من بغداد الى أربيل .. كركوك العقدة والحل!
عادل الجبوري
بعد مخاض طويل وشائك ومعقد، استمر لشهرين ونصف الشهر، اختار برلمان اقليم كردستان المؤلف من مئة وأحد عشر عضوا، رئيسا له مع نائبين للرئيس، وهو ما يمهد للشروع بإجراءات تشكيل الحكومة المحلية الجديدة، من خلال انتخاب رئيس للإقليم، ليقوم الأخير بتكليف مرشح الكتلة البرلمانية الأكبر بتشكيل الحكومة.
وجاء انتخاب هيئة رئاسة برلمان الاقليم، خارج سياقات المفاوضات الماراثونية بين الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني (البارتي) بزعامة مسعود البارزاني، والوطني الكردستاني (اليكتي)، الذي افتقد الزعامة الحقيقية منذ غياب جلال الطالباني عن مسرح الأحداث بعد تراجع وضعه الصحي في عام 2012، ومن ثم وفاته في تشرين الاول-اكتوبر من عام 2017.
وبما أن الديمقراطي الكردستاني لا يمتلك أغلبية برلمانية تتيح له إمرار رئاسة البرلمان، وفق رؤيته، اذ إنه حصد ستة وأربعين مقعداً في الانتخابات التي جرت في الثلاثين من شهر ايلول-سبتمبر الماضي، ولم يتوصل الى رؤية توافقية مشتركة مع الاتحاد الوطني، فإنه نجح في التفاهم مع حركة التغيير (كوران)، التي لديها اثنا عشر مقعدا، ليحسم أمر رئاسة البرلمان.
بيد أن أفضل الخيارات السيئة التي لجأ اليها الديمقراطي الكردستاني، عقدت الأمور بدرجة أكبر، حسب ما يشير معنيون بالشأن الكردي، وبحسب ما أكدت المعطيات والوقائع الماثلة على الأرض.
ومعروف منذ أعوام طويلة، أن التفاهمات والتوافقات السياسية بين البارتي واليكتي، من شأنها ايجاد قدر كبير من الاستقرار والهدوء السياسي والمجتمعي، والازدهار الاقتصادي في عموم مدن ومناطق الاقليم، والعكس صحيح، الى جانب ذلك، فإن الخلاف والتقاطع يمكن أن يفضي الى تشكل ادارتين للاقليم، واحدة في اربيل، والأخرى في السليمانية، ناهيك عن كون الخلاف والتقاطع، غالباً ما يجعل السيوف تخرج من اغمادها، ويعلو صليلها.
وكذلك من المعروف، أن التفاهمات والتوافقات بين الطرفين المذكورين، لا تتحقق بيسر وسهولة، وقد تتطلب تدخل ودخول أطراف أخرى - خارجية في الأعم الأغلب - على الخط لتهيئة الأرضيات وترطيب الأجواء وتليين القلوب.
وخلال أكثر من عام، تصاعدت حدة الخلافات بين البارتي واليكتي، على خلفية جملة قضايا وملفات، من بينها الاستفتاء حول انفصال الاقليم عن العراق، وانسحاب قوات البيشمركة من محافظة كركوك، ورئاسة الجمهورية - باعتبارها من حصة المكون الكردي - ومن ثم حصة الأخير في الكابينة الوزارية، وحصة كل طرف من الأطراف الكردية منها، وادارة محافظة كركوك.
وقد ألقت تلك الخلافات بظلالها على عموم المشهد الانتخابي الكردي، لتبرز وتتجلى بصورة حملات سياسية واعلامية متبادلة، واتهامات بالتزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات.
وكان المتوقع والمأمول هو أن تنحسر وتتقلص مساحات التنازع والخلاف بين الطرفين في مرحلة ما بعد الانتخابات، بالترافق مع أجواء الحوار السياسي الهادئ بعيداً عن أجواء الصراع الانتخابي الصاخب، وبالفعل شرع الجانبان في سلسلة حوارات جدية وعميقة، بحيث بدا لأي متابع أن الاقليم مقبل على مرحلة من استتباب الهدوء والاستقرار والوفاق السياسي، وأن المشاكل والازمات الاقتصادية الحياتية، التي عانى منها مواطنو الاقليم منذ اكثر من خمسة اعوام في طريقها الى الزوال.
