kayhan.ir

رمز الخبر: 89922
تأريخ النشر : 2019February04 - 19:26

الثورة الاسلامية في ايران بعيون فلسطينية استراتيجية...!

محمد صادق الحسيني

اربعون ربيعاً ولا تزال الثورة حية في صدور اهلها كما في محيطها الخارجي و كأنها ولدت بالامس او اليوم ، وممتدة في تأثيراتها وتداعياتها الزلزالية من اعماق اوراسيا حتى سواحل المتوسط وكل المياه الساخنة من هرمز الى باب المندب...!

فعلى الرغم من مرور اربعين عاما على انتصار الثورة الاسلامية في ايران الا ان تداعياتها وتأثيراتها العميقة ، في موازين القوى الاستراتيجية في العالم اجمع وليس في غرب آسيا وحدها ، لا زالت متواصلة ، بديناميكية عالية الوتيرة حاملة وسائل تجددها الذاتي بداخلها ، الامر الذي يؤكد ان لا خوف لا على الثورة ولا على أهدافها ، التي تمثلت منذ اللحظة الاولى بالاضافة الى الاطاحة بالاستبداد الداخلي في مقاومة الهيمنة الاستعمارية الامريكية على مقدرات الشعوب في العالم وتحقيق الحرية والسيادة والاستقلال الوطني الكامل لكافة شعوب الارض .

ومن الجدير بالذكر ، في هذا السياق ، ان الثورة الاسلامية في ايران قد جاءت كحلقة من حلقات الصراع الدولي ، بين القوى الاستعمارية وقوى التحرر الوطني ، سواءً في ما يسمى بالشرق الأوسط او في غيره من بقاع الارض . وقد جاء انتصار هذه الثورة بعيد ضربة كبرى تلقتها حركة التحرر الوطني العربية ، تلك الضربة التي تمثلت في زيارة السادات الخيانية للقدس المحتلة سنة ١٩٧٧ ، ثم توقيعه لاتفاقية الخيانة في كامب ديفيد بتاريخ ١٧/٩/١٩٧٨ .

حيث ان هذه الاتفاقية التي احدثت زلزالا استراتيجيا ، سياسيا وعسكريا ، في المنطقة والعالم ، وذلك من خلال خروج مصر من مشهد المواجهة العسكرية العربية مع العدو الصهيوني ، وبالتالي مع الولايات المتحدة ، التي كانت تستميت في محاولاتها لاستعادة بعض الهيبة السياسية والعسكرية ، التي فقدتها بعد هزيمتها المدوية في حرب فيتنام عام ١٩٧٥ .

فخروج مصر من المواجهة ادى الى خلل استراتيجي ، في موازين القوى "الشرق أوسطية ،"كان لا بد من اصلاحه وبأقصى سرعة ، لإعادة التوازن الاستراتيجي ، بمعناه الشامل وليس من خلال مقارنة حسابية لاعداد الدبابات والطائرات ، الى مسرح المواجهة ، وذلك حفاظا على ما تبقى من القوى المنخرطة في قتال العدو الصهيوني الامبريالي ، مثل سورية والثورة الفلسطينية وحلفاؤها اللبنانيون .

ولَم تتأخر القوى الثورية المعادية للامبريالية في الرد ، على الخلل الذي احدثتة سياسات الخيانة الساداتية ، حيث شرع الشعب الإيراني العظيم بوضع برنامجة الثوري الاسلامي قيد التنفيذ الفعلي ، الامر الذي ادى الى حصول زلزال طهران في بداية عام ١٩٧٩ والذي ادى الى اقتلاع عرش شاه ايران ، العميل للولايات المتحدة واسرائيل والذي كان يمارس ليس فقط دور شرطي هذه القوى الاستعمارية في المنطقة وقمع الشعوب العربية ، بل انه كان قد حوَّل ايران الى قاعدة تجسس ضخمة ضد الاتحاد السوفييتي ، صديق حركات التحرر العربية والعالمية .ذلك الزلزال الذي أفضى الى انتصار الثورة الاسلامية وعودة قائدها العظيم ، سماحة اية الله العظمى الخميني ، من منفاه في باريس الى طهران بتاريخ ١١/٢/١٩٧٩ .

وها هو الرئيس الاميركي الحالي ، دونالد ترامب ، يحاول اعادة عجلة التاريخ الى الوراء ، من خلال تصريحاته لبرنامج " واجِه الأُمة التلفزيوني الاميركي ( Face the Nation ) الذي تم بثه أمس ، والذي اكد فيه ترامب على ضرورة بقاء القوات الاميركية في العراق بهدف مراقبة ايران ...!

حيث كان يشير الى الوجود الاميركي في قاعدتي عين الأسد واربيل العراقيتين . مما يعني ان الولايات المتحدة لا زالت تنفذ نفس السياسات العدوانية السابقة والتي كانت تتبعها إبان الحكم الشاهنشاهي في ايران .

وقد شكل هذا الانتصار في ايران ضربة استراتيجية كبرى للمشاريع الاستعمارية في المنطقة ، وفِي مقدمتها المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين المحتلة ، حيث كانت دولة الاحتلال الاسرائيلي حليفا استراتيجيا لصيقا لنظام شاه ايران ، لكن الثورة الاسلامية اغلقت السفارة الصهيونية في طهران وحولتها الى سفارة لدولة فلسطين .

وهذا ما اكد عليه الزعيم الفلسطيني ، ياسر عرفات ( ابو عمار) في اول لقاء له مع قائد الثورة الاسلامية في طهران يوم ١٧/٢/١٩٧٩ ، عندما قال : ان جبهة المقاومة اصبحت تمتد من صور الى خراسان ....فماذا يعني هذا الكلام من ناحية المفاعيل الاستراتيجية ؟ على صعيد موازين القوى في ميادين المواجهة .

اولا : ان سقوط نظام شاه ايران قد خلق افقا استراتيجيا واسعا للقوى المعادية للامبريالية في المنطقة العربية بشكل عام ، ورغم اضطراب العلاقة بين دول وتنظيمات وأحزاب وفصائل تلك القوى انذاك ، كما يتضح من طبيعة التوتر الذي كان يسود العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية وسورية مثلا ...!

وعلى الرغم من التناقضات الداخلية ، بين أطراف حلف المقاومة انذاك ، الا ان الدور الإيراني حافظ على حيويته وديناميكيته ، من خلال تقوية علاقات الجمهورية الاسلامية الايرانية مع كافة أطراف قوى الثورة والمقاومة اللبنانية والفلسطينية في لبنان ، اضافة الى بدء علاقة تحالف إيرانية سورية متينة شملت مختلف مجالات التعاون الامر الذي شكل ارضية صلبة لتشكيل محور مقاومة متجانس ومتناغم.

ثانيا : كما ان انتصار الثورة الاسلامية في ايران قد أوجد ، ومن الناحية الموضوعية المجردة والبعيدة عن العواطف والمواقف الشخصية ، وبالنظر الى العقيدة الجهادية الثابتة التي اعتمدتها الجمهورية الاسلامية في ايران ، قد خلق ليس فقط عمقا استراتيجيا لقوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية ، وانما خلق قاعدة استراتيجية ثابتة وقوية ومبادرة وقادرة يمكن الاعتماد على دعمها لتامين الاستمرارية في المقاومة وتطوير عملها التحرري .

وهو الامر الذي شهد على صحتة التصاعد المستمر في إنجازات المقاومة ، خاصة المقاومة الاسلامية في لبنان والمقاومة الفلسطينية في فلسطين المحتلة .هذا التصاعد الذي عبر عن نفسة بجلاء من خلال الانتصار الأسطوري الذي تحقق في لبنان ، ضد الجيش الاسرائيلي ، وذلك خلال الحرب التي شنها على لبنان عام ٢٠٠٦ . وكذلك الامر عندما عجز الجيش الاسرائيلي من ضرب المقاومة الفلسطينية في غزة ، عبر اربع حروب شنت على قطاع غزة والذي كان اخرها عدوان شهر ١١/٢٠١٨ الذي انتهى بهزيمة مدوية للجيش الاسرائيلي ...!

هذا الجيش الذي خبر مفاعيل المساعدات العسكرية ، المباشرة وغير المباشرة المقدمة للمقاومة الفلسطينية من ايران ، سواء عبر استخدام صواريخ الكورنيت المضادة للدروع او باستخدام الصواريخ الدقيقة في قصف عسقلان وإصابة اهداف فيها بدقة متناهية .

ثالثا : بناء وتطوير قاعدة علمية تكنولوجية صناعية عملاقة في ايران ، وذلك من خلال تطوير القدرات الذاتية للشعب الإيراني وإطلاق العنان لإبداعه ، عبر تنمية ورعاية الطاقات العلمية الايرانية ، وتعميق العلم والمعرفة في وجدان الشعب الإيراني ، المحب للقراءة والمعرفة والعلم تاريخيا . وهو الامر الذي تؤكده حقيقة ان مجموع ما ينشر في ايران من صحف محلية يومية قد وصل الى الف ومائة صحيفة يومية وأسبوعية وفصلية ، الى جانب ثلاثة وسبعين الف كتاب جديد تم نشرها سنة ٢٠١٨ ( السعودية نشرت ٢٨٠٠ كتاب فقط ) ، وافتتاح اكبر حديقة للكتب في العالم ، في شهر تموز ٢٠١٧ ، بمساحة اجمالية تبلغ مائة وعشرة الاف متر مربع ، وهي بذلك تكون اكبر من مكتبة بارنز ونوبل في نيويورك .

رابعا : وفِي اطار تطوير القاعدة العلمية في ايران فقد نجحت قيادة الجمهورية الاسلامية في ايران في تحويل البلاد الى مركز هام للعلم و المعرفة . اذ بلغ عدد الطلاب المسجلين في الجامعات الايرانية خمسة ملايين ونصف المليون طالب سنة ٢٠١٧ ، بالاضافة الى خمسين ألفا اخرين يتلقون علومهم في الجامعات الاوروبية ، واثني عشر ألفا الى جانبهم في الجامعات الاميركية .

علما ان عدد الطلاب في الجامعات الايرانية قبل انتصار الثورة الاسلامية لم يتجاوز المائة الف طالب .وهو الامر الذي جعل ايران قادرة على تأهيل الكوادر والطاقات العلمية المحلية الضرورية لتسيير وتطوير قاعدتها الصناعية الضرورية وتامين النهضة المستدامة للاقتصاد الإيراني المقاوم . وما الدليل على ذلك الا تسجيل ستة وثلاثين الف برائة اختراع جديد ، لطاقات إيرانية شابة ، خلال عام ٢٠١٧فقط ، ما يجعل الجمهورية الاسلامية من الدول العشر الاولى في الاختراعات العلمية المختلفة .

سادسا: اذن فحملات العداء المتواصلة ، والعقوبات المختلفة ، ضد الجمهورية الاسلامية في ايران ، من قبل القوى الاستعمارية والصهيونية ، وعلى رأسهما الولايات المتحدة ودولة كيان الاحتلال الصهيوني ، ليست مرتبطة لا بالاسلحة النووية المزعومة ولا ببرنامج الصواريخ الحربية الايرانية ( اَي ما تسمى الصواريخ الباليستية وهي بالمناسبة تسمية خاطئة ، حيث ان كلمة بالستي ، او - Ballestic بالانجليزية - هي كلمة يونانية الأصل وتعني : علم دراسة حركة او حركيات المقذوفات - ) وانما باتساع العلم والمعرفة لدى الشعب الإيراني ، المقترنة بارادة سياسية حديدية وقرارا واضحا وصريحا ، من قبل قيادة الثورة الاسلامية وقائدها ، والذي ينص على ضرورة تطوير البلاد وتحصينها ورفع مكانتها بين الدول ، عبر الاعتماد على الذات والإمكانيات المحلية والاقتصاد المقاوم غير الخاضع لقوى الهيمنة والاستعمار .

وهذا يعني بالطبع : العمل على انجاز الاستقلال الوطني الكامل والانفكاك من نير التبعية للقوى الاستعمارية الأجنبية ، وبالتالي وضع حد لنهب خيرات البلاد البترولية والمعدنية ( خامات معدنية ) ، من قبل شركات الدول الاستعمارية .

وبما ان المواجهة الشاملة ، بين الولايات المتحدة والجمهورية الاسلامية ، لا تقتصر على الميدان العسكري فقط ، فقد اقامت الجمهورية الاسلامية الايرانية منطقة منع دخول اقتصادي ، او Anti Access ، في وجه الدول الاستعمارية ، مانعة إياها من مواصلة نهب خيرات الشعب الإيراني كما كان عليه الحال في عهد نظام شاه ايران السابق .

من هنا فان القراءة الدقيقة ، للأهداف الاميركية تجاه الجمهورية الاسلامية في ايران ، لا تدع مجالا للشك بان اسقاط ." النظام الإيراني " بحد ذاته ليس هو الهدف الاميركي . بل ان الهدف يتمثل في اعادة التبعية حتى لو بقي من يحكم البلاد مرتديا الجلباب والعمة .ولنا في الدول المجاورة لايران والتابعة للولايات المتحدة اوضح مثال على ذلك .

سابعا : وعلى الرغم من النجاحات الكبرى التي حققتها الثورة الاسلامية في ايران ، وعلى مختلف الصعد ، فان الاخطار المحدقة بهذة التجربة الناجحة لا زالت كبيرة جدا وتستدعي اتباع سياسة خارجية غاية في الحزم الى جانب سياسة داخلية ديناميكية تكون بوصلتها تعزيز كرامة المواطن الإيراني ، من خلال تامين احتياجاته اليومية ورفع قدرته على مواجهة متطلبات الحياة ، المتزايدة الصعوبة بسبب مواصلة اجراءات الحصار الاميركية الخانقة .

بمعنى ان العمل على قطع الطريق الداخلي على العدو الخارجي يجب ان تكون له الأولوية المطلقة وذلك لتعزيز القدرة على المواجهة وتامين فرص النجاح والتطور للجمهورية الاسلامية وشعبها المقتدر .وهو الامر الذي لا يساورنا اي شك في انه سيتحقق قطعا بفضل صمود شعبه العزيز وحكمة قيادته العالية الحنكة .

بعدنا طيبين قولوا الله