التحالف، انطلقت الحرب على اليمن في 26 مارس / آذار 2015، وهي حرب مدمرة ما يزال لهيبها يلتهم الاخضر واليابس، وقد مهدت لمجاعة غير مسبوقة تهدد حياة الملايين.
والسؤال هنا: هل حسمت معركة التغيير الاقليمي لصالح قوى الثورة المضادة بشكل كامل؟
للوهلة الاولى يبدو التحالف السعودي – الاماراتي قادرا على ممارسة دور يفوق حجم البلدين المشاركين فيه اضعافا. فالإمارات، تلك الدولة الصغيرة التي لم يمض على نشوئها سوى اقل من خمسين عاما، تشارك السعودية في احتلال اليمن والهيمنة على اجوائه وموانئه ومطاراته، وتحتفظ بحكومته في الرياض بعد ان سلبتها كافة الصلاحيات والاستقلال الذاتي.
قد يبدو للبعض ان التحالف المذكور قد أحكم السيطرة على اليمن، وان لا مجال للتشكيك في هذه الهيمنة التي تتجلى مصاديقها في الوجود العسكري على ارض الواقع والسعي لتقسيم ذلك البلد، واستغلال الفرصة لمنح السعودية مبتغاها التاريخي بشق طريق بري الى بحر العرب.
السعودية في اليمن تسعى لتحقيق ما عجزت عنه الدبلوماسية، وذلك على غرار ما حدث بالمنطقة الخليجية. فقد تمكنت السعودية من شق طريق لها الى الخليج (الفارسي) على الساحل الممتد ما بين الامارات وقطر، بحيث عزلت هذين البلدين جغرافيا احدهما عن الآخر.
وفي ظل تهميش حكومة هادي أصبح القرار اليمني محصورا باليد السعودية، بينما اصبح على الامارات ان تتلمس مواقع قدم لها في اليمن بعيدا عن الهيمنة السعودية.
والسؤال هنا: هل استطاع التحالف السعودي ـ الاماراتي فرض امر واقع لا يتغير؟
الصمت الذي صاحب التدخل السعودي – الاماراتي في البحرين ما يزال ساري المفعول. ولكن في الوقت نفسه فان مفاعيل هذا التداخل، وما تبعه من مشاركة فاعلة في حرب اليمن، اصبح عاملا ذا أثر سلبي على السعودية، خصوصا في ظل حكمها الحالي الذي يسيطر عليه ولي عهدها، محمد بن سلمان.
فقد استيقظ العالم خلال العام الماضي على أنات ضحايا العدوان على اليمن وانتشار الامراض واقتراب البلاد من المجاعة. وبدأت الاصوات المطالبة بوقف الحرب، خصوصا بعد ان اتضح فشل التحالف في تحقيق انتصارات تذكر.
ثم جاءت جريمة قتل الاعلامي السعودي، جمال خاشقجي، لتفتح ملف النظام السياسي من ابشع الابواب. واخيرا اثيرت ضجة دولية حول اعتقال النساء الناشطات اللاتي ناضلن من اجل السماح للمرأة بقيادة السيارات وكذلك في مجال حقوق الانسان.
ومن على منبر مجلس حقوق الانسان ارتفعت الاصوات يوم الخميس الماضي من ثلاثين دولة بينها كل دول الاتحاد الأوروبي الثماني والعشرين مطالبة السعودية بالإفراج عن 10 ناشطات والتعاون مع تحقيق تقوده الأمم المتحدة في جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول.
وكان هذا أول توبيخ يوجه للمملكة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة منذ تأسيسه عام 2006. وجاء في ظل تنامي القلق الدولي من انتهاك السعودية للحريات الأساسية كحرية التعبير. ودعا البيان المشترك إلى الإفراج عن لجين الهذلول وإيمان النجفان وعزيزة اليوسف ونسيمة السادة وسمر بدوي ونوف عبد العزيز وهتون الفاسي ومحمد البجادي وأمل الحربي وشدن العنزي.
وقال هارالد أسبيلوند مبعوث أيسلندا إلى مكتب الأمم المتحدة في جنيف وهو يتلو البيان «نشعر تحديدا بالقلق بشأن استخدام قانون مكافحة الإرهاب وغيره من الأمور الخاصة بالأمن القومي بحق أفراد يمارسون حقوقهم وحرياتهم بشكل سلمي».
كما دعت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه للإفراج عن الناشطات المعتقلات بعد أن أشارت تقارير إلى تعرضهن للتعذيب. وهناك انتقادات كثيرة للامارات حول ملفها الحقوقي ومطالبات بالإفراج عن نشطاء مثل احمد منصور ومحمد الركن وناصر بن غيث.