بيد أن الوقائع جاءت عكس التوقعات، اذ لم تسفر عشرات الساعات من الحوارات والسجالات عن نتائج ايجابية مرضية للطرفين، بل على العكس، فإنها أفضت الى اتساع الهوة بينهما، بسبب التباين في تحديد الاولويات بالنسبة لكل منهما. فبينما أصر الاتحاد الوطني الكردستاني على حسم موضوع محافظ كركوك، وحقيبة وزارة العدل في الحكومة الاتحادية - باعتبار أنه يعد المنصبين الآنفين من حصته - بالتزامن مع ترتيب أمر حكومة الاقليم الجديدة وطريقة توزيع المناصب العليا بين الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات، رأى غريمه الديمقراطي الكردستاني، أن الاولوية يفترض أن تكون لتشكيل الحكومة، بمعزل عن أية ملفات أخرى.
وفي ظل استمرار الخلافات، والتباين الحاد في المواقف، قرر الاتحاد الوطني مقاطعة جلسات البرلمان، وهو ما أوضحه المتحدث باسمه لطيف شيخ عمر بقوله "عندما يتم تنفيذ البنود الخاصة بوضع محافظ كركوك ويكون من حصة الاتحاد الوطني، حينها سنشارك في جلسة البرلمان وعملية تشكيل الحكومة".
في حين نجح الديمقراطي بإقناع حركة التغيير بالتحالف معه من أجل فرض الأمر الواقع، مع ابقاء الباب مفتوحا أمام الاتحاد الوطني، عبر انتخاب رئيس مؤقت للاقليم من بين أعضاء كتلة الحزب الديمقراطي، الى أن يعود حزب الاتحاد ليترك له المنصب، مثلما اكد رئيس كتلة الحزب الديمقراطي في البرلمان هيمن هورامي، اذ اكد في تصريحات صحفية أن "منصب رئيس البرلمان من حصة الاتحاد الوطني الكردستاني، ولكن لعدم التوصل إلى اتفاق معه لغاية الآن رشحنا فالا فريد بشكل مؤقت، وانه بمجرد التوصل إلى تسوية مع حزب الرئيس العراقي الأسبق الراحل جلال طالباني سوف تنسحب مرشحتنا من رئاسة البرلمان".
ووفق صيغة الاتفاقات الاولية، من المفترض ان يحصل الحزب الديمقراطي على منصب رئيس الاقليم ورئيس الحكومة، والنائب الاول لرئيس البرلمان، ويحصل حزب الاتحاد على منصب رئيس البرلمان ونائب رئيس الاقليم، في حين يكون منصب نائب رئيس الحكومة من حصة حركة التغيير (كوران)، علما ان الاتحاد الاسلامي الكردستاني (يككرتو) وحراك الجيل الجديد، قررا مبكرا بعدم المشاركة في حكومة الاقليم، والبقاء في صفوف المعارضة.
ومع أن مقاطعة الاتحاد الوطني لا تعني أنه قرر الذهاب الى صف المعارضة، بقدر ما يسعى الى الضغط وضمان اكبر قدر من المكاسب السياسية، في اكثر من موضع، لا سيما في كركوك وبغداد، فإنه من الناحية الواقعية يتحرك حاليا في فضاء المعارضة، في وقت يبدو الديمقراطي الكردستاني وكأنه اللاعب الوحيد الذي يتولى رسم خارطة السلطة والنفوذ، حيث ان منصب رئيس الاقليم سيؤول الى الشخص الثاني في الحزب، رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، نيجرفان البارزاني، وسيذهب منصب رئيس الحكومة لمسرور البارزاني، نجل زعيم الحزب مسعود البارزاني، الذي يشغل حاليا منصب مستشار امن اقليم كردستان، او بعبارة اخرى المشرف على كل المنظومات الامنية والاستخباراتية للاقليم، وحصول الحزب على منصب رئاسة البرلمان مؤقتا، والذي تم انتخاب القيادية في الحزب فالا فريد له، الى ان يعود الاتحاد الوطني ويسمي مرشحا من بين صفوفه للمنصب.
ربما يرسخ هذا الاستئثار الكمي والنوعي بالمناصب العليا - مع ان الحزب احرز المركز الاول في نتائج انتخابات ايلول - سبتمبر الماضي - الانطباعات والتصورات القائمة بأن الامور في الاقليم تتجه الى تركيز السلطة بدرجة اكبر بعنوان سياسي معين، مع الابقاء على هامش صغير غير مؤثر بصورة حقيقية للعناوين السياسية الاخرى. وهذا يعني ان محركات وعوامل التأزيم والتشنج والاحتقان ستبقى موجودة وفاعلة، بحيث انه اذا لم تظهر مشاكل وأزمات جديدة، ستبقى الازمات والمشاكل الراهنة قائمة ومستعصية عن الحل، وحتى انهاء حزب الاتحاد مقاطعته لجلسات البرلمان لن يمثل المخرج من عنق الزجاجة!