ما هكذا الظن بك يا ظريف!
حسين شريعتمداري
السيد ظريف مطلع على عالم السياسة، وحتى ان كان يشتمل على بعض الهنات، إلا انه بالتأكيد غير بعيد عن ما ينبغي وما لا ينبغي، من هنا فان استقالته في ظل هذه الظروف مثار تساؤل. وسبق ان قدم فيما مضى استقالته مرتين لم تحظ بقبول رئاسة الجمهورية. ولذا نعطي الحق للآخرين حين يفسروا استقالته في ظل هذه الظروف التي تعصف بالبلد بشكل مختلف، ومن المستبعد ان يغيب هذا الاحتمال عن ذهن الدكتور ظريف.
إن استقالة السيد ظريف جاءت في وقت تشمخ ايران الاسلامية قلة الاقتدار واستطعمت انتصارات كبيرة تقارب الاعجاز. وبالرغم من المؤامرات المتتالية للاعداء تحتفل الثورة الاسلامية بذكراها الاربعين بفخر واعتزاز، اذ خرج الملايين في يوم 22 بهمن يؤكدون صحة مسارهم الذي قطعوه، بحضور أوسع من الاعوام السابقة، وفيما كانت اميركا وحلفاؤها قد وظفت ما تحلم به لعقود أربعة في مواجهة الثورة بذكراها الاربعين لتنفخ في ابواق اعلامها، يفاجئوهم سماحة قائد الثورة ببيان يشرح خارطة طريق لاربعين عاماً تضمن الادلة المحكمة والسهل الممتنع.
وبينما يواجه اعداء النظام والشعب في الخارج الفشل تلو الآخر في مواجهة الثورة الاسلامية، يفتضحوا بفشل اجتماع وارشو بعد ما بذلوه من دعاية اعلامية، وهي واحدة من عشرات النماذج خلال السنوات الماضية، وامثلة اخرى يشار لها بالبنان في غرب آسيا تذكر بتوقعات سماحة الامام الراحل (ره) بخصوص اقتحام العقبات المحورية، لا يسعفنا المقال سردها.
إن جديد انتصارات ايران الاسلامية يتمثل في زيارة "بشار الاسد" لطهران، بعد ثمان سنوات من الصمود قبال مجموعة من القوى الصغيرة والكبيرة سواء الدولية ام الاقليمية، حيث يصفها جميع المراقبين بانتصار ايران الكبير. فحضور بشار الاسد الى طهران بمثابة الصفعة القوية لاميركا وحلفائها الاوروبيين والاقليميين، لاسيما توقيتها الذي جاء وايران تعيش الانتصارات المتلاحقة بينما يذوق اعداؤها الاندحارات المتتالية. فبنظرة سريعة لتحليل مسؤولي الاعداء واعلامهم نستشف مدى عظمة هذه الانتصارات. فالعبارة التالية يمكن ملاحظتها في جميع تحليلاتهم بان "زيارة بشار الاسد لايران كانت رصاصة الرحمة لاهداف الغرب" و...
ان استقالة السيد ظريف في ظل هكذا ظروف، وضمن تكميمها لانتصارات ايران الاسلامية لهي فرصة ذهبية بيد الاعداء ليوغلوا في اوهامهم وكأن السيد ظريف- لا قدر الله- غير راض عن انتصارات ايران الاسلامية المتلاحقة، لاسيما انتصار المقاومة! حين يقدم استقالته بالتزامن مع حضور بشار الاسد الى طهران!
وبخصوص إستقالة ظريف المثيرة للصخب، صرح استاذ العلوم السياسية والامن الدولي في جامعة كارولينا، قائلا؛ ان دبلوماسيته وجميع ما حارب لاجله في هذه الفترة، تتقاطع وزيارة بشار الاسد ولذا قدم استقالته! كما واعلنت BBC؛ ان قضية استقالة السيد ظريف مهما تكن، قد ألقت ظلالها على اول زيارة لبشار الاسد الى طهران، بعد ان بدأت الازمة في سورية! و...
ان السيد ظريف الماسك لخمس سنوات وعدة أشهر لمقود السياسة الخارجية للحكومة الحادية عشرة والثانية عشرة، وبغض النظر عن شخصيته الحقيقية التي تستحق الإجلال، وكنت قد قلت في حديث مع "واشنطن بوست"؛ انه بالرغم من خلافي معه في الرؤية، ولكن لا نستبدل شعرة منه بجميع فرق التفاوض (5+1). إلا ان سجل وزارة الخارجية خلال ترؤس ظريف لم يكن مرضيا، اذ يمكن الاشارة الى واحدة من اهم امثلتها التوقيع على الاتفاق النووي الكارثي، وبالطبع لا نريد التغطية على دور رئيس الجمهورية المحترم وقراراته، في قضية خطة العمل الشترك. القرارات التي اعقبت الكثير من المشاكل الاقتصادية للبلد، ومن المؤكد ان بعض هذه القرارات منشؤها الثقة بالغرب الوحشي والماكر.
وبذلك كان المتوقع من السيد ظريف ا ن لا يخلي الساحة. وهذا ما جعل التداعي يبرز في اذهان الرأي العام انه لماذا يخلي بعض الوزراء الساحة بدل ان يشرحوا برنامج عملهم لسنوات!
ولا يقدموا الاجابة المقنعة؟! وهي مطالب شعبية مقبولة حقا.
فالذي نتوقعه ـ وهو ضروري بالطبع ـ ان يلقي السيد ظريف نظرة للميادين البعيدة والقريبة والاعداء في الخارج واذنابهم في الداخل ليشهد تهليلهم وتصفيرهم وتصفيقهم لقرار استقالته. فمن هم الذين فرحوا لاستقالته؟! فاعداء الخارج عبروا عن تحليلهم للاستقالة بانها دليل فشل النظام في عمله! كما ان اذنابهم ومنهم بعض مدعي الاصلاحات ـ وليس جميعهم ـ واصحاب الفتنة الاميركية الاسرائيلية لعام 2009، الذين للامس كانوا يرغبونه المضي في الطريق الذي سلكه، نجدهم اليوم تنتفخ اوداجهم غيلة ويحثون على عدم التنازل عن استقالته! ان هذه الفئة هي من نفس الجماعة التي رفعت شعار الاستقالة في المجلس السادس لدخول عناصر غير كفوءة لبيت الشعب، وبابراز لافتات باللغة الانجليزية يعطون رسالة تضامن عابرة للحدود! كما وتظاهروا بالاعتصام عن الطعام فيما هم اصحاب الموائد الفاخرة! الذين لجأ البعض منهم الى اميركا واسرائيل.
وبالتالي هنالك ادلة دامغة تعكس ما يثقل السيد ظريف من عتاب شديد جراء تعامل السيد روحاني احيانا، اذ من دون الحكم حول ماهية هذا العتاب ينبغي القول ان استقالة السيد ظريف ليست بالحل، فهذا العتاب محله الكابينة الوزارية وليس بتقديم الاستقالة في ظل الظروف الخطرة التي نمر بها، وما يجنيه النظام من انتصارات ، لتكون ـ لا سامح الله ـ الارضية لاستغلال العدو من دون عمد. من هنا يتحتم على السيد ظريف ان يعيد النظر في قراره، لدرء التفاسير المغرضة للاعداء في الخارج وبعض الذيول في الداخل، ويعود الى مكانته السابقة.