حقوق الإنسان بين فكر الإمام الخميني والتطبيق الغربي
علي مطر
تعد حقوق الإنسان والحريات العامة مطلباً لكل إنسان. ودائماً ما يسعى الفرد إلى أن يكون حراً غير مأسور في مختلف الميادين. هذه الحرية تنبع من حق مكتسب نصت عليه الأديان السماوية كافة، وعلى رأسها الدين الإسلامي. وتعتبر الحريات العامة حقا ذاتيا يتصل مباشرةً بكيان الإنسان كفرد في المجتمع. ورغم الإعتراف بهذا الحق على المستويين الوطني والدولي، إلا أن هذه الحريات ما تزال تعاني من التضييق المستمر عليها، تارةً نتيجة النظام السياسي الداخلي، وأخرى من الهيمنة الدولية على الشعوب الفقيرة.
وتختلف الرؤى حول هذه الحريات، بين نظرة وضعية تحدث عنها الغرب، ونظرة إسلامية نصت عليها الشريعة الإسلامية وأكدتها النصوص الدينية، وسارت عليها سيرة الأنبياء عامة والنبي محمد "ص" خاصةً. ففي حين يقول الغرب إن الأساس الذي تبنى عليه الحرية هو ما يختاره الإنسان ولا يصل إلى منازعة حرية الآخرين، حتى لو كان يغلب على هذه الحريات الفساد، يرى الإمام الخميني قدس أن "الناس أحرار ولن يقف أحد بوجه حريتهم إلا إذا أدت بهم الحرية إلى الفساد والضياع، أو أدى ذلك إلى تخلف الشعوب". (الكلمات القصار).
وبالتالي فإنه ليس من الحرية في شيء إفساح المجال للآخرين، إلى التهتك والانفلات، وهنا يقول الإمام الخميني إن "الإسلام فيه حرية أيضاً، لكنها ليست حرية التهتك والانفلات، فنحن نرفض الحرية بالمفهوم الغربي". ولا شك أن الحرية بالمفهوم الغربي تؤدي إلى نتائج وآثار مدمرة. وهذا ما كان يؤكد عليه الإمام حيث يقول إن "الحرية على الطراز الغربي تؤدي غالباً إلى تدمير الشباب". ولهذا يرفض الإمام الخميني كما الإسلام هذا النوع من الحرية الباطلة، حيث يشير إلى أن "الإسلام والعقل يرفضان الحرية بشكلها الغربي، الذي يجر إلى الفساد والضياع".
أما الحرية بالمفهوم الإسلامي، فهي غير مفصولة عن الهدف الذي وجد الإنسان من أجله، وهو تكامله ورقيه ونيله أرفع المراتب في هذا الوجود، ويقول الإمام الخميني، إن "الحرية التي يقول بها الإسلام، محدودة بالقوانين الإسلامية، وينبغي أن تكون الحرية ضمن حدود الإسلام والقانون". وقد أكد الإمام الخميني على عدم استغلال الحرية بالقول "احفظوا حدود الإسلام، ولا يساء استغلال الحريات، فالحرية مقيدة بحدود الإسلام". مع تأكيده على أن "الحرية التي يتمتع بها أبناء الشعب من النساء والرجال، هي من النوع الذي يصب في منفعة الشعب"، ويضيف "انتم احرار في التعبير عن أفكاركم وآرائكم".
وتعد فكرة الحرية السياسية وعدم التبعية، من أرقى وأهم الأفكار المنظرة للحرية التي قدم لها الإمام الخميني، حيث يؤكد أن الإسلام هو دين الحرية، بمعنى أن يرسم للإنسان، إطار الحرية وسبيلها، وإلا تنقلب الحرية المدّعاة إلى عبودية من نوع آخر، والحرية السياسية هي من أهم الأهداف التي سعى الإسلام إلى تحقيقها، وحث على حسن استخدامها من قبل الجميع، فنجد الإمام يدعو الشعوب إلى التحرر والاستقلال وخلع الاغلال، ويعتبر ذلك أمراً لازماً. ويقول في هذا الصدد "يجب على أبناء الشعب الإيراني الشريف والمسلمين وجميع الأحرار في العالم أن يعلموا بأن عليهم أن يقدموا ثمناً غالياً للاستقلال والحرية فيما لو أرادوا الوقوف مستقلين عن أي قوة عظمى". ويؤكد أن الحرية والاستقلال هما طريق الحصول على العزة والكرامة.
وقد انعكس هذا الفكر المتقدم في النظر إلى الحرية، على بناء الدولة في إيران، وتحرير الشعب الإيراني من قيود الظلم والاستعباد في عهد الشاهنشاهية. فقد سعى الإمام في هذا الإطار، إلى تأسيس قاعدة ونموذج يمكن للشعب أن يحتذيه من خلال بناء الدولة الإسلامية في إيران، فيقول إن أقصى ما اتمناه هو أن يتخلص أبناء الشعب الإيراني من سيطرة الظلم، ويصبحوا أصحاب بلد حر ومستقل، يحكمه نظام إسلامي تراعى فيه حقوق البشر كما أمر بها الإسلام"، وقد رفد الإمام هذه الحرية بضرورة التقدم والرقي على كل المستويات، حيث أشار إلى أنه يريد لأبناء الشعب الإيراني "أن يصبحوا أسوة لكل الشعوب في التقدم والرقي والسعادة الإنسانية".
وقد تطرق الإمام الخميني، إلى مسألة حق الشعوب في تقرير مصيرها، هذا الحق الهام الذي نص عليه القانون الدولي، ولم يطبق بشكل تام وعادل، وما يحصل في فلسطين خير دليل على ذلك، ومما تقدم، فأكد الإمام على أهمية الاعتراف بحق كل شعب في تقرير مصيره بنفسه، حيث يقول إن "القانون والعقل ووثيقة حقوق الإنسان تجمع على الاقرار بحق كل بلد في تقرير مصيره بنفسه".(صحيفة الإمام، ج5، ص 347) وقد لفت إلى أن "كلاً من حرية التعبير، وحرية الانتخابات، وحرية الصحافة، وحرية الإذاعة والتلفزيون، وحرية الإعلام، كل ذلك يعد من حقوق الإنسان بل من أولوياتها". (صحيفة الإمام جزء 4 ص 400).
ويؤمن الإمام "قده" بأن مزاعم الدفاع عن حقوق الإنسان، ليست أكثر من ألفاظ يتشدق بها الادعياء المستكبرون، "لنهب ثروات الشعوب المستضعفة.. والتمويه على جرائمهم، وبلوغ مطامعهم الشخصية والحزبية، والتي تتلخص في الهيمنة على المستضعفين ومص دماء المحرومين". (صحيفة النور)
ويعتبر الإمام أن الحكومة الإسلامية، بالاستناد إلى الحدود الإلهية قادرة على الحفاظ على حقوق الإنسان، مشيراً إلى أن "الحكومة الإسلامية مبنية على حقوق الإنسان ورعايتها، فما من منظمة ولا حكومة رعت حقوق الإنسان كما رعاها الإسلام. وفي الحكومة الإسلامية تتبلور الحرية والديمقراطية بمعناها الحقيقي، ويساوي أعلى مسؤول فيها أدنى فرد". ولا يغفل الإمام دائماً عن التأكيد على التزام هذه الحقوق بالعقائد الدينية الإلهية من أجل صيانة حقوق الإنسان، حيث يقول إن "الدولة التي يحق لها التشدق بالدفاع عن حقوق الإنسان وصيانتها هي التي تكون حكومتها قائمة على أساس العقائد الدينية الإلهية"، وإلا فسوف تعم الفوضى وينتهي الإنسان إلى الانحراف.(صحيفة النور، ج4، ص 402).
لقد استطاع الإمام الخميني تطبيق هذه الحقوق والحريات في نظام الجمهورية الإسلامية، فأعطى كل ذي حق حقه، وعلى سبيل المثال، منح الحقوق والحريات لجماعات الأقلية الدينية، فأصبحوا يمارسون حقوقهم الدينية بكل حرية، وكذلك منح المرأة الإيرانية حقوقها كاملة. لقد أعطى الإمام الخميني نموذجاً في تطبيق الحريات والحقوق الإنسانية، بشكل متقدّم جداً عما طبقه النظام الغربي الذي يستخدم المعايير المزدوجة بشكل دائم عندما يطبّق هذه الحقوق.