الغرب يستكمل "التدمير العربي" بالاعلام العربي
د حكم امهز
المشهد يعيد نفسه.. تماما ما حصل في تونس، وسوريا وليبيا، وصولا الى مصر واليمن، يحصل الان في الجزائر والسودان.. وما اسماه الامريكي والغرب بـ"الفوضى الخلاقة" وجمّلوه للشارع العربي باسم "الربيع العربي" كان "تدميرا عربيا وفوضى هدامة" بكل ما للكلمة من معنى..
وسائل الاعلام العربية ذاتها ايضا، والمعروفة التوجه والولاء وتحديدا قناة العربية السعودية ( المسماة من قبل البعض بالعبرية) والجزيرة القطرية، هي ذاتها تتولى تحريض الشارع وتحريكه في هذين البلدين الكبيرين.. فهي تفتح الهواء ليلا نهارا، وتسخر كل امكاناتها للنقل المباشر وغير المباشر والمتواصل، وتستجلب كل محلليها المقربين، المأجورين وغير المأجورين، لتنقل الاخبار المساعدة على اشعال الفتن في الشارع، وقد تناست قناتا العربية والجزيرة المعركة "الدامية" بينهما، وحولتها الى غرام مشتركة الاهداف ضد السودان والجزائر.. فالجزيرة تناست جريمة قتل خاشقجي، والحصار الذي تفرضه السعودية وحلفاؤها عليها، والعربية، تناست ان قطر هي الاخوانية والعميلة لايران وتركيا، والمتآمرة على تفجير الاوضاع في دول مجلس التعاون والداعمة للارهاب...
وسائل الاعلام العربية هذه، تتعامل مع البلاد العربية، وكانها الكيان الصهيوني المحتل، فيما لو كانت تتعامل معه، كما يجب ان يكون التعامل مع المحتل..
الجدير بالذكر ان السودان المستهدف بالحملة الاعلامية المحرضة، هو سودان عمر البشير الذي ارسل جيشه كمرتزقة للقتال الى جانب السعودية ضد الشعب اليمني، وهو الذي تخلى عن علاقاته مع ايران كرمى لعيون السعودية، وهو الذي وافق على تقسيم السودان من اجل امريكا، وبالرغم من كل ذلك فان قناة العربية السعودية، تشن حملة تحريضية ضده، وتهيج الشارع السوداني عليه، بما يهدف الى نسفه ونسف السودان باكمله، كما حصل في بلدان عربية اخرى..
ايضا، عمر البشير هو الاخواني المقرب من قطر، الذي تربطه علاقات مميزة معها... وقدم الكثير من الخدمات الجليلة لها، ورغم ذلك فان قناة الجزيرة القطرية تشحذ همم الشارع السوداني ضده، وللاهداف نفسها، التي تقوم بها زميلتها العربية، وذلك على الرغم من التناقض الحاد، بين سياسة كلا القناتين التابعتين للرياض والدوحة...
لكن اذا ما التفتنا وادركنا، ان المدير المشترك لكلا البلدين، هو البيت الابيض الامريكي، ندرك القاسم المشترك بين السعودية وقطر، في الهجوم على السودان من اجل" التدمير العربي" الذي تسعى اليه واشنطن.
اما الجزائر بلد المليون شهيد، النائي بنفسه عن مشاكل العرب والدول العربية، فذنبه انه، لا يخضع او ينحاز، وهو الذي ذاق سم الفكر الوهابي في تسعينات القرن الماضي، واكتوى بنيرانه الفتنوية على الصعيد الداخلي. فلم يشفع لهذا البلد شهداؤها وجرحاه في مواجهة المحتل، ليأتي مستعربون من جديد، ويثخنونه بالجراح الاعلامية بهدف الوصول الى الجراح العسكرية.
اللافت ان الاستهداف يطال الدول العربية الكبرى دون الصغرى المحسوية الولاء على الامريكي.. والتي تنفذ الاجندات الامريكية.. فلم يشمل "التدمير العربي" السعودية ولا الامارات ولا البحرين ولا قطر ولا ..الخ، بينما طال كبرى الدول العربية بدءا من مصر وسوريا وتونس وليبيا وصولا الى اليمن، والان الجزائر والسودان... فاذا طال التدمير الدولتين الاخيرتين، فماذا يتبقى من الدول العربية..؟ ومن القرار والاستقلال العربيين؟
على الرغم من ان الدول العربية تعيش حال الخمول والركود التنمويين نتيجة سياسة انظمتها، الا ان ما جرى ويجري، لم يتركها في تراوح في ركودها، سيرجعها خمسين سنة لى الوراء كما حصل في سابقاتها.
المطلوب، يقظة مشتركة من نظامي الجزائر والسودان وشعبيهما، والعمل على ايجاد تسويات، تمنع وصول الامور الى حالة اللاعودة، الى ما وصلت اليه سوريا او ليبيا واليمن، فكلفة التسوية عبر التنازلات المتبادلة، لا تقارن ابدا، بكلفة "التدمير العربي"، وان تم التدمير، فالكل خاسر حتما، نظاما وشعبا وارضا.. والمستخدَمون في شحن الشارع اليوم، لن يكونون في المشهد السياسي المقبل، لان مشغلهم الامريكي سيلقيهم في خبر كان، كما اسلافهم في سوريا وليبيا ومصر واليمن وتونس وغيرها... فامريكا تستخدم العملاء مرة واحدة فقط، ثم ترمي بهم في مزابل التاريخ ولعنة الشعوب،.. فاعتبروا يا اولي الالباب..