المأزق الأميركي في العراق وليس في سورية
تكشف الكثير من التقارير الأميركية بما فيها الكلام الذي قيل أثناء حملة الرئيس دونالد ترامب الانتخابية، أن اختراع داعش كان بهدف تبرير العودة الأميركية إلى العراق، إضافة لأهداف أخرى عديدة أيضاً، وأن إدارة الحرب على داعش كانت تتم بطريقة تراعي التمهيد لبقاء الأميركيين في العراق إلى أمد طويل. وتقول وقائع السنوات القليلة من عمر داعش قياساً بما بشر به الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما، أن تنبّه قوى المقاومة في العراق ومعها إيران، وخصوصاً الجنرال قاسم سليماني، وقفا وراء رفض المنهجية الأميركية للحرب على داعش التي كانت تقوم أولاً على حصر المعركة بالجيش العراقي ورفض أي دور للحشد الشعبي، وتالياً بفتح ممرات انسحاب لداعش ورفض أي حصار محكم على مجموعاتها، بداعي تسهيل الفوز بالمعارك، ولكن بهدف عدم بلوغ نهاية لهذه المعارك. وكانت معركة الموصل شاهداً على حجم الضغوط لاستبعاد الحشد الشعبي من معركة تلعفر، حيث تلاقى الاميركي والتركي على رفع البطاقة الحمراء، ورفض العراق الانصياع ومضى الحشد الشعبي بالتحدي وأغلق طرق الانسحاب أمام داعش، وفشلت الخطة الأميركية بإطالة أمد الحرب والانتقال بها من منطقة إلى منطقة، كما فشل الرهان على إبقاء الجيش السوري بعيداً عن الحدود مع العراق التي باتت تحت سيطرة الحشد الشعبي.
مع الفشل الأميركي الكامل في سورية وسعياً لتفادي لحظة تصادم قادمة مع الجيش السوري وحلفائه عندما تنتهي معارك إدلب، بدأ الأميركيون يتحدثون عن الانسحاب ومهل الانسحاب والتدرج وعدم التدرج في الانسحاب، لكنهم اكتشفوا ما هو أخطر من انهيار جبهة حلفائهم العربية والإسرائيلية والتركية والكردية وتسابق أطرافها للبحث بين موسكو ودمشق عن بوليصة تأمين. فقد فتح الربط بين الانسحاب ونهاية المعركة مع داعش الباب واسعاً للبدء بمعركة إخراجهم من العراق طالما أن المعركة انتهت أو توشك، بينما كان الظن الأميركي أن الفارق بغطائهم الشرعي من الحكومة العراقية عن وجودهم غير الشرعي بنظر الحكومة السورية سيكون كافياً لإحداث الفارق بين الحالتين العراقية والسورية، وتجمع التقارير التي تصدرها مراكز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن أن القلق الأميركي من مستقبل الوجود في العراق هو وراء قرار تجميد الانسحاب من سورية وجدولته، رغم إدراكهم أن لحظة الانسحاب من سورية ليست بعيدة، وليست انتقائية، وليست تحت السيطرة.
انطلقت حملة إحراج الأميركيين من العراق ولم ولن تتوقف، فقوى الحشد الشعبي تحمل الراية وتنتقل بها إلى مجلس النواب، والأغلبية ماضية بهذا التوجه، ورئيس الحكومة ترك الأمر لما يقرّره المجلس النيابي، ورئيس الجمهورية يعلن أن لا أحد سيقبل ببقاء قواعد أميركية في العراق. وجاء كلام الرئيس الأميركي عن نيات ابتكار دور للوجود في العراق اسمه مراقبة إيران، ليمنح حملة الدعوة لإخراج الأميركيين من العراق زخماً إضافياً، فالعراقيون لا يرغبون بأحسن الأحوال أن يكونوا عنواناً يستخدمه الأميركيون في المواجهة مع إيران، بمن في ذلك خصوم إيران من العراقيين، وحملة إخراج قوات الاحتلال تُحرج الكثيرين من الوقوف على الحياد وتطعن في وطنيتهم، وتستقطب الشارع العراقي وتعيد توحيد طوائفه.
يتحوّل التمركز الأميركي في سورية إلى قضية ثانوية بالقياس لقضية التمركز الأميركي في العراق، ويكسب دعاة إخراج الأميركيين سبباً إضافياً مع الحديث الأميركي عن الانسحاب من أفغانستان التي يحظون بموافقة حكومتها، لأنهم يخشون أن يتعرّضوا للأذى هناك، ما يجعل التلويح بمقاومة هذا الوجود بالقوة إذا أصرت واشنطن على البقاء عنوة، وتقول موازين القوى إن واشنطن لا تتحمل العودة لمواجهة النزيف بين قواتها بوجه مقاومة تملك من المقدرات هذه المرة ما لم يكن متاحاً للمقاومة التي عرفها الأميركيون قبل سنوات، ويتحدث الكثير من قادة العراق عن أن العام الحالي هو آخر سنة للبقاء الأميركي في العراق.
المدى الحيوي الاستراتيجي لمحور المقاومة ودوله وقواه على موعد نهاية هذا العام مع ربط حقيقي لمقدرات إيران بالعراق بسورية ولبنان، وعلى «إسرائيل» أن تعيد حساباتها كثيراً ولعلها تفعل ذلك.
الشرق الجديد