خطاب الأسد... إرادة الاستقرار والحفاظ على السيادة
محمد يونس
رغم الإنجازات الميدانية التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه على امتداد الخارطة السورية كان الرئيس السوري بشار الأسد متواضعا في خطابه الذي ألقاه أول من يوم الأحد مع أنه ضمّن كلامه العديد من الرسائل الموجهة للداخل والخارج.
فعلى صعيد الشكل جاء الخطاب بعد خطوة ديمقراطية تعبر عن مدى الاستقرار الذي باتت تتمتع به الدولة السورية إذ كانت المناسبة استقبالا رئاسيا لرؤساء المجالس المحلية المنتخبين في خريف العام الماضي في انتخابات جرت للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب على سوريا في العام 2011، وهي مناسبة تعني في ما تعني إرادة الاستقرار والصمود لدى الدولة السورية، إذ وبتعبير الرئيس الأسد "كان مجرد إجرائها واحداً من الرهانات الأساسية للدولة لأنه يتوج مرحلة مهمة من مسيرة استعادة الأمن ودحر الإرهاب ويؤكد قوة الشعب والدولة، ويثبت مرة أخرى فشل رهان الأعداء على تحويل الدولة السورية إلى دولة فاشلة غير قادرة على القيام بمهامها الدستورية".
أما في المضمون فتنوعت الرسائل نحو الداخل والخارج، أولى هذه الرسائل كانت أن الحكومة السورية ماضية في مسيرة الإصلاحات الدستورية رغم كل هذا العدوان الذي يشن عليها، ثانيتها أن الحكومة السورية قررت أن تعطي مساحة أكبر من الصلاحيات للمجالس المحلية المنتخبة، ولكن بما لا يصل إلى حدود اللا مركزية المطلقة التي اعتبرها الرئيس الأسد بمثابة مقدمة لتقسيم الدولة السورية.
وفي حين كان الرئيس الأسد واقعيا في رفض إعلان الانتصار النهائي على الإرهاب، وجه الخطاب تقريعا شديد اللهجة لمن أسماهم الخونة الذين باعوا انفسهم للخارج ولكن لم ولن يتمكنوا من بيع الوطن لأن "الوطن له مالكون حقيقيون لا لصوص.. الوطن كالروح هي عبارات لا تفهمونها، الوطن مقدس كلمات لا تعرفون معناها لأنكم سماسرة رخيصون لم تستطعموا سوى الذل والهوان ولا يليق بكم سوى الازدراء والاحتقار”. ومع ذلك ترك الرئيس السوري باب الغفران والتسامح لهؤلاء مفتوحا عبر باب واحد هو "الانضمام إلى المصالحات وتسليم السلاح لمن حمل السلاح والتراجع عن الإثم لمن وضع نفسه ومصيره بتصرف الأعداء، ولأن الشعب كبير بمعناه وعريق بتاريخه فإن قلبه كبير بتسامحه واحتضانه للعائدين إليه عندما يكونون صادقين".
كل ذلك لأن الحرب الحقيقية هي ليست بين السوريين أنفسهم بل هي بين السوريين والإرهاب، وإن كان البعض قد انغمس في الخيانة والإرهاب لكنه "لا يعني تمثيلهم لأي شريحة في مجتمعنا وإنما يعني تمثيلهم للجانب المظلم الذي قد يصيب أي مجتمع من المجتمعات".
أما للخارج فكان القول بأن سوريا المنتصرة في حربها على الإرهاب لا يمكنها التخلي عن الثوابت والمبادئ الوطنية كما السيادة ولذا هي تشارك في النقاشات السياسية الهادفة لحل الأزمة في سوتشي حول الدستور، لكن ذلك لا يعني الخضوع للمساومات ولا للمجاملات فأي تهاون "قد يكون ثمنه أكبر من ثمن الحرب.. والحرب خاضها الشعب دفاعا عن استقلاله فمن غير المعقول أن يأتي الحل عبر التنازل عن هذا الاستقلال". وعليه لا يمكن السماح للدول المعادية أن تحقق عبر وكلائها من حاملي الجنسية السورية أيا من أهدافها سواء عبر فرض تشكيل اللجنة أو فرض آليات عملها بالشكل الذي يسهل لهم الوصول إلى غاياتهم التي لم يستطيعوا الوصول إليها عبر الحرب.
وإذا كان الأعداء قد أغرقوا سوريا في حرب قاسية طوال ثماني سنوات فإن ذلك لن يلهي الدولة السورية عن حقها بالدفاع عن كامل التراب السوري ورفض أي نوع من الاحتلالات. وقد وجه الرئيس السوري بشار الأسد رسالة قاسية للرئيس التركي مفادها أن سوريا لم تنسَ ما اقترفت يداه بحق الدولة السورية، وهي تؤكد أن "أي أرض أو شبر من سورية سوف يحرر، وأي متدخل هو عدو، وأي محتل سنتعامل معه كعدو.. هذا ليس رأيا سياسيا، هذا رأي وطني.. هذه بديهية وطنية غير خاضعة للنقاش وهي ليست رأي دولة.. هذا موضوع محسوم".
هو خطاب الانتصار وإن لم يعلن عنه صراحة، خطاب التأكيد على الاستقرار والحفاظ على السيادة الوطنية مهما بلغت التحديات.