حظوظ إسرائيل المثيرة للدموع !
د. عادل محمد عايش
معلوم أن إسرائيل تواجه منذ فترة وفي هذه الأثناء، أمواجاً من الانتقادات تارة، ومن اللوم تارة أخرى، والتنديد أحياناً، من قِبل العديد من دول المجتمع الغربي والولايات المتحدة، بسبب سلوكها السيء باتجاه سياستها بشأن حل القضية الفلسطينية، لكن لا أحد يستطيع النكران بأنها محظوظة إلى حد الآن على الأقل، بسبب أننا نعلم بأن الأحداث والتطورات المحلية والدولية، كانت في خدمتها تماماً، وإننا الآن نراهن على الغيب الذي لا نعلمه بعد، أو ما يمكننا توقّعَهُ وحسب.
فمن أخطار الأزمة النووية الإيرانية، وتهديدات تنظيم حزب الله اللبناني، وتواجد حركة حماس في الحكم والمشهد المقاوم لها بشكلٍ عام، وصولاً إلى أحداث الربيع العربي، وظهور تنظيم الدولة الإسلامية، كلها كانت من الحظوظ القوية التي تتلقاها إسرائيل، والتي ساهمت في أن تجلب دول العالم إلى جانبها، يتعاطف معها ويشدّ من أزرها، ويقوم بدعمها بالمال والعتاد والرجال أيضاً.
ما هو آتٍ في المستقبل، هو أن الرئيس الفلسطيني "أبومازن” عزم أمره وبناءً على سياسته (المواجهة السياسية) ضد إسرائيل، في ضوء سياستها المتعنتة واللامبالية باتجاه الفلسطينيين، عزم على مضيّه قُدماً بشأن إلقاء مبادرته السياسية على مجلس الأمن الدولي، والتي تهدف إلى الاعتراف بالدولة – بصفة مراقب- ضمن حدود عام 67، وإلى تحديد نهاية زمنية للاحتلال الإسرائيلي عن الأراضي الفلسطينية، وأكّد إصراره بأن لا تراجع عن هذه السياسة، وخاصةً في أعقاب التطورات السياسية والأمنية الأخيرة، التي منحته روحاً إقليمية ودولية داعمة، والتي ربما ستشجعه على الذهاب أبعد من ذلك، بالتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، رغبةً في تحميل إسرائيل مسؤولية الجرائم التي ارتكبتها ضد الفلسطينيين، والأراضي الفلسطينية بشكلٍ عام.
إسرائيل وفي هذا الجانب وإن أبدت قلقها، فهي لن تعدم أيّاً من حظوظها الممطرة لها على طول المدى، فعلاوة على اشتداد محاولاتها للالتفاف على مساعي "أبومازن”، والتي من بينها تدعيم المحاولات الأميركية، وبالتنسيق مع بعض الدول العربية، على تشجيعه للعودة إلى طاولة المفاوضات مجدداً، قبل التوجه إلى مجلس الأمن، أو باللعب باتجاه الالتزامات المالية لإعمار القطاع، أو قيامها بإنشاء مبادرة مُقنعة أمام الدول الغربية على الأقل، كالموافقة على إعلان تجميد جزئي للاستيطان لفترة من الزمن، وإعطاء تسهيلات أمنية وتخفيف الحصار عن القطاع، أو بالتلويح باتخاذ خطوات مضادة تكون كفيلة لتغيير المزاج الدولي ضد المساعي الفلسطينية وللقضية بشكلٍ عام، رغبةً في إخافة الفلسطينيين وثنيهم عن الخطوة أو بتحييدها إلى زمنٍ آخر، سيما وأن هناك دولاً غربية وعربية ترحب بعودة المفاوضات عِوضاً على خطوة مجلس الأمن، بحجة أنها السبيل الوحيد للتوصل إلى سلام.
كان الشيء الأهم – باعتباره حظاً جميلاً- والذي أدخل الطمأنينة إلى قلب إسرائيل دفعةً واحدة، وفاق ربما بكثير قيمة الفيتو الأمريكي، بسبب أن إشهار الفيتو في مواجهة المشروع الفلسطيني، لن يكون مجاناً أو بلا ثمن، حيث أن كلفته كبيرة وانعكاساته جِدُّ مؤلمة باتجاهها والولايات المتحدة بوجهٍ خاص، وهذا الشيء هو، أن دولاً عربية – ربما بدون قصد- عملت جهدها بشأن إفشال دولة تركيا من الفوز بعضوية (غير دائمة) في مجلس الأمن، التي كانت ستمثّل راحة للفلسطينيين بسبب أنها – ربما- تمثل الدولة التاسعة اللازمة لإنجاح المسعي الفلسطيني داخل المجلس، لتكتسب العضوية دولة إسبانيا بدلاً منها، والتي تعتبر أقل تعاطفاً مع القضية الفلسطينية، وأقل عناءً للولايات المتحدة وإسرائيل من جهة القدرة على اقناعها بعدم التصويت إلى جانب المشروع الفلسطيني فيما إذا جرى تصويت، خاصةً وأن إسبانيا كانت رفضت في العام 2011، دعم المسعى الفلسطيني داخل المجلس وتم إحباط المشروع حينها.
وكانت أرجعت مجلة النيوزويك الأمريكية، خسارة تركيا للمقعد بمجلس الأمن، لقيادة كل من مصر والسعودية ودول أخرى، كانت قد قادت حملة مكثفة ضد عضويتها، وذلك لغضبها من سياسية الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان” الداعمة لجماعة الإخوان المسلمين، التي تكافحها هذه الدول في آنٍ معاً، وقد تسجّلت كل من سوريا وإيران أيضاً في هذا الاتجاه، كونهما على علاقة تصادمية معها.
وإن كانت إسرائيل قد أبدت انزعاجها من التركيبة الجديدة لمجلس الأمن الجديد، والتي ستدخل حيّز التنفيذ في غُرّة يناير/كانون ثاني من العام المقبل، باعتبارها ستضعف موقفها بشكل واضح على الجبهة الدبلوماسية، إلاّ أنها كاذبة وخادعة أيضاً، بسبب أن الصحيح، هو أن هزيمة تركيا وعدم انتخابها لعضوية المجلس، كانت خبراً مُفرحاً وسارّاً بالنسبة لها، باعتبارها تمثّل حظاً آخر من حظوظها، والمكفكفة دائماً لدموعها.