الشارع الإسرائيلي و”كاريزما” السيد نصرالله
أمين أبوراشد
منذ تسعينات القرن الماضي بدأت صواريخ المقاومة تخلق ما هو جديد في مفاهيم الردع، من خلال التأثير على صانعي القرار في "اسرائيل” وعلى "الجمهور الاسرائيلي”، وبالموازاة توالت خطابات السيد نصر الله التي تمس وعي "الجبهة الداخلية” الاسرائيلية مما يدلّ على قدرة المقاومة وقيادتها على معرفة اسس التأثير هذه والتعامل معها.
خلال ربع قرنٍ، تعززت تدريجياً هذه المفاهيم في الداخل الإسرائيلي، و”لقاء العام” الذي أجرته قناة الميادين مع سماحة السيد نصرالله منذ أيام، انتظره الشارع الاسرائيلي وتابعه كالعادة باهتمام، وكانت له ردود فعله عليه، وبدا هذا الشارع غير مُهتمٍّ لا بتعليق نتانياهو على الإطلالة ولا بالتصريحات الهزيلة التي يُطلِقُها المتحدِّث بإسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، وقال مستوطن إسرائيلي: "أدرعي يُحاول تأليب الشارع اللبناني والشيعي بشكلٍ خاص على حزب الله، بدل أن يعمل على تعزيز معنوياتنا.
وعلى وقع حكاية "الشاكوش” التي نالت أرقاماً قياسية في التغريد، فإن خوف المستوطنين منه يعود لسنوات، ولطالما هرول سكان المستوطنات الشمالية من بيوتهم ليلاً وبملابس النوم، وقالوا ”نشعُر بأنهم يحفرون أنفاقاً تحت أسِرَّتنا”، فإن المسألة باتت لدى المستوطنين كوابيس رُعب إسمها "طرقة الشاكوش”، وإذا كان أدرعي قد إطمأن لإكتشاف الأنفاق والإنتصار على "الشاكوش” فإن هذا "النصر” قد جعله مادةً للتندُّر لدى المستوطنين، أن الجيش الإسرائيلي حقق بترسانات أسلحته النصر على "شاكوش”، وبالتالي جاءت التغريدات المُعزَّزة بالصور لشباب لبنانيين يحملون الشواكيش وكأنه سلاح لبناني معنوي جديد كان الإسرائيلي بِغِنى عنه.
ومن الأنفاق ننتقل الى الجدار الإسمنتي الذي يبنيه الصهاينة على الحدود مع لبنان، يقول مستوطن إسرائيلي بعد أن تابع إطلالة السيِّد نصرالله، ما جدوى إقامة جدار لا يصلُح سوى لمناورات التسلٌّق للعسكريين؟، خطر حزب الله هو في صواريخه التي لن تترك لنا مكاناً آمناً نلجأ اليه في حال نشوب حرب.
وإذا كان المٌعلِّقون الصهاينة قد أبهرتهم السكينة البادية على وجه السيِّد نصرالله في "لقاء العام”، وتبريره المُقنِع لغيابه خلال الفترة الماضية، وأن لديه ثلاث إطلالاتٍ بمناسبات مختلفة خلال شهر شباط، فإنهم بذلك يردُّون على أفيخاي أدرعي شخصياً، الذي جعل من سكوت السيِّد قضيةً أراد الإنتصار فيها على الإحباط الإسرائيلي، لأن المسألة غير مرتبطة فقط بمعنويات الجيش بل ب”الشارع الشعبي” داخل "إسرائيل"، الذي يعتبر أن الخطر ليس محصوراً في الجليل الذي يحاولون حمايته بهذا الجدار، طالما أن السيِّد نصرالله يتحدَّث عن صواريخ بالغة الدقَّة ومن مختلف الأنواع لجهة المدى.
رُبع قرنٍ تقريباً، من العام 1996 حتى العام 2019، وُلِدَ جيلٌ جديد في كيان العدو، وتربَّى على عدم تصديق حكومته وجيشه، خاصة بعد إزالة الاحتلال الإسرائيلي من لبنان عام 2000، والإنتصار على العدوان عام 2006، واستمرار سياسة توازن الرعب التي تنتهجها المقاومة، وهذا الجيل العشريني عاش فقط زمن الهزائم، ويختلف عن الأجيال التي سبقته والتي عاشت غطرسة "إسرائيل" على العرب، ونشأت لدى هذا الجيل علاقة تاثّر ثقافي عن بُعد مع شخصية نافذة عَرَفت كيف تقلِب المُعادلات وكيف تبني سياسة توازن الرُعب، ومن هنا نشأت في أذهان المستوطنين مشكلة وجودية وباتوا أسرى "كاريزما” لم يعرفوها من قَبل في دُنيا العرب.