شعبان أنموذجان يتزاوران ابناؤهما بالملايين
لا غلو ولا اغراق اذا قلنا ان ما يجمع الشعبان الايراني والعراقي من عرى ووشائج ومشتركات دينية وتاريخية وثقافية واجتماعية وحضارية هي مميزة وفريدة من نوعها وقد لا تجد نظيرا لها بين أي شعبين من شعوب العالم وهذه علامة فارقة يعتز بها الشعبان بمثابة "روحين في جسد واحد" لشدة الارتباط العضوي والحيوي وامتزاج الدم في المواجهة المصيرية الواحدة ضد الاعداء وهذا ما ترجم على الارض ليس في عهد المقبور صدام وبعدها في مواجهة "داعش" الصناعة الاميركية ـ الاقليمية بل قبل ذلك ما اقدم عليه علماء النجف الاشرف من عراقيين وايرانيين حين وضعوا دراساتهم الحوزوية جانباً وحملوا السلاح وقاتلوا القوات الاجنبية الغازية للعراق سواء في الحرب العالمية الاولى أو الثانية دفاعاً عن شرف العراق وسيادته لا على الحصر والتقييد نذكر سماحة آية الله العظمى الاراكي من مراجع قم أبان وبعد انتصار الثورة الاسلامية الذي قاتل في جبهة الموصل وقد كتب احد مؤلفاته من خنادقها ولم يتوقف الامر عند هذه الحدود فتاريخ البلدين متجذر في اعماقهما ولا يمكن لاية قوة مهما تفرعنت وطغت ان تفصل بين هذين البلدين اللذين يعتبران كل واحد منهما عمقا استراتيجيا للاخر. فمن الحماقة والسذاجة ان يتصور طرفا اجنبيا او غير اجنبي بقدرته على التلاعب بالخطوط الحمراء لهذين البلدين.
ومن يريد ان يقف على عمق العلاقات التاريخية والمصيرية بين شعبي البلدين اللذين فرض عليهما الحرب من قبل القوى الدولية والاقليمية المعادية لشعوب المنطقة والتي نفذها الادات صدام الا انه ورغم الجراح العميق ومأساة الثماني سنوات لهذه الحرب نرى ان شعبي البلدين صنعا لوحة رائعة وغير مسبوقة عندما فرط عقد صدام وانهار نظامه الدموي غزى ابناء الشعبين الحدود المشتركة للتزاور والتواصل بينهما ضاربين بعرض الحائط القيود المتعارف عليها وكأنه لم يحصل شيئا مذكورا والاكثر من ذلك وما هو لافت اليوم للعالم اجمع ومثار تساؤل انه لا تجد في تاريخ وعلاقات أي بين بلدين في العالم ان يكون حجم تبادل الزيارات بين ابنائهما يصل السبعة ملايين سنويا وهذا ما تنفرد به ايران والعراق كعلامة فارقة هي محط اعتزار وتفاخر البلدين الشقيقين وقد يعتبر البعض ان هذه الخصوصيات الفريدة من نوعها تُثقل كاهل قادة البلدين بان يتحركوا بمسؤولية مضاعفة ودقة متزايدة لتعميق العلاقات الاستراتيجية الى اقصى درجاتها وهذا لا يعني ان يكون على حساب الدول الاخرى التي تتربط بعلاقات وثيقة بالعراق، لان ايران لم ولن تتعامل يوما بهذا الاسلوب حتى مع قوى المقاومة والاحزاب التحريرية الدائرة في ركابها ولم تفرض عليها أية شروط أو قيود في التعامل مع الاخرين .
فالزيارة الرسمية للرئيس روحاني الذي تبدأ اليوم الاثنين وبدعوة من القيادة العراقية تأتي في حقبة حساسة ودقيقة تمر بها المنطقة والبلدان خاصة وان اميركا قد كشرت عن انيابها للاستثمار ثانية في داعش على الاراضي العراقية واستخدام هذه الاراضي حسب تصورها الواهي والاحمق لمراقبة ايران وهذا ما رفضه العراق جملة وتفصيلا بكل شرائحه وساسته وحتى المرجعية الرشيدة العليا في النجف الاشرف.
فأهم أهداف هذه الزيارة المعطاء التي ترتكز على تطوير العلاقات وتعميقها في جميع المجالات الاقتصادية والتجارية والنقل والطاقة والنفط والصناعات اكثر من الماضي، هو ان ترتقي الى ذلك المستوى الذي يليق ببلدين مستقلين وحرين كأيران والعراق اللذان يمتلكان تجربة ديمقراطية فذة حيث يكون لصوت المواطن فيهما اثر مطلوب في القرار الوطني وهذا ما ينعكس ايجابا على ان يكون صاحب القرار الوطني في طهران وبغداد وليس خارجهما